تتحدث الكاتبة السورية ماري رشو في روايتها «حرائق امرأة» عن حياة درجنا على وصفها بانها حياة شرقية حيث يتحكم الرجل بالمراة التي لا دور لها الا الانجاب وتربية الاولاد والسهر على طلبات الزوج الامر الناهي. الا ان عالم بطلة ماري رشو ليس بلدا شرقيا بل الغرب وربما صح القول انه قلب الغرب اي الولايات المتحدة الامريكية. تبدو في حياتها كأنها تخضع لنوع من العبودبة. انه نوع حضاري لها فيه كل ما تشتهيه ماديا فالزوج ثري صاحب اعمال لكن حدود حريتها لا تصل الى ابعد من ذلك. ويتحول الحل الى اللجؤ الى نوع من الهروب والتشرد الموقت ايام كانت دارجة تلك الموجات «الهبية» التي شهدها عقد السبعينات من القرن المنصرم. عنوان الرواية اي «حرائق امراة» قد يوحي للوهلة الاولى بمشكلات عند هذه المرأة تختلف عن معاناتها الحقيقية. فالواقع ان مشكلتها ربما كان الاصح اختصارها بكلمة حرائق الذي يوحي باللهب بل بتعبير هو «جحيم بارد» على حد تعبير الشاعر الراحل خليل حاوي في عنوان لاحدى قصائده. انه حالة تشبهها صاحبتها بالموت البطيء. ولماري رشو اعمال روائية وقصصية اخرى لا تقل عن 14 عملا. وقد جاءت روايتها التي بين ايدينا في 143 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن «الدار العربية للعلوم ناشرون». مرت البطلة في ظروف صعبة في طفولتها وصباها وانجبت ابنة غير شرعية وتقلبت في اعمال مختلفة قبل ان تستقر على وظيفة نادلة في احد المطاعم. هناك تعرفت الى رجل ثري من رجال الاعمال فاحبها وتزوجا وبدت سعيدة الى فترة من حياتها حيث اصبحت اسيرة المنزل وخادمة لطموحات زوجها. وتحول البيت الى كابوس فهي ممنوعة من العمل كي تتسلى وممنوعة من الخروج. وتقول في احد المجالات واصفة عالما من الوحدة والوحشة «تراجعت احلامي شيئا فشيئا ففي كل مرة كنت استيقظ من حلم على واقع بات حقيقة.فانهض من كبوتي مختنقة. كم اكره هذا البيت. كم اكره جدرانه ونوافذه وبابيه وبخاصة الباب المؤدي الى الحديقة حيث يقبع الكلب الضخم حارس المكان»... وعلى مقربة من الجدار الشبكي الذي يسيج الحديقة يمتد الشارع برصيفيه، يحلو لبعض الجوار ممارسة رياضته المفضلة، يتمشى رجل او تتمشى امرأة وحين يعلو عواء الكلب فلان طفلا يعاكسه او كلبا اخر عبر قرب مملكته.. «يوم انجبت داني نسيت كل ما هو خارج البيت. اصبح ابني كل عالمي انام على مناغاته واستيقظ على ابتسامته. كان زوجي راضيا باستكانتي ومعجبا باستسلامي فيغدق على البيت بلا حساب... فقدت حيويتي ونسيت رغباتي واحلامي وتعلمت انتظاره ومراقبة تأففه اثر يوم عمل شاق وطويل وتشوقه لرائحة طهو شهي يسيل له لعابه... لماذا وردت فكرة الطلاق الى ذهني؟ هل حننت لا يام الفاقة والعوز؟ ام كرهت القيود؟ كانت احدى زميلاتي تغني: لست ارضى قفصا وان يكن من ذهب. وانا افكر بالطلاق فارى نفسي وقد امتطيت فرسا ابيض اللون اطير بلاوزن ولا اثقال كأنني بلا انتماء احلق كروح بلا جسد وابتعد الى لامكان والى لا زمان...»، واستطاعت التفلت من قبضته واخذت تعمل في مكان تملكه سيدة عربية عاملت موظفاتها بنبل وصدا قة كأنها اخت لهن. بعد دعاوى حكمت المحكمة بحضانتها للولد وبحق والده في اخذه في نهاية كل اسبوع. كان الولد يبتعد عنها شيئا فشيئا بسبب فقرها وغنى ابيه الى ان انفجرت به مرة وضربته فحكم عليها بالتخلي عنه لصالح الاب. اعارتها ربة عملها سيارتها وفي احدى المرات قادت السيارة متوجهة الى البعيد دون تساؤل الى اين تذهب. تقول الزوجة واسمها تاندرا عن ذلك «ولكن ليلة الهروب تهاجم ذاكرتي بين الفينة و الاخرى... مدى انانية تاندرا... لم تفكر باحد هربت كلص تجاهلت كل شيء نسيت كل شيء...» ابنها وابنتها وربة عملها التي وثقت بها. اجتازت ولايات ووصلت الى فلوريدا . في الطريق صدمت السيارة وحطمتها ثم ادعت ان زنجيين اعتديا عليها وسلباها السيارة . وصلت الى مكان تجمع المشردين في فلوريدا. هناك تعرفت الى احدهم. كان يعزف الموسقى بروعة. كان الرجل ميسورا وذا عائلة الا انه تخلى عن كل ذلك ولجأ الى «عالم الحرية» هذا. ونشأت بينهما علاقة جميلة لكن لا بد من نهاية لكل شيء .كانت قصتها قد انتشرت في الصحف ومحطات التلفزيون ووصفت بانها فقدت ذاكرتها. وبدا ان الجميع صدقوها. الا انها في حالة من التجلي قررت العودة الى حياتها السابقة حيث بدا ان هذه الرحلة شفتها. وجدت الجميع في انتظارها وعلى رأسهم ولداها وربة عملها.
العدد 3619 - الجمعة 03 أغسطس 2012م الموافق 15 رمضان 1433هـ