"وفيات ارتفعت حصيلتها في السنوات الأخيرة بشكل كبير وملفت للنظر، حتى صرنا نفقد على الأقل في كل شهر من الشهور ضحيتين مع بقائنا مكتوفي الأيدي عاجزين عن فعل حل حقيقي يعالج هذه الأزمة التي باتت تعصف بعدد كبير من ضحايا مرض السكلر، والذي بات يؤرق عوائل المرضى والمرضى أنفسهم، خصوصاً مع ظهور عجز تام في تقديم خدمة طبية كفيلة بعلاجهم على أحسن حال. وعود تراوح مكانها على الورق لا أكثر من ذلك، بل إن الأدهى أن الحال يسوء يوماً بعد يوم والضحايا المرضى أولاً وأخيراً. هم ضحايا، لأنهم طلبة يتغيبون عن دروسهم في مدارسهم وجامعاتهم ويفوتهم ما يفوتهم من مرحلة مهمة في حياة أي إنسان يريد تكوين نفسه لأن يعيش حياته كباقي الناس. هم ضحايا أيضاً، لأنهم عاطلون عن العمل، وخصوصاً أن الجميع يسد أبواب عمله حينما يعلم بأنهم مرضى يترددون كثيراً على المستشفى ويتغيبون عن أعمالهم، فيظل - المرضى - في حالة مادية صعبة ناهيك عن الحالة النفسية. هم ضحايا، لأن هؤلاء المرضى سماهم البعض (مدمنون) وظلت فئة من جميع طبقات المجتمع - حتى المثقفة منها - تنفر من هذه الضحايا لأن اتهاماً مزيفاً ومخالفاً للأعراف الدولية قد تم تلفيقه لهذه الفئة التي تشكل 18 ألف شخص من شعب البحرين. أيضاً هم ضحايا، لأنهم وقعوا في حلقة مغلقة بشكل محكم لا يستطيعون الخروج منها، فمستشفى وحيد للبلاد ولكل العباد لا يوجد فيه قسم متخصص لعلاج مرضهم ومتابعة نوباتهم المتكررة، بالإضافة إلى عدم الاستماع لشكواهم وآرائهم فيما يتعلق بمرضهم وحلول علاجهم حتى وإن وجد طرفا العملية - وزارة الصحة وجمعية السكلر - إلا أن ذلك لا يتعدى لأن يكون العمل كلام لسان لا أكثر".
تلك لم تكن قصة خيالية لمسلسل مكسيكي أو لأحد الأفلام الأميركية، أو كلاماً إنشائياً للتأمل فيه لا يؤخر ولا يقدم، وإنما جزء بسيط من قصة نعيشها وذقنا مرارتها مراراً وتكراراً خلال السنوات الماضية، قصة تحمل في طياتها جزءاً كبيراً من واقع إنساني وبشري يتعلق بضمير نائم يجب أن يفيق من نومه العميق وتجاهله اللافت ليحل هذا الواقع الأليم لحال هؤلاء المرضى الذين لا يملكون سوى تسليم أمرهم لله، خصوصاً مع تزايد حالات وفاتهم وبقاء مصيرهم على كف عفريت.
أحمد مهدي
العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ