فضَّل الله سبحانه وتعالى الإنسان على سائر المخلوقات، فالإنسان مخلوق مكرم ومنزه على غيره، فيمتاز بالعقل والإحساس اللذان من خلالهما بإمكانه إدراك كل ما هو حوله من الأشياء والموجودات، فتكونت عنده حاجات، رغبات، وغرائز فطرية نتاجها ما هو مكنون في قرارة ذاته، فهو يحتاج إلى الأكل، الشرب، النوم، الحب، الجنس، التفكر، التطور، وغيرها من الاحتياجات التي من شأنها استمرار بقاء كيانه بما في ذلك لا غنى لحاجته للدين، فالدين يعبر عن حاجة حقيقة واقعية تنبع من الأعماق.
عزيزي الشاب، عزيزتي الشابة إن الجلوس والانخراط في المجالس الحسينية لا يقل أهمية عن الجلوس في الجامعات والمعاهد والمدارس وغيرها لما تلعبه من دور، بالإمكان أن يتلقى فيه الإنسان أي علوم ومعارف. فكما يتم إلقاء المحاضرات والدروس والعلوم والقصص والروايات فإنه من الممكن واليسير تلقي كل ذلك في المأتم بصبغة دينية دستورها سنة الرسول (ص).
ففي المأتم يطرح الجانب الاجتماعي من خلال الحديث عن الحياة الاجتماعية للأنبياء والأئمة عن طريق الاقتداء بهم، وكذلك الجانب النفسي، الروحي والعقائدي والمنطقي والأخلاقي، من خلال ربطه بالشق الديني، فالنبي (ص) قال "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا"، فهذا الحديث الشريف بلغ حداً من الشهرة، فقد رواه الفريقان، واعترفت به الفرقتان، وعرفه الخاص والعام، بل حفظه الكبير والصغير والعالم والجاهل، فهو فاكهة الأندية وفي مذاق الأفواه، حتى كاد أن يتجاوز حد التواتر، فهو دليل واضح على التمسك بأحكام وتعاليم القرآن والاقتداء بأهل البيت (ع).
لماذا نرى الإقبال الضعيف وغير المرجو على هذه المؤسسة، فيما يقتصر التركيز على الجامعات فقط؟ رغم اجتماع مختلف أنواع العلوم التي من الممكن تلقيها من الخطباء والقارئات في المأتم. علاوة على ذلك أطرح مقارنة بين رجل شيخ وشاب في مقتبل العمر، فما الذي يجعل شيخاً طاعناً في السن ومقعداً يتمسك بالذهاب للمأتم وهو معذور في عدم حضوره، ومن جهة أخرى ما الذي يجعل شبابنا في المقاهي والمجمعات التجارية وأمام شاشات التلفاز والكمبيوتر في بيوتهم لا يحضرون؟!
من وجهة نظري، إن السبب يكمن في تعمق معرفة الشيخ بدور المأتم وأهميته من
عدة أبعاد منها الأخلاقية والتربوية والاجتماعية من خلال الاقتداء بأهل البيت، والاطلاع على سيرتهم والسير على نهجهم، في قبالة تجاهل الشباب وللأسف في عدم الإحاطة بالقدر الكافي من العلم والمعرفة. لا أقول بأن الذهاب للمجمعات والمقاهي التجارية وغيرها من أمور ترفيهية
بمثابة معصية أو جرم أكبر، وإنما أحث على قضاء الأوقات بما فيه علم ومنفعة من شأنه أن يرقي ويصعد من روح الإنسان. كما لا أعمم ذلك على جميع الشباب. ولا أحمل كل الشباب والشابات في تقصيرهم عن الذهاب للمآتم، وإنما أحمل المآتم نفسها هذه المسئولية التي لابد لها من استقطاب الرواد لها وجذبها، خصوصاً من الفئة الشابة، لما لهذه المرحلة من أهمية ودور في بناء شخصية الإنسان.
من هنا، نجد أهمية عدم إغفال تأثير المؤسسة الحسينية على الشباب، وما لها من أثر بالغ على سلوك الإنسان في تهيئة الأرض الخصبة لنمو قيم الخير والصلاح في حياة المجتمع.
منال عادل التيتون
العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ