العدد 3642 - الأحد 26 أغسطس 2012م الموافق 08 شوال 1433هـ

الأمهات يبحثن عن الطعام في تلال النمل

هنرييت سانجلار أم لأربعة أطفال يعيشون في حي موورسال بالعاصمة التشادية (نجامينا)، وتقول لوكالة «إنتر بريس سيرفس»: «الله وحده يعلم ماذا سيحدث لي ولأولادي، فمنذ شهرين ونحن لا نجد شيئاً لنأكله. إننا نعيش مثل المتسولين».

وبدروها، تقول ديان نيلمال كواديري، الممرضة في مركز صحي في حي آخر في العاصمة، إن «المجاعة تتفشى في نجامينا أكثر فأكثر… يوماً بعد يوم».

وتضيف «من بين 14 طفلاً قمنا بفحصهم اليوم، بلغ عدد قليل جداً منهم الوزن الذي يجب أن يكونوا عليه في عمرهم. من الواضح أن هؤلاء الأطفال لم يتناولوا أي طعام خلال الأسبوعين الماضيين. وأصغرهم عمراً يعانون من سوء التغذية الحاد».

والمعروف أن إحدى علامات شدة الجوع هي أنه يصيب بشدة المناطق الزراعية المنتجة عادة في جنوب البلاد. وكانت بلاندين كارباي قد انتقلت إلى العاصمة من قريتها الصغيرة «بيبالا» حتى تتمكن من البقاء مع شقيقها الأصغر، يوسف.

وهي لا تريد العودة إلى القرية مع طفليها - اللذين يتراوح عمرهما بين 2 و5 أعوام - حتى عندما يبدأ موسم الأمطار مرة أخرى، لأن القرويين قد استنفدوا تماماً محتويات متاجرهم من المواد الغذائية، واضطروا لجمع الفاكهة البرية والبحث عن الجذور التي لا تؤكل في وقت البحبوحة.

وكان الشعور بالمجاعة على أشده في المنطقة المحيطة بالعاصمة، وهي التي تعتبر سلة الخبز في البلاد. لكن التأثير كان أسوأ من ذلك في منطقة الساحل التي عادة ما تتلقى أقل من 300 ملليمتر من الأمطار سنوياً خلال موسم الأمطار البالغ ثلاثة أشهر.

وكما كان الحال العام 2011 عندما انقطعت الأمطار أيضاً، أصابت المجاعة الجزء الشرقي من البلاد بشدة، مما أدى إلي تأثيرات مدمرة على المجتمعات في المناطق شبه الصحراوية من كانم، وجوويرا، وسلامات.

وأدت قلة الأمطار إلى ضعف المحاصيل. وفي كثير من الحالات وفي غضون ثلاثة أشهر من جلب محصولهم، كان غالبية الناس يأكلون كل إنتاجهم وقد وصل اليأس بهم إلى استهلاك البذور الموضوعة جانباً لزراعة النباتات في الموسم المقبل.

وسعيا منهم للبقاء على قيد الحياة، لجئوا إلى المنظمات الإنسانية للحصول على المساعدات. وتدفق البعض على البلدات والمدن بحثا عن عمل مؤقت كغسل الملابس، وتدبير المنزل أو العمل بالحدائق.

وقام منسق منظمة أوكسفام الدولية في غرب إفريقيا خلال توقفه في العاصمة ستيفن كوكبرن، بوصف التدابير اليائسة التي شاهدها في الريف بقوله، «في تاسينو، وهي قرية في منطقة مانجالمي في الجزء الأوسط من جوويرا، تقوم النساء بتحطيم تلال النمل والبحث عن الحبوب التي قام النمل بتخزينها في الأرض».

أما ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في تشاد مارسيل اتارا، فيقول إن «النساء والأطفال هم الفئة الأكثر ضعفاً في المجتمع. وفي مثل هذا الوضع، حيث يؤدي نقص الغذاء إلى ارتفاع الأسعار بنسب تتراوح ما بين 100 و200 في المئة، فإن ذلك يترك آثاره المدمرة وتأثيراته السلبية على الفئات الأكثر ضعفاً».

ويضيف «هذه الأزمة تصيب العائلات التي لديها فرص محدودة للحصول على الخدمات الصحية الأولية، والتي تعاني من سوء التغذية المزمن».

وقد اعترفت السلطات منذ بداية يناير/ كانون الثاني بهذا الخطر الوشيك، وأعلنت عن توفير الحبوب بأسعار مدعومة، في حين أطلقت نداءً للحصول على المساعدات من المجتمع الدولي.

وتمكنت الحكومة من تجميع مخزون من 4000 طن من الحبوب في المكتب الوطني للأمن الغذائي، وهو الهيئة الحكومية التي تم تأسيسها لمنع حدوث المجاعة.

وعندما أعلن رسمياً عن كارثة المجاعة في وقت سابق من هذا العام، كان سعر الكيس الذي يزن 100 كيلوغرام من الحبوب (الذرة، الدخن، الذرة الرفيعة) يصل لحوالي 80 دولاراً، لكن المكتب الوطني للأمن الغذائي يبيع محاصيل الحبوب نفسها بأسعار مدعومة تصل إلى 20 دولاراً للجوال.

ومع ذلك، فيشهد المتضررون بالمجاعة فوائد محدودة من هذه المساعدات الحكومية، وذلك لسببين: أولهما أن العديد لا يملكون المال لشراء الطعام حتى لو كان الثمن منخفضاً جداً، وثانيهما أن تجار الجملة يغتنمون الفرصة للشراء وتخزين كميات كبيرة من هذه المواد الغذائية التي يمكنهم بيعها بسعر السوق، بما يحقق لهم مضاعفة أرباحهم ثلاث مرات.

والواقع أن الحكومة لديها الآليات اللازمة للسيطرة على الأسعار، لكنها لم تتخذ إجراءات ضد التجار الذين يستفيدون من هذه المشكلة. ويبدو أن الوزراء يكتفون بالإدلاء ببيانات تحذيرية. وينتقد المحللون انعدام دور الحكومة، بما يساعد على تزايد الفساد.

وعلي سبيل المثال، حاول وزير الزراعة والري التشادي أدوم ديجمت، في (19 مارس/ آذار 2012)، طمأنة الجمهور في مواجهة ما أسماه «الصورة السلبية جداً التي قدمتها وسائل الإعلام الدولية للمجاعة التي تؤثر على أجزاء من البلاد». وشدد على أن «الحكومة تتخذ إجراءات لانقاذ مواطنينا الذين يتعرضون لمخاطر المجاعة». لكن الواقع أنه في ظل استمرار عدم وجود مساعدات إضافية تعلن عنها الحكومة - التي لم توفر تفاصيل حول ما الذي سيتم عمله، ولم توضح أسباب التأخير في اتخاذ إجراءات - ومع بطء الوكالات الإنسانية في التحرك، فيُترك المواطنون عرضة لمخاطر المجاعة داخل دوامة من اليأس.

ووفقاً لممثل لبرنامج الأغذية العالمي، الذي طلب عدم ذكر اسمه في حديثه مع وكالة «انتر بريس سيرفس»: الإمدادات الغذائية كانت في طريقها إلى العاصمة نجامينا، ولكن تم حجزها في ميناء دوالا بالكاميرون، الواقع على الحدود مع تشاد في الجنوب.

وقد أعربت عدة منظمات غير حكومية عن قلقها إزاء اقتراب بداية موسم الأمطار، محذرة من أنه إذا لم يبدأ توزيع المساعدات قريباً، فسوف يستحيل الوصول للمناطق الأكثر تضرراً عندما تصير الطرق غير سالكة.

وبحسب رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في تشاد كودجو إدوكس، يظل سوء التغذية يستشري طالما لا توجد استجابة عاجلة وفاعلة من الحكومة والوكالات الإنسانية.

العدد 3642 - الأحد 26 أغسطس 2012م الموافق 08 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً