في الفصل السابق توصلنا لنتيجة مفادها وجود لهجة فرعية ضمن لهجة العرب نتجت عن طريق التعميم، هذه اللهجة تعارف البعض عليها باسم «لهجة النساء»، قد يرى البعض أن هذه التسمية ليست دقيقة؛ فالظاهرة اللهجية ضمن هذه اللهجة الفرعية موجودة في لهجات أخرى وعرقيات أخرى، إلا أن هذه اللهجة الفرعية تراكمت فيها أكثر من ظاهرة لهجية، وسنناقش في فصول لاحقة وجود صيغ لأسم الفاعل خاصة بهذه اللهجة الفرعية. هذا التراكم لا يمكن تعليله بعملية تعميم بسيطة، وإنما لا بد من وجود آليات أخرى تسببت بتكون هذه اللهجة الفرعية، وفي واقع الأمر، وبحسب ما توصلنا له من استقراء، فإن هناك ثلاث مراحل مرت بها هذه اللهجة الفرعية، الأولى مرحلة التعميم العشوائي، تلتها مرحلة الانتقاء والتخصيص، ومن ثم مرحلة تعميم عشوائية أخرى.
ففي مرحلة التعميم الأولى تم تعميم نموذج معين من نماذج تصريف الأفعال خاص بأفعال معينة (المضعف والناقص) على بقية الأفعال، ولم يرتبط هذا التعميم بجماعة معينة بل انتشر بصورة عشوائية في اللهجات الحضرية واللهجات القبلية، ولكن بدرجات مختلفة. ولكن كيف ارتبطت هذه اللهجة بما يسمى «بالجنس الثالث»؟
لهجة خاصة بالجنس الثالث
في الوقت الحاضر غالباً ما يكون الفرد هو صاحب القرار في أن يعيش ذكراً أو أن تعيش أنثى أو يكون «جنس وسطي»، ولكن قديماً في ضمن العديد من الثقافات كانت هناك أفراد من ضمن المجتمع هي التي تقرر أن تجعل من ذكر ما «جنس وسطي» أو تبقيه ذكراً. فقد درجت تلك الثقافات على تصنيف الذكر والأنثى بحسب المهام أو الأعمال التي يقوم بها، إلا أنه في ضمن هذه الثقافات ولأسباب ذكرناها سابقاً في سلسلة «الذكورة والأنوثة» ظهرت ذكور تقوم بعمل الإناث، عندها شعر بقية الذكور، الذين يعتبرون أنفسهم طبيعيين، بتهديد لرجوليتهم؛ ومن هنا تولدت لديهم النزعة الدفاعية عن الذكورة والتي أدت لتصنيف أي ذكر يقوم بأعمال الأنثى ضمن مجموعة خاصة وأطلق عليهم تسميات خاصة في الثقافات المختلفة، فهم ليسوا رجال لكنهم ليسوا نساء أيضاً، فيجب أن لا يقترن هذا الفرد بمسمى الذكر بل يصنف في مجموعة أخرى أطلق عليها في العصر الحديث مسمى جامع وهو «الجنس الثالث»، وهو مسمى غير دقيق، ويفضل دائماً المصطلح العلمي وهو «الأجناس البينية».
هذه الطبقة من الأفراد كانت موجودة في الخليج العربي (هذه الطبقة متفق على وجودها ولكن مختلف على مدى انتشارها)، وكانت هناك أفراد تبرر وجود هذه الطبقة بتبريرات تشرع بها استمرارية بقاء هذه الطبقة، وفي ظل هذه التبريرات كونت هذه الطبقة لنفسها ثقافة خاصة من تسريحة شعر وملابس وسلوكيات معينة، وحتى أنها اختارت لنفسها لهجة خاصة تطورت ضمن هذه الجماعة وارتبطت بها، وهي لهجة أصبحت مستساغة من قبل النساء والمدللين من الأطفال. ومع زوال التبريرات المشرعة للظهور العلني لهذه الطبقة توارت هذه الطبقة، إلا أن الثقافة المرتبطة بها من لباس ولهجة انتشرت بين العديد من الجماعات. فسبب استهجان تلك اللهجة الفرعية، إذن، هو ارتباطها بهذه الطبقة. أما في الوقت الراهن فقد قل ذلك الارتباط في عقول العامة وكثر المتحدثين بهذه اللهجة. ويلاحظ أن هذه اللهجة قد ارتبطت بصورة أساسية بتصريف الفعل الماضي بجميع أنواعه، وسوف نتناول هنا بقية الأفعال الماضية التي ارتبطت بها.
الفعل الثلاثي المعتل
سوف نتناول ثلاثة أنواع من الأفعال المعتلة هي: الناقص والأجوف والمثال. وفي ما يخص الفعل الناقص فهناك نموذج واحد لتصريفه في اللهجات في البحرين حيث تقلب الألف المقصورة إلى ياء، ومن ثم تضاف ضمائر الرفع المتصلة، باستثناء مع تاء الغائبة، ومع واو الغائبون فإن الألف المقصورة تحذف، على سبيل المثال الفعل درى (بمعنى عرف) يصبح: مع تاء المتكلم والمتكلمة (دَريتْ)، ومع نون المتكلمون (دَرينا)، ومع تاء المخاطب (دَريتْ)، ومع تاء المخاطبة (دَريتَي في لهجة العرب ودَريتِينْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء المخاطبون (دَريتَوا في لهجة العرب ودَريتونْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء الغائبة (دَرَتْ)، ومع واو الغائبون (دَرَوا).
أما فيما يخص الفعل المثال فهناك ثلاثة نماذج لتصريفه الأول خاص باللهجة البحرانية، والثاني بلهجة العرب العامة، والثالث خاص بلهجة العرب الخاصة بالنساء. ففي النموذج الأول فقط تضاف للفعل ضمائر الرفع المتصلة، فيقال في وقف على سبيل المثال: مع تاء المتكلم والمتكلمة (وَقفتْ)، ومع نون المتكلمون (وَقفنا)، ومع تاء المخاطب (وَقفتْ)، ومع تاء المخاطبة (وَقفتِينْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء المخاطبون (وقفتونْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء الغائبة (وَقَفتْ)، ومع واو الغائبون (وَقَفوا).
وفي لهجة العرب العامة يعامل الفعل المثال معاملة الثلاثي الصحيح فتصبح صور الفعل: مع تاء المتكلم والمتكلمة (وِقَفتْ)، ومع نون المتكلمون (وِقَفنا)، ومع تاء المخاطب (وِقَفتْ)، ومع تاء المخاطبة (وِقَفتَي)، ومع تاء المخاطبون (وِقَفتَوا)، ومع تاء الغائبة (أُوْقَفَتْ)، ومع واو الغائبون (أُوْقَفَوا).
أما في النموذج الخاص بالنساء فتضاف همزة مضمومة، ويسكن حرف العلة، وتضاف الياء الساكنة (باستثناء مع تاء الغائبة ومع واو الغائبون) قبل الضمير المتصل، فتصبح صور الفعل: مع تاء المتكلم والمتكلمة (أُوْقِفِيتْ)، ومع نون المتكلمون (أُوْقِفِينا)، ومع تاء المخاطب (أُوْقِفِيتْ)، ومع تاء المخاطبة (أُوْقِفِيتَي)، ومع تاء المخاطبون (أُوْقِفِيتَوا)، ومع تاء الغائبة (أُوْقَفَتْ)، ومع واو الغائبون (أُوْقَفَوا).
أما فيما يخص الفعل الأجوف فهناك نموذجان لتصريفه الأول خاص باللهجة البحرانية ولهجة العرب العامة، والآخر خاص بلهجة العرب الخاصة بالنساء. ففي النموذج الأول يحذف حرف العلة من الفعل، وتضاف له ضمائر الرفع المتصلة باستثناء مع تاء الغائبة، ومع واو الغائبون حيث لا يحذف حرف العلة، على سبيل المثال الفعل صام يصبح: مع تاء المتكلم والمتكلمة (صمتْ)، ومع نون المتكلمون (صمنا)، ومع تاء المخاطب (صمتْ)، ومع تاء المخاطبة (صمتَي في لهجة العرب، وصمتِينْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء المخاطبون (صمتَوا في لهجة العرب، وصمتونْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء الغائبة (صامتْ)، ومع واو الغائبون (صاموا).
أما في النموذج الخاص بالنساء في لهجة العرب فيتم الإبقاء على حرف العلة، وتضاف الياء الساكنة (باستثناء مع تاء الغائبة، ومع واو الغائبون) قبل الضمائر المتصلة، فتصبح صور الفعل: مع تاء المتكلم والمتكلمة (صَاميتْ)، ومع نون المتكلمون (صَامينا)، ومع تاء المخاطب (صَاميتْ)، ومع تاء المخاطبة (صَاميتَي)، ومع تاء المخاطبون (صَاميتَوا)، ومع تاء الغائبة (صامتْ)، ومع واو الغائبون (صاموا).
الأفعال المزيدة
هناك نموذجان لتصريف الأفعال المزيدة والرباعية والخماسية، الأول خاص باللهجة البحرانية ولهجة العرب العامة، والآخر خاص بلهجة العرب الخاصة بالنساء. ففي النموذج الأول فقط تضاف الضمائر المتصلة للفعل، على سبيل المثال الفعل كسَّر يصبح: مع تاء المتكلم والمتكلمة (كَسَّرتْ)، ومع نون المتكلمون (كَسَّرنا)، ومع تاء المخاطب (كَسَّرتْ)، ومع تاء المخاطبة (كَسَّرتَي في لهجة العرب، وكَسَّرتِينْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء المخاطبون (كَسَّرتَوا في لهجة العرب، وكَسَّرتونْ في اللهجة البحرانية)، ومع تاء الغائبة (كَسَّرتْ)، ومع واو الغائبون (كَسَّروا).
أما في النموذج الخاص بالنساء في لهجة العرب فيتم الإبقاء على صورة الفعل مع إضافة ياء ساكنة (باستثناء مع تاء الغائبة ومع واو الغائبون) قبل الضمائر المتصلة، فتصبح صور الفعل: مع تاء المتكلم والمتكلمة (كَسَّريتْ)، ومع نون المتكلمون (كَسَّرينا)، ومع تاء المخاطب (كَسَّريتْ)، ومع تاء المخاطبة (كَسَّريتَي)، ومع تاء المخاطبون (كَسَّريتَوا)، ومع تاء الغائبة (كَسَّرتْ)، ومع واو الغائبون (كَسَّروا).
العدد 3682 - الجمعة 05 أكتوبر 2012م الموافق 19 ذي القعدة 1433هـ
شكرا
القراءة دوختني انااا .. اي لهجة هذه التي كتبتها!؟