يفتتح اليوم الخميس (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) في بيروت رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان المنتدى العربي للبيئة والتنمية، بمشاركة عدد كبير من كبار المسئولين ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية وقطاع الأعمال وهيئات المجتمع المدني. وسوف يتم خلال المؤتمر إطلاق تقرير المنتدى عن «خيارات البقاء والبصمة البيئية في البلدان العربية»، وهو يشمل أطلس البصمة البيئية والمواد الطبيعية في البلدان العربية، الذي يفصّل للمرة الأولى الموارد الطبيعية المتاحة والطلب عليها، لإظهار مدى العجز الإيكولوجي. وقد كشفت الأرقام التي تم تحليلها حتى الآن أن ثلاثة من البلدان لديها أعلى بصمة بيئية للفرد، فضلاً عن ثلاثة بلدان لديها بعض أدنى الأرقام، موجودة في المنطقة العربية، الأمر الذي يتيح مجالاً شائقاً للمقارنة.
بيروت - محمد باقر أوال
يصدر اليوم (الخميس 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012) تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية عن «خيارات البقاء والبصمة البيئية في البلدان العربية». ويتم اطلاق التقرير في مؤتمر دولي يفتتحه اليوم في بيروت رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان بمشاركة عدد كبير من كبار المسئولين ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية وقطاع الأعمال وهيئات المجتمع المدني.
هنا ملخص لأهم ما جاء في التقرير.
يطرح المنتدى العربي للبيئة والتنمية في تقريره لسنة 2012 «البيئة العربية: خيارات البقاء» حسابات البصمة البيئية، من أجل تحليل خيارات في المنطقة العربية لبناء اقتصادات مزدهرة ومستقرة في عالم محدود الموارد. وبهدف إيجاد قاعدة للتحليل، كلّف المنتدى الشبكة العالمية للبصمة البيئية (GFN) بانتاج أطلس للبصمة البيئية والموارد الطبيعية يستقصي قيود الموارد في البلدان العربية من حيث القدرة التجديدية للطبيعة.
الغاية من حساب البصمة البيئية هي توفير كشف حساب بيئي للمنطقة العربية، يقيم خدماتها الإيكولوجية المقدَّمة ويقابلها بطلبها على المحيط الحيوي العالمي من أجل توفير الموارد واستيعاب النفايات. ومن أبرز ما توصلت اليه دراسة المنتدى أن متوسط البصمة البيئية للفرد في البلدان العربية ارتفع بنسبة 78 في المئة بين العامين 1961 و2008، فيما ازداد عدد السكان 250 في المئة، ما يعني أن البصمة البيئية الإقليمية الشاملة زادت أكثر من 500 في المئة. وتراجع متوسط القدرة البيولوجية المتوافرة للفرد في البلدان العربية بنسبة 60 في المئة خلال هذه الفترة. وتعاني المنطقة ككلّ، منذ العام 1979، عجزاً متزايداً في القدرة البيولوجية، حيث أن طلبها على الخدمات الإيكولوجية يتجاوز الإمدادات المحلية. ولتغطية هذه الفجوة، كان لا بد من استيراد خدمات إيكولوجية من خارج حدود المنطقة. وهذه الحالة تفرض قيوداً مشددة على الازدهار الاقتصادي والرفاه البشري.
يسعى تقرير «أفد» الجديد إلى تشجيع صانعي القرار وعامة الناس على إدخال المحاسبة البيئية في ممارساتهم اليومية، كي تتمكن المنطقة من المحافظة على اقتصاد تنافسي قابل للحياة وبيئة سليمة لمدة طويلة في المستقبل. هنا أبرز ما أورده التقرير
إذا كان النمو في الناتج المحلي الإجمالي هو المقياس، فقد حققت البلدان العربية نتائج جيدة خلال السنوات الخمسين الماضية، إذ ارتفع معدل دخل الفرد أربعة أضعاف. وفي حين انعكس هذا ارتفاعاً في مستوى المعيشة في عدة مناطق، إلا أنه لم يحقق بالضرورة نوعية حياة أفضل، ولا هو حسّن من فرص العيش المستدام في المستقبل. فقد شهدت الفترة نفسها هبوطاً حاداً في الموارد الطبيعية في المنطقة الى أقل من نصف ما كانت عليه. ورافق هذا تدهور متسارع في الأوضاع البيئية، ما جعل المنطقة على شفير الإفلاس في الأنظمة الإيكولوجية. هذا ما توصل اليه تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) لسنة 2012 «البيئة العربية: خيارات البقاء»، الذي حذّر من أن مخاطر هذا الوضع لا تنحصر بفرض قيود على النمو ونوعية الحياة في المستقبل، بل هي تهدد فرص البقاء نفسها.
لقد دخلت المنطقة العربية مرحلة العجز في الأنظمة الإيكولوجية منذ العام 1979. واليوم تبلغ مستويات استهلاك المواد والسلع والخدمات الأساسية لاستمرار الحياة أكثر من ضعفي ما يمكن للأنظمة الإيكولوجية المحلية توفيره. وترافق هذا مع ارتفاع البصمة البيئية الإقليمية إلى ضعفين وانخفاض المياه العذبة المتوافرة للفرد نحو أربعة أضعاف.
هذه هي بعض أبرز النتائج التي توصل اليها «أطلس البصمة البيئية والموارد الطبيعية في البلدان العربية» الذي أعده باحثون من شبكة البصمة البيئية العالمية خصيصاً لتقرير «أفد» السنوي. يحلّل الأطلس حجم الطلب على الموارد، أي البصمة البيئية، والإمدادات المتوافرة، أي القدرة البيولوجية، بمقياس «الهكتارات العالمية»، وذلك لإلقاء الضوء على محدودية الموارد في البلدان العربية من حيث قدرة الطبيعة على التجديد.
البصمة البيئية والتدهور البيئي
تقع معظم البلدان العربية اليوم تحت وطأة ديون إيكولوجية كبيرة. فمقارنة مع العام 1961، ارتفع مستوى البصمة البيئية للمنطقة 78 في المئة، من 1.2 الى 2.1 هكتار عالمي للفرد. وقد تسبب بهذا الانهيار عاملان أساسيان. الأول هو ارتفاع عدد السكان 3.5 مرات، ما أدى الى ارتفاع عام في الاستهلاك. أما العامل الثاني فهو الارتفاع الحاد في كمية الموارد التي يستهلكها الفرد، بسبب ارتفاع معدلات الدخل وتبدل أنماط الحياة.
انخفض معدل القدرة البيولوجية المتوافرة للفرد في البلدان العربية 60 في المئة خلال خمسين عاماً، من 2.2 الى 0.9 هكتار عالمي. ويمكن ارجاع هذا الانخفاض الحاد أساساً الى التزايد الكبير في السكان وتدهور القدرة الانتاجية للأنظمة الإيكولوجية في المنطقة، بسبب التلوث وتدمير الموائل الطبيعية والإدارة غير الملائمة للموارد.
ويتم سد العجز الكبير في الموارد الطبيعية بشكل أساسي عن طريق الاستيراد واستنزاف الموارد المحدودة المتوافرة محلياً. ويحذّر تقرير «أفد» من أن هذه الاستراتيجية غير قابلة للاستمرار، لأن الاستغلال المفرط يؤدي في المدى الطويل الى استنفاد مخزون الموارد الطبيعية وتدهور بيئي لا يمكن تصحيحه.
فمن جهة، الاعتماد المفرط على الاستيراد يهدد الأمن الاقتصادي، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة وخطر توقف الامدادات والقيود التجارية. وبالنسبة إلى الدول العربية غير المنتجة للنفط، يؤدي تحمّلها ديوناً لتمويل الاستيراد الى تقييد نموها الاقتصادي والحد من قدرتها على تحسين نوعية حياة مواطنيها في المستقبل.
من جهة أخرى، فإن للادارة غير الملائمة للموارد انعكاسات خطيرة على البيئة. وقد حذّرت التقارير السنوية المتتالية التي أصدرها «أفد» من أن الافراط في استغلال الموارد، وأثر التغير المناخي، والزيادة السكانية المرتفعة، والنمو الاقتصادي والعمراني غير المنضبط، كلها تضاعف التحديات البيئية التي تواجه المنطقة وتحدّ من القدرة على إدارتها. وفي طليعة هذه التحديات ندرة المياه، وتدهور الأراضي، والإدارة غير السليمة للنفايات، وتدهور البيئة البحرية والساحلية، وتلوث الهواء والماء. وقدرت تقارير «أفد» كلفة التدهور البيئي في المنطقة العربية ككل بنحو خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن ما تخصصه الميزانيات الوطنية للادارة البيئية لا يتجاوز الواحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أي بلد عربي.
وتظهر البيانات الواردة في أطلس البصمة البيئية تفاوتاً كبيراً بين البلدان العربية. فمعدل بصمة الفرد في قطر هو الأعلى في العالم (11.7 هكتار عالمي للفرد)، وهذا يتجاوز بتسعة أضعاف معدل البصمة البيئية في المغرب. وتحتل الكويت والامارات المرتبتين الثانية والثالثة بين الدول صاحبة البصمة البيئية الأعلى للفرد في العالم.
ويتبين من أرقام الأطلس أنه اذا عاش جميع سكان العالم وفق المعدل العام للمواطن العربي، ستكون هناك حاجة الى 1.2 كرة أرضية. أما اذا عاشوا وفق معدل المقيم في قطر، فستكون هناك حاجة الى 6.6 كواكب لتلبية مستوى الاستهلاك وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. في المقابل، اذا عاش العالم وفق معدل الفرد في المغرب، ستكون هناك حاجة الى ثلاثة أرباع الكرة الأرضية فقط لتلبية حاجاتهم.
ويظهر التفاوت أيضاً في أشكال أخرى، مثل كمية المياه العذبة المتوافرة للفرد، التي تراوح بين 8 أمتار مكعبة في الكويت و3460 متراً مكعباً في موريتانيا، والناتج المحلي الإجمالي للفرد الذي يراوح بين ما يقارب ألف دولار في السودان واليمن وأكثر من 92 ألف دولار في قطر.
إلا أن معدل البصمة البيئية للفرد في بعض الدول العربية، مثل اليمن، منخفض جداً مقارنة مع المعدل العالمي. ويشير تقرير «أفد» الى أنه أقل حتى مما هو مطلوب لتأمين الحد الأدنى من حاجات الغذاء والمأوى والصحة والنظافة الأساسية. لهذا فإن تقليل الطلب على الموارد لا يوفر الحل الوحيد لسد العجز. فلتحسين نوعية الحياة، لا بد من إقامة توازن في توزيع الموارد ما بين الدول والمناطق، لتحقيق عدالة في حصة الفرد من الموارد الطبيعية المتجددة. وهذا يتطلب تحسين الكفاءة وإدارة مبتكرة للموارد.
ويكشف الأطلس أن البصمة الكربونية شهدت النسبة الأعلى من الارتفاع خلال السنوات الخمسين الماضية، مع نمو استهلاك الطاقة في المنطقة العربية أكثر مما في أي منطقة أخرى في العالم. وهذا يعكس انتشار الصناعات المستنزفة للطاقة والطلب المتزايد على الكهرباء ووسائل النقل من أعداد متزايدة من السكان. وقد تميز استهلاك الطاقة في المنطقة العربية بالهدر وانخفاض معدلات الكفاءة.
تغيير المسار
في ضوء الضغوط على الموارد في البلدان العربية، يركز تقرير «أفد» على تحقيق الرخاء الاقتصادي مع الحفاظ على صحة البيئة في الوقت نفسه. إنه يحاول استكشاف مستوى استهلاك الموارد الأكثر ملاءمة للاقتصادات العربية، استناداً الى رأس المال الطبيعي المتوافر.
تتطلب معالجة هذه الأسئلة تحولاً في السياسات الاقتصادية، بحيث تأخذ في الاعتبار محدوديات الموارد الطبيعية المتوافرة محلياً. وسيكون على متخذي القرار في البلدان العربية التطلع أبعد من أرقام الناتج المحلي الاجمالي كمعيار للأداء، وتطوير التحليل الاقتصادي بإدخال معلومات حول استهلاك الموارد وتوافرها وقدرة الطبيعة على تجديدها.
صحيح أن تحديد أهداف للتنمية يعتبر حقاً سيادياً وطنياً للحكومات. غير أن خطط النمو الاقتصادي يجب أن تأخذ في الاعتبار المحدوديات الإيكولوجية وقدرة الطبيعة على دعم متطلبات الحياة بشكل مستدام. واستناداً الى الكفاءة المتدنية التي تميز تحويل الموارد الى منتجات نهائية، على الدول العربية تحسين الإنتاجيـة الاقتصادية لمواردها، من خلال التعامل مع كفاءة الطاقة والمياه كهدف استراتيجي مركزي. وفي حين يحذّر تقرير «أفد» من تزايد حجم العجز الغذائي، فهو يكشف أنه اذا استطاع منتجو الحبوب العرب الرئيسيون رفع كفاءة الإنتاج والري الى المعدل العالمي، فسيكون بإمكانهم سد العجز. غير أن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب تعاوناً إقليمياً، إذ لا يمكن الوصول اليه على مستوى كل دولة منفردة من دون التسبب بمضاعفات بيئية خطيرة، خاصة في مجال استنزاف المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية.
البرامج الإقليمية في البحث العلمي هي مفتاح تحقيق الاستدامة والنمو المتوازن للجميع. والخيار الأساسي الذي لا بد من اتخاذه هو استخدام الدخل الحالي من الموارد النفطية المحدودة في المنطقة لبناء قاعدة علمية وتكنولوجية صلبة، كاستراتيجية لضمان البقاء ونوعية حياة جيدة في عصر ما بعد النفط.
التكتل العربي
تواجه البلدان العربية تحدي تأمين ظروف حياة جيدة مستدامة لجميع سكانها، بدل السعي لتحقيق النمو من أجل النمو نفسه لزيادة أرقام الناتج المحلي بأي ثمن.
وقد وجـد تقريـر «أفد» لسنة 2012 أنه لا يمكن لأي بلد عربي أن يحيا ككيان منعزل. ويوفـر التنوع في الموارد الطبيعيـة والبشرية في المنطقة العربية أساسـاً صلبـاً للبقـاء والتجـدد. لكن هذا يتطلب تعاوناً إقليمياً اقتصادياً وتحرير التجارة بين الدول العربية من القيود، بحيث يشكل الانتقال الحر للبضائع والرساميل والقوى العاملة عنصر قوة تستفيد منه جميع دول المنطقة. من مصلحة الدول العربية أن تعمل ككيانات متكاملة، خاصة في عصر يتحول فيه العالم الى تكتلات اقتصادية وتجارية إقليمية تقوم على المصالح المشتركة.
لا يرمي تقرير «أفد» الى زرع الخوف والهلع حول العجز في الموارد، مع أن بعض استنتاجاته قد تبدو سوداوية. إنه يرمي الى تأكيد الحاجة إلى تغيير المسار، استناداً الى رؤية لمستقبل المنطقة العربية يحفزها الأمل. وفي هذا الإطار، يشير التقرير الى بوادر أمل تُظهر أن بعض الدول العربية بدأت بالفعل خطوات نحو الاستجـابة للتحديـات. فالإمـارات العربية المتحدة، مثلاً، التي هي صاحبة البصمة البيئية الثالثة الأعلى في العالم، بـدأت مبادرة وطنيـة رائدة لقياس بصمتها البيئية، بهدف معالجة العجز في الموارد واعتماد سياسات في التنمية المستدامة تقـوم على العلم. ويشكل معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا في أبوظبي وجامعة الملك عبدالـله للعلـوم والتكنولوجيـا في جدة نموذجين لمبادرات إقليمية تدعم التنمية المتوازنة عن طريق الأبحاث العلمية في الطاقة المتجددة وإنتاج الغذاء وإدارة المياه.
إن تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول خيارات الاستدامة هو دعـوة الى البلدان العربية للقيام بعمل جمـاعي من أجـل اعتمـاد رؤيـة اقتصادية وبيئيـة مستدامـة. التعاون الإقليمي، وكفاءة الموارد، والاستهلاك المتوازن، تشكل خيارات البقاء للمنطقة العربية. المطلوب مباشرة العمل فـوراً، إذ لا يحتمل العرب إضاعة نصف قرن آخر من الخطب الرنانة.
العدد 3736 - الأربعاء 28 نوفمبر 2012م الموافق 14 محرم 1434هـ
 
			