تطالعك الأبقار في الأفق مثل سراب. بعد اجتيازك نحو 160 كيلومتراً في الصحراء جنوب شرق الرياض، تصل إلى موقع أحد أكبر قطعان الأبقار في العالم. هنا تربّى نحو 40 ألف بقرة حلوب من نوع هولستين في أحد أكثر الأماكن جفافاً وحرارة على هذا الكوكب. في هذه المزرعة الصحراوية، تعيش الأبقار في ست زرائب ضخمة مكيَّفة، وتنتج نحو 200 مليون لتر من الحليب في السنة، تُنقل على الطريق السريعة في أسطول من الشاحنات المقفلة.
هذه الصورة رسمها مقال في «ناشونال جيوغرافيك» في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012. وفيه أيضاً أن المسافر فوق الأراضي السعودية يرى الصحراء «منقَّطة» بزرائب الأبقار ودوائر خضراء حيث تُزرع المحاصيل لإطعام البشر والمواشي. والمياه التي تروي تلك الحقول وتبرِّد تلك الأبقار لا تأتي من الأنهار، فلا أنهار هناك، بل من حوض جوفي كان في الماضي القريب من أضخم أحواض المياه الجوفية في العالم.
فعلى مدى نحو 30 عاماً، وسعياً إلى تحقيق حلم الاكتفاء الغذائي، عكفت الحكومة على شراء القمح من المزارعين بخمسة أضعاف سعره العالمي، مع تأمين المياه والكهرباء للمزارع بشكل شبه مجاني.
قبل 40 سنة، حين بدأت هذه الفورة الزراعية، كان هناك نحو 500 كيلومتر مكعب من المياه تحت الصحراء السعودية، تجمعت على مدى عشرات آلاف السنين. ولكن مع ضخ ما يصل إلى 20 كيلومتراً مكعباً في السنة للاستخدام في المزارع، يقدِّر خبراء أن أربعة أخماس تلك المياه «المتحجرة» قد تم استنفادها.
لكن الوضع يتغير، إذ قررت الحكومة السعودية وقف زراعة القمح بحلول سنة 2016. ويتوقع أن يترافق ذلك مع إقفال كثير من مزارع الأبقار. فالمياه تتناقص. وفي هذه الأثناء، توظف استثمارات كبيرة لإقامة مشاريع زراعية سعودية في بلدان إفريقية غنية بالموارد المائية.
قياس البصمة المائية
في بداية يناير/ كانون الثاني 2013، أعلنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إنجاز مشروع البصمة المائية واستراتيجيات ترشيد استخدام المياه في القطاع الزراعي في السعودية. وستطبق من خلاله استراتيجيات الاستخدام الآمن لمياه الري وغسل التربة من الأملاح، مع أخذ مصادرها في الاعتبار، من المياه «الخضراء» كالأمطار والمياه المحلاة، والمياه «الزرقاء» أي الجوفية، والمياه «الرمادية» المعالجة.
تُحتسب البصمة المائية لبلد ما استناداً إلى كمية المياه العذبة التي يتم استهلاكها أو تلويثها. وتعتبر البصمة المائية السعودية من الأعلى عالمياً، خصوصاً بسبب الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية والتلوث الناجم عن تحلية مياه البحر وضآلة نسبة مياه الصرف التي يعاد تدويرها.
يتضمن المشروع إنشاء قاعدة بيانات للحاجات المائية للمحاصيل الزراعية في جميع مناطق المملكة استناداً إلى المناخ والتربة والموقع الجغرافي. وتُخزَّن تلك المعلومات على هيئة خرائط لاستخدامها في حسابات البصمة المائية للمناطق المختلفة. وبناء على ذلك، يتم تقدير البصمة المائية لكل محصول في كل منطقة، وتوضع سيناريوهات مبسطة للاستهلاك المائي في الري لتحليل أثر التغيرات في أنماط الاستهلاك المائي. وسيتم تطوير برنامج حاسوبي لاختيار مصادر المياه المناسبة للري، إضافة إلى احتساب المياه الافتراضية المستوردة وتأثيرها على البصمة المائية في المملكة. وذلك بالتعاون مع معهد علوم البيئة الطبيعية وإدارة الموارد في جامعة يستوس ليبيغ في ألمانيا.
ويرى القيمون على مشروع البصمة المائية أن جهات كثيرة ستستفيد منه، خصوصاً وزارة الزراعة ووزارة المياه والكهرباء وشركة المياه الوطنية والبنك الزراعي، فضلاً عن الشركات الزراعية. فالزراعة تستأثر بنحو 85 في المئة من الاستهلاك المائي في السعودية.
العدد 3835 - الخميس 07 مارس 2013م الموافق 24 ربيع الثاني 1434هـ