لم يكن الرصيد التهديفي المرتفع الذي جعل فيردر بريمن الفريق الأكثر تسجيلا للأهداف في الدوري الألماني لكرة القدم كافيا لإحرازه اللقب في الموسم الماضي، إلا أن الأمر كان من دون شك عاملا حاسما دفع متابعي «البوندسليغا» لمتابعة مباريات الفريق الأخضر من اجل التمتع بالأسلوب الهجومي الذي لم يميز إطلاقا الفرق الأخرى.
واستمرت روح المغامرة الهجومية التي جعلت بريمن يسجل خمسة أهداف أو أكثر في سبع مباريات الموسم الماضي، إذ يبدو فريق المدرب توماس شاف في كامل جهوزيته لتكرار ما فعله سابقا، وخصوصا بعدما سجل سداسية ثانية في مرمى ماينس (1/6) قبل ثلاثة أسابيع، بعد الأولى في مرمى بوخوم (6/صفر)، وذلك قبل إسقاطه بايرن ميونيخ حامل اللقب (1/3) بجدارة واستحقاق.
لا يخفى أن النتائج الثلاث المذكورة وضعت بريمن في صدارة «البوندسليغا»، لكن الأمر المثير للاهتمام احتشاد الجماهير الألمانية المختلفة الانتماءات خلف قاهر بايرن ميونيخ، ردا على مواصلة العملاق البافاري في الموسمين الماضيين هواية حصد الثنائية (الدوري والكأس) من دون أن يتمكن احد من إيقافه.
من هنا، يبدو جليا أن القاعدة الجماهيرية في ألمانيا وجدت في بريمن ضالتها، معتبرة أن الأخير هو الوحيد القادر على إسقاط الفريق البافاري عن عرشه ولجم جموحه الذي مكنه من اكتساح الفرق المنافسة على أرضه وخارجها، لذا بدأت مقارنة بريمن في الألفية الجديدة ببوروسيا مونشنغلادباخ في سبعينات القرن الماضي.
وعلى رغم الاختلاف النسبي بين الفريقين فإن العناوين الرئيسية جعلتهما متشابهين إلى ابعد الحدود، ولو أن بريمن لم يستطع حتى يومنا هذا مقارعة بايرن جديا على غرار ما فعله مونشنغلادباخ الذي استطاع أن يطبع حقبة السبعينات بطابعه الخاص، محرزا اللقب المحلي خمس مرات (1970 و1971 و1975 و1976 و1977) مقابل ثلاثة ألقاب لبايرن (1972 و1973 و1974) الذي تعملق على الساحة الأوروبية وقتذاك عبر فوزه بكأس النوادي البطلة ثلاث مرات متتالية (1974 و1975 و1976).
ويمكن اعتبار أن بريمن بقيادة شاف هو نسخة عصرية عن مونشنغلادباخ السبعينات، إذ دأب الأخير وقتذاك على منافسة بايرن بكثير من الإصرار والأداء الممتع في آن معا، على رغم الهفوات التي جعلت البافاريين يستفيدون في مناسبات عدة ليخطفوا المعادن الثمينة في نهاية الأمر، من دون أن يقدموا أكثر مما هو مطلوب منهم أو ينصبوا أنفسهم كرجال استعراض ومتعة كروية تامة، وهو الاختصاص الذي اضطلع به لاعبو بريمن ومونشنغلادباخ على حد سواء.
وتبدو المفارقة... فأهداف نجوم بريمن من أمثال البرازيلي دييغو وميروسلاف كلوزه هداف مونديال 2006 وارون هانت وكريستيان شولز، تحتل المراتب الأولى في البرامج الرياضية الألمانية والأوروبية تماما كما كانت عليه الحال مع رجال المدرب هانس فايسفيلر الذين أضحوا الرافد الأساسي للمنتخب الوطني الألماني وعلى رأسهم برتي فوغتس وغونتر نيتزر ويوب هاينكس وهيربرت فيمر وويلفريد شايفر وفولفغانغ كليف ولودفيغ مولر وهورست كوبل، وقد تم تطبيعهم بالثلاثي الدنماركي هينينغ يانسن واولريك لو فيفر وألن سيمونسن الحائز على الكرة الذهبية كأفضل لاعب أوروبي العام 1977.
ويلعب بريمن حاليا دورا مطابقا ظهر أثره واضحا في أسلوب «مانشافت» المدرب يورغن كلينسمان في المونديال الأخير من الاندفاع إلى الأمام من دون تردد، ونصب مصيدة التسلل بدقة متناهية، وهو الدور الذي أصر على مواصلة اعتماده المدرب الجديد يواكيم لوف الذي يضع على الأقل سبعة لاعبين من بريمن ضمن حساباته الأولية، وهم كلوزه وشولز وباتريك اوفومويلا وبير ميرتساكر وتيم بوروفسكي وكليمنس فريتز وتورستن فرينغز، وقد ينضم إلى هؤلاء قريبا الحارس تيم فيزه والجناح السريع هانت.
واللافت أن المدرب شاف الذي التحق بالنادي في سن الحادية عشرة، رفض مرارا المعادلة القائلة إن «التهور» الهجومي لفريقه يفقده بطاقات العبور إلى منصات التتويج، معتبرا أن الخطر الوحيد المحدق به يختصر بضعف الإمكانات المادية التي كانت سببا في انهيار مونشنغلادباخ مثلا ورحيل نجومه عنه بحثا عن المال، فيما كانت الفرق الغنية من امثال بايرن ميونيخ وشالكه وبوروسيا دورتموند وهامبورغ تستفيد منهم متسلحة بخزينتها وامتلاكها قاعدة جماهيرية كبيرة لا يمكن مقارنتها بتلك الموجودة عند بريمن المدينة التي لا يتعدى عدد سكانها الـ500 ألف نسمة.
وقد واجه شاف معضلة هجرة نجومه في كل صيف تقريبا، فمنذ تسلمه مهماته العام 1999 راقب مستسلما حزم لاعبيه الأساسيين حقائبهم مغادرين ميدان النادي الذي أطلقهم إلى عالم الشهرة.
ففي العام 2001 خسر بريمن جهود المهاجم البيروفي كلاوديو بيتزارو لصالح بايرن ميونيخ، والسويسري رافايل فيكي الذي انتقل إلى اتلتيكو مدريد الاسباني، فيما شهد العام التالي انتقال فرينغز إلى دورتموند قبل أن يوقع الحارس فرانك روست لشالكه في 2003 وتبعه المدافع الصربي ملادن كريستايتش وفابيان ارنست في العام (2004) الذي شهد فوز بريمن باللقب ومغادرة هداف الدوري آنذاك برصيد 28 هدفا البرازيلي ايلتون إلى فريق منطقة الرور الصناعية أيضا.
ولم يختلف المشهد الموسم الماضي، إذ وقع المدافع الفرنسي فاليريان إسماعيل مع بايرن، قبل أن يتجه في الصيف الماضي الباراغوياني نيسلون هايدو فالديز إلى دورتموند، ويعود محرك الفريق وصانع ألعابه الفرنسي يوهان ميكو إلى ناديه الأم بوردو.
إلا أن ما ميز بريمن هو عدم وقوعه في الفخ الذي أدى إلى خراب مونشنغلادباخ في الماضي البعيد، إذ عمد شاف ومدير الفريق الدولي السابق كلاوس الوفس إلى تحاشي ارتكاب الأخطاء في سوق الانتقالات، مكتفين بإيجاد اللاعبين المناسبين تماما لأسلوب الفريق بشكل عام ووضعهم في المراكز الشاغرة برحيل أسلافهم.
وقد استبدل بريمن فالديز بالبرتغالي الشاب هوغو الميدا في موازاة استدعاء المصري محمد زيدان بعد إعارته إلى ماينس، إلى التعاقد مع مرتساكر والكاميروني بيار وومي والبرازيلي دييغو الذي تتركز الأنظار والعناوين العريضة عليه حاليا كأفضل لاعب في «البوندسليغا» من دون منازع.
وربما سيصعب على بريمن بلوغ ما وصل إليه مونشنغلادباخ في السبعينات، لكن من دون شك انه يقف أمام فرصة استثنائية لمعانقة الدرع الفضية في نهاية الموسم وإسقاط بايرن ميونيخ المتخبط إلى ارض الواقع، لإعادة لهب الحماسة إلى جماهيره التي حرمت من ذروة الإثارة لعدم استضافة ملعب المدينة أي من مباريات نهائيات كأس العالم
العدد 1526 - الخميس 09 نوفمبر 2006م الموافق 17 شوال 1427هـ