مر على البحرين ضيف، ضيف ثقيل “الظل”، غريب “الطباع” و“الأقوال”. لا هو بصاحب المشروع الثقافي “الكبير”، ولا هو بـ “الجاهل”، عدائي مع الدين بطريقة تبدو فوضوية نوعا ما، بارع في إعطاء أي صحافي يحاوره عناوين مثيرة للجدل من جهة، جاذبة للقراء من جهة أخرى. ساخر - بامتياز - من كل ما هو ديني إسلامي خصوصاً. يعتقد صاحبنا أنه ولد منذوراً لحماية الحضارة والمدنية من أن تتأسلم، إحتفاء بحريني به، فلماذا هذا الاحتفاء؟، وما هي أسبابه، استقدمته السفارة الفرنسية أم مركز الشيخ إبراهيم آل خليفة؟، لا ندري. في البدء، لماذا تبدو هذه الشخصية مثيرة للجدل؟، تجدون الإجابة في البيان الذي أصدرته بمعية “سلمان رشدي” وآخرين، يدافعون فيه رسام الكاريكاتير الذي أساء إلى شخصية النبي “محمد” (ص). أيضاً، تجدون في المقابلة التي أجرتها معه “الوسط” تعابيره “الخشنة”، و”الفاقدة للياقة” على الكثير من الرموز الدينية كالحجاب. إنه الكاتب والصحافي “أنطوني صفير”، مدير تحرير دورية “Les cahiers de l’orient” ورئيس مركز دراسات الشرق الأدنى.
وصفير لمن لا يعرفه، كاتب «علماني» يحمل الجنسية الفرنسية لكن أصوله تعود إلى لبنان. قام بنشر عدد من المراجع عن الإسلاموية مثل شبكة الله (Les réseaux d’Allah 2001) و«الحرية، المساواة، الإسلام: الجمهورية مقابل الشيوعية» (2005).
ويصنف صفير على أنه نموذج اللبناني المتفرنس، المنتقد للأنظمة المتأسلمة، فلديه عقدة اسمها الإسلام، ويعتبر نفسه القارئ للحدث العربي اعتماداً على جذوره العربية، وهذا ما دفع رئيس تحرير الليموند آلان غريش إلى مهاجمة الكثير من آرائه.
أهم الأدوار التي أشتهر بها صفير، في حربه ضد ما يسميهم “بالإسلامويين” هو مشاركته في إصدار بيان يدافع عن الصحافة الدنماركية التي نشرت الرسوم المسيئة للنبي(ص)، وهو بيان أصدر بتوقيع 12 شخصية مشهورة ولها مواقفها السلبية من الدين، منهم تسليمة نسرين البنغلاديشية الأصل المتهمة بالإساءة للدين، وهي المحاكمة بتهمة الردة. وسلمان رشدي صاحب كتاب الآيات الشيطانية، والذي سبب له إصدار فتوى بإهدار دمه. وابن وراق صاحب كتاب “لماذا لست مسلماً”، الخروج من الإسلام: المرتدون يتحدثون، وأصول القرآن. وإرشاد منجي مؤلفة “الخلل في الإسلام”، وتجدر الإشارة أن من أسباب رفضها الإسلام ميولها “المثلية”، وشهلة شفيق، مؤلفة “الرجل الإسلاموي الجديد”، وأيان هيرسي علي، مؤلفة قصة فيلم الاستسلام الذي تسبب في اغتيال ثيو فان كوخ على يد أحد الإسلاميين، وكارولين فوريست، كاتبة ورئيسة تحرير نشرة (Prochoix) التي تهتم بالدفاع عن الحريات ضد المنظرين الدوغمائيين وهي مؤلفة لبعض المراجع عن العلمانية “ والتعصب، وحصلت على الجائزة الوطنية للعلمانية.
ومن الموقعين على البيان الفيلسوف الفرنسي بيرنارد هنري ليفي المهتم بمذاهب القرن العشرين (الفاشية ومعاداة السامية والاستبداد والإرهاب)، وكذلك مهدي مظفري، الذي كتب عدة مقالات عن الإسلام والإسلاموية، ومنها السلطة في الإسلام: من محمد إلى الخميني، وكذلك، الفتوي: العنف والقسوة والعولمة والحضارات. مريم نمازي مديرة العلاقات الدولية في حزب العمال الشيوعي الإيراني، الحائزة على جائزة العام 2005 للعلماني في المجتمع الوطني العلماني. وأخيراً فيليب فال، مدير النشر في شارلي هيبدو (وهي الصحيفة اليسارية الفرنسية التي أعادت نشر الرسوم الكاريكاتيرية عن النبي محمد، تضامناً مع المواطنين الدنماركيين المستهدفين من قبل الإسلامويين).
ولم يكتف صفير بدوره المهاجم لمن يسميهم بالإسلامويين ولا بتنظيراته عن الإسلام والإسلامويين، بل اتخذ دوراً جديداً إذ إنه تبنى أخيراً الدفاع عن بعض الدكتاتوريات العربية، والتي تتصف بعدائها للمكون الديني علانية.
“صفير” وصراعاته مع آلان غريش
يعتبر رئيس تحرير صحيفة “لوموند” دبلوماتيك آلان غريش، والذي زار البحرين قبل فترة، أكثر المعترضين على آراء صفير، كما يعتبر غريش في فرنسا الأكثر شراسة وترصداً لصفير على مستوى الصحف الفرنسية، إذ يعتبر بعض الصحافيين أن صفير نموذج اللبناني المتفرنس، والذي يشغل منصب المنتقد للأنظمة المتأسلمة، فهو لديه عقدة اسمها الإسلام، ويعتبر أنه القارئ للحدث العربي على خلفية كون جذوره عربية، وهذا ما دفع آلان غريش إلى مهاجمة الكثير من آراء صفير، معتمداً على آرائه عن الأنظمة غير الديمقراطية كما يصف الأخير.
المنامة - الوسط
“أولاً... أنا مسيحي مسلم، مثلما حاربت اليهود والمسيح المتطرفين، أحارب اليوم الإسلامويين، إن استعمال الدين جلب لنا الكوارث، والناطقون الرسميون باسم الله جلبوا لنا الكوارث، أطلب من حسن نصر الله أن ينسى أنه شيعي، وأن يعطيني مفهومه عن الإنسان، هؤلاء نسوا محمد، فلم يقل في القرآن ضعوا “فوطة” على رؤوسكم، وأنا وقعت على البيان المشترك مع حرية الرسوم الكارتونية، فقط لأنهم هُددوا”.
اعتبر الصحافي والكاتب أنطوني صفير اللبناني الأصل الفرنسي الجنسية، في حديث خاص مع “الوسط”، «أن حرية الرأي حرية كاملة، لا تخضع إلى حدود، ولكن هذه الحرية بمسئولية أيضاً، فهي لا تكون بمهاجمة الأفراد شخصياً، أو مهاجمة تيار ديني ومعتقدات شخصية، فهناك فرق بين الإيمان والدين، فالإيمان هو أمر بينك وبين الله، وأنا أرفض أن يصادر أو يضطهد دين من باقي الأديان، وأدعو إلى إرجاع الدين إلى حالة الإيمان الخاصة بالفرد وربه، فالعلمانية أتت في أول الأمر ضد الكنيسة المسيحية “الاستعمارية”، فهذه الكنيسة تدخلت في كل شيء، حتى في أوضاع الزوج مع زوجته، وذلك حتى العام 1905، لكن الآن وفي العام 2006 فإن مفهوم العلماني أخذ بعداً آخر، فاليوم هي محاولة لإرجاع الأديان إلى حالة الإيمان الشخصي فقط، ولا يمكن لهذا الدين أن يتسلم النظام العام في الدولة أو المجتمع».
يقول صفير :“دعني أخبرك بشيء أنا مسيحي مسلم، أو قل مسيحي مع “رشة” مسلمة، والإسلاموي هو الذي يسعى لأسلمة المجتمع والاقتصاد والسياسة، وهذا أمر مرفوض، لأن الإسلام في النصوص أو في القرآن فقط، وحتى الحديث الذي دار بشأن الحجاب في الإسلام لم يتحدث القرآن عن ستر شعر المرأة، بل تحدث عن الجلباب الذي يغطي بدنها، وليس بوضع “فوطة على الرأس”، لأن القرآن لم يذكر الشعر أصلاً، والإسلام هو تسليم نفسك للرب، ومثلما حاربت اليهود والمسيح المتطرفين، الذين يخلطون بين الإيمان والدين، أحارب اليوم الإسلامويين، وحتى أن تسعين في المئة من المسلمين في فرنسا لا تهمهم مسألة الحجاب، ولم أجد إسلاموياً بهذه الصورة في فرنسا، ومسألة استعمال الدين هي ما أنتجت قضية العبيد، سواء في الإسلام أو المسيحية، علماً أن هؤلاء لم يخترعوا شيئاً جديداً، فهذه الأديان يتناقلونها كل “كذا” مئة سنة، ومن هنا أدعو إلى قراءة النصوص الأصلية لندرك ذلك، فاستعمال الدين صنع الكوارث، والناطقون الرسميون باسم الله جلبونا لنا الكوارث أيضاً.
وحين سألناه عن لبنان، قال :”بالنسبة إلى البنان فالحديث صعب عنها، وذلك بسبب كوني لبناني، لذلك سأحاول الحديث بصورة عامة، الاختلاف الطائفي في لبنان جميل، والتمثيل في الحكومة لكل هذه الطوائف أيضاً، ولكن ما فعله رجال السياسة والدين في لبنان كارثة، وهو أمر قتل الدولة في لبنان، إن حزب الله يستغل نقطتين، الأولى اختياره لفكرة “ولاية الفقيه”، ما يعني أن تكون مرجعيته وسياسته إيرانية، والأمر الثاني محاولة انتقام اجتماعي من الدولة، الدولة التي جعلت من الشيعة خارج الدولة، وأنا أرفض أن توزع باسم الحرية 500 مليون دولار لحكم لبنان، فهذه ليست ديمقراطية، نعم إذا كانت بالمفهوم الأميركي فهي مقبولة، لينتخب الشيعي الشيعي، وينتخب المسيحي المسيحي، وينتخب الدرزي الدرزي، وهذا يخالف إيماني بالقومية العربية ووطنيتي، أنا فرنسي عربي، وخير دليل على ذلك أنني وبعد ثلاثين سنة من الهجرة أتحدث معك العربية، لذلك أطلب من حسن نصر الله أن ينسى أنه شيعي، ويبحث عن وطنيته ولبنانيته، ويجلس إلى الطاولة، ليعطينا مفهومه عن الإنسان والعالم، وذلك لبناء أخوة لا يمكنها أن توجد إلا بالمواطنة”.
أما هي مهمة العلماني بحسب صفير؟ فيقول :“مهمة العلماني في تصوري أن يكون جسراً بين المواطنين، وأن يمنحهم العلم والمعرفة، فعندما أتعلم أنتخب بطريقة ديمقراطية، وعندما يتم الانتخاب من أجل قبيلة أو عصبية أو طائفة تنتفي الديمقراطية، فأنا كفرد لا أجد الانتخابات في العراق ديمقراطية، فالعلماني يجب أن يكون جسراً للعلم والمعرفة للاعتراف به، وأن يحارب كل العصبيات التي تقع عليه”.
يضيف: أنظر إلى هؤلاء - وهو يشير إلى امرأتين بالعباءة وغطاء الوجه كانتا تعبران من حولنا - هؤلاء نسوا محمد، فـ (محمد كان يحب النساء)، وقد ذكر ذلك أكثر من مرة، والشخص الذي ستثيره امرأة لدرجة الاعتداء عليها لأنها من دون حجاب، هذا (حيوان بكل معنى الكلمة).
وإذا ما كانت الحرب قد خدمت العلمانية يقول صفير: “لم تخدم الحرب على الإرهاب العلمانية في شيء، الحرب التي تشنها أميركا هي عذر لتقليص الديمقراطية داخل أميركا، وتقليص الحريات العامة والشخصية، لكني مسرور لأمر واحد فقط، أنهم في أوروبا لم يغيروا القوانين من أجل محاربة الإرهاب، ولا أعرف كيف أن أميركا تحارب الإرهاب، ولا أعرف ما هو تعريفها للإرهاب، وكيف تحارب الإرهاب وهي تمارسه، ومن هنا أقول إن الدولة التي تخاف منها ليست دولة، فالدولة هي التي تحترمها فقط”.
اما بشأن البيان الذي وقعه ضيفنا مع مجموعة من الشخصيات، والصادر عن قضية الرسوم الكاريكاتيرية، يقول انطوني : نعم قمت بالتوقيع مع حرية الرسوم لأني أرفض أسلوب التهديد الذي تلقاه الرّسام، والذين وقعوا معي قد يرجع سبب توقيعهم لتاريخ من المعاناة بشأن حرية التعبير، فهذه المسألة مبدأ، ولا يمكنك اللعب بالمبدأ أو اجتزاءه، أخيراً لم يتغير موقفي من بعض الأنظمة العربية التي كتبت عنها، وسأعتبر أن الشعب ربح، وقد تكون هذه الأنظمة استفادت من كتاباتي عنها في هذا الجانب، فليس ذلك ذنبي، لكن هذا النظام الوحيد الذي منح شعبه الحرية”.
بعد أن تغلب العالم على الفاشية والنازية والاستالينية، يواجه اليوم تهديداً استبدادياً جديداً هو الإسلامويةنحن، كتاب وصحافيون ومفكرون، ندعو إلى مقاومة الاستبداد الديني، وتعزيز الحرية والفرص المتكافئة، والقيم العلمانية للجميع.
إن الحوادث الأخيرة التي وقعت بعد نشر الرسوم الكاريكاتيرية عن محمد في الصحف الأوربية، كشفت عن ضرورة النضال من أجل هذه القيم الكونية. وان الانتصار في هذا الصراع لا يتحقق بالسلاح، بل بالانتصار في ميادين الفكر. فهو ليس صراعاً بين الحضارات، ولا بالخصومة بين الغرب والشرق التي نشهدها الآن، ولكنه صراع كوني بين الديمقراطيين والثيوقراطيين (أنصار حكم الدين).
وكغيرها من المذاهب الاستبدادية الأخرى، فإن الإسلاموية هي الأخرى تتغذى على الخوف والإحباط. إذ أن دعاة الكراهية قد راهنوا على هذه المشاعر لتشكيل كتائب لا هم لها غير تكريس عالمٍ يسوده الظلم، وتغيب عنه الحريات. ولكننا وبشكل واضح وقاطع نقول: لا شيء يمكنه- حتى اليأس- أن يبرر اختيار الظلامية والاستبداد والكراهية. ذلك لأن الإسلاموية فكر رجعي يقتل المساواة والحرية والعلمانية حيثما حل. وإن نجاح هذا الفكر لن يؤدي إلاّ إلى عالم تسوده الهيمنة؛ هيمنة الرجل على المرأة، وهيمنة الإسلامويين على الآخرين. ولمحاربة هذا الأمر، يجب علينا تأمين الحقوق الكونية للذين يعانون من الاضطهاد والتمييز.
نحن نرفض “النسبية الثقافية” التي تقوم على قبول حرمان الرجال والنساء من ذوي الثقافة الإسلامية، من حقهم في المساواة والحرية والقيم العلمانية، باسم احترام الثقافة والتقاليد. ونرفض أن نتخلى عن روحنا الناقدة بسبب الخوف من اتهامنا “بالخوف من الإسلام”، ذلك المفهوم التعس الذي يخلط بين الانتقاد للإسلام كدين، مع الخصومة ضد من يؤمنون به.
نحن نقر بعالمية حرية التعبير، حتى تعم ممارسة روح النقد في جميع القارات، وضد جميع الانتهاكات وجميع العقائد.
ونناشد جميع الديمقراطيين وأصحاب الروح الناقدة، حتى يكون قرننا هذا قرناً للتنوير وليس قرناً للظلامية.
أيان هيرسي علي Ayaan Hirsi Ali
شهلة شفيق Chahla Chafiq
كارولين فوريست Caroline Fourest
بيرنارد هنري ليفي Bernard-Henri Lévy
إرشاد منجي Irshad Manji
مهدي مظفري Mehdi Mozaffari
مريم نمازي Maryam Namazie
تسليمة نسرين Taslima Nasreen
سلمان رشدي Salman Rushdie
أنطوني صفير Antoine Sfeir
فيليب فال Philippe Val
إبراهيم ابن وراق Ibn Warra
العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ