العدد 1533 - الخميس 16 نوفمبر 2006م الموافق 24 شوال 1427هـ

الانتخابات وشراء الأصوات في ميزان الفقه

يرى العلماء أنَّ الاختيار عن طريقِ الانتخاب المباشر أمرٌ له خطورته في بناءِ الأمة وعلى كيانها، ويجب أن يُوضع في مكانه الصحيح فوق المساومات، والبيع والشراء، ولا يجوز شرعًا أن يأخذ المسلم أجرًا على هذه الشهادة.

يقول الحق سبحانه: «وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ» (الطلاق: 2)؛ ولذلك فإنَّ الرشوةَ حرامٌ وسُحتٌ إلى يوم القيامة، وعملية شراء الأصوات، حرام شرعًا، بل خِسّة وانحطاط، وتدمير للأخلاق، وإهدار لرأي الناخب، بل واستهتار بالإنسان، وحين بعث رسول الله (ص) عبدالله بن رواحة - رضي الله عنه - إلى اليهود، ليقدر ما يجب عليهم في نخيلهم من خراج، فعرضوا عليه شيئًا من المال، يبذلونه له، قال لهم «فأما ما عرضتم من الرشوة، فإنها سُحت وإنا لا نأكلها» رواه الترمذي، ويقول الحق سبحانه: «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة: 188).

وأجمع العلماء والفقهاء على تحريمِ هذه الأعمال ولعْن مَن يتصف بها، كما حرَّم الإسلامُ على جميعِ المسلمين والمسلمات، سلوك هذا الطريق، كما حرَّم عليهم أن يقبلوا الرشوة إذا بُذلت لهم، وقال رسول الله (ص): «لعنة الله على الراشي والمرتشي» رواه أحمد والترمذي.

وفي رواية للإمام أحمد والحاكم عن ثوبان قال: «لعن رسولُ الله (ص) الراشي والمرتشي والرائش»، والرائش هو الواسطة بين الراشي والمرتشي. ولابد أن نعلم أن شيوعَ هذه الأمراض في المجتمعات، يدمرها، بل يقضي عليها؛ لأنه يقدم مَن يستحق التأخير، ويؤخر مَن يستحق التقديم، وتتحول المجتمعات إلى مجتمعاتٍ نفعية بلا خلق وبلا ضمير، ولا تؤدي الواجب، بل تعيش على الحرامِ والسُّحت، وأكل أموال الناس بالباطل، وكل هذا حرام.

ولقد انتشرت ظاهرة الرشوة - المحرمة إلى يوم القيامة - وخصوصاً في فترات ومواسم الانتخابات، وبدلاً من القيام بخدمة المواطنين والوطن، والعمل على راحتهم، وتوفير فرص العمل المناسب والعمل الشريف لهم، أصبح السعي إلى شراء الأصوات هو الأصل وموضع الاهتمام، وهناك إجماع من علماء الإسلام على تحريم هذه الأشياء.

وهنا يضيع الأكفأ والأعلم والأنفع لأمته الذي يستطيع أن يقوم بهذا الواجب في الدفاع عن حقوقه؛ لأن الأصوات امتلكها مَن يملك الدرهم والدينار، بصرف النظر عن أي اعتبار آخر!

والصوت أمانة وشهادة وتزكية، والمشاركة في الانتخاب واجب وطني وشرعي، والهدف من الانتخاب اختيار الأصلح الذي يسهر على مصالح الأمة ويعمل على جمع كلمتها ورقيها، وسعادتها، ويجنبها الزلل، ويتبنى قضاياها.

ويجب الاهتمام في إعطاءِ الصوت بمَن يُنادي بالعودة إلى عزة هذه الأمة، وسيادتها، واستعادة كيانها ومكانتها بين الأمم، فإن لم يُوجد مثل هذا الصنف فيحاول الناخب أن يختار الأفضل، الذي يحرص على نشر الخير، ودفع الضرر والفساد، ورعاية الأمانة وتحمل المسئولية. أما إعطاء الصوت على أساس القبلية والعصبية للمترشح من دون معرفة حال مَن نشهد له ونزكيه، فهذا أيضًا عملٌ غير سليم، فالمسلم صاحب الوعي السليم، والفاهم لدينه، لا يتعصب إلا للحق، ولا يقف إلا في صفِّ العقلاء الراشدين، ولابد من تجنب مَن يسيء لأمته، ويهدر مصالح وطنه، وهو مأجور بهذا الخلق الكريم، يقول الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)» (الأحزاب).

الشيخ محمد عبدالله الخطيب

من علماء الأزهر الشريف وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

العدد 1533 - الخميس 16 نوفمبر 2006م الموافق 24 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً