تتناول الحلقة الثالثة من ندوة الحراك السياسي في المحرق صراع أهل المحرق الشرفاء ضد الطائفية البغيضة وعلاقتها بالمستعمر والسلطة على حد سواء، والفرق بين التيارات الدينية المتطرفة والمعتدلة وموقف السلطة منهم، وعلاقة الطائفية بأداء الدور البرلماني السابق، والطرق التي من شأنها محاربة الطائفية كمرض في هذه الجزيرة.
كما نتناول في هذه الحلقة الاستحقاقات الانتخابية وعلاقتها الطائفية وغياب الفئة العمرية الشابة عن المعترك السياسي في المحرق وأوزان القوى الوطنية عموما فيها.
يشارك في هذه الندوة كل من أحمد سند البنعلي أحد مرشحي جمعية الوسط العربي الاسلامي بالمحرق، ورئيس الهيئة الاستشارية لجمعية العمل الديموقراطي (وعد) عبدالرحمن النعيمي وعضو شورى الوفاق ومرشحها في المحرق الشيخ أحمد أمرالله ورئيس جمعية الإخاء الوطني محمد الشهابي وعضو الأمانة العامة في حركة «حق» الشيخ عيسى الجودر، بينما اعتذر عن المشاركة كل من رئيس مجلس إدارة جمعية الأصالة الشيخ غانم البوعينين، ورئيس مجلس إدارة المنبر الوطني الاسلامي صلاح علي والناطق الرسمي باسم حركة العدالة الوطنية عبدالله هاشم.
- الشيخ أحمد أمرالله: اتفق مع الطرح الذي يبين أن الطائفية التي ورثتها السلطة كسلاح من المستعمر توظفها في العمل السياسي عندما تضيق بها الدنيا وعندما تمر بأزمات واختناقات وهو ليس بجديد ويستخدم حاليا في العراق ولبنان، ولكن في المحرق نرى أنها تتبدد شيئا فشيئا نتيجة النضج السياسي والتعليم، إذ أدرك الكل خطورة الفرقة وأنها سلاح ضدهم.
كما شهدنا قدوم أحزاب جديدة تعيش خواء فكريا وثقافيا واجتماعيا، وقد استغلوا الجانب الخيري باسم الدين على رغم أنهم يحاربون الدين في كثير من المواقع اكثر من الأحزاب القومية، ولهم نظرة تجزيئية إلى الواقع ككل وخصوصا في البعد التاريخي، واستغلوا ذلك للوصول لأهداف آنية وجزئية إلا أن اهل المحرق يتمتعون بثقافة عالية ومدنية مترسخة وكثرة العقول النيرة، فاستطاعوا اكتشافهم على حقيقتهم، والحمد لله فإننا نرى أن هذه الغمامة صائرة إلى زوال.
وأرى أن هناك علماء دين وتيارات دينية هي التي تمثل السنة المعتدلين في المحرق وهم السنة الحقيقيون البعيدون عن التطرف ولكنهم مهمشون مثل الشيخ راشد المريخي وجماعته، وذلك لأسباب معروفة، وبالتالي فنحن بحاجة إلى دعم هذه الفئة المعتدلة.
وإن الأداء الهزيل والمحبط للنواب في الدورة السابقة كان من المتوقع أن يؤجج الطائفية بشكل أكبر إلا أن انتشار الوعي حال دون ذلك، بل وأعطى نتائج عكسية فقد كره المواطنون مؤججي الطائفية.
وإنني لا أرى جهودا تذكر على الارض لمحاربة مرض الطائفية وكل من يدعي العمل على استئصال الطائفية يقع في مستنقعها!
سبل تحجيم الطائفية
ما هي السبل التي عن طريقها نستطيع تحجيم الطائفية والقضاء عليها؟
- أحمد البنعلي: إذا أوجدت هدفا رئيسيا فإن ذلك عامل موحد ومتى ما أوجدت أهدافا متفرقة فإن ذلك مدعاة للتجزئة.
هل لديك برنامج عمل لمكافحة الطائفية أو برنامج عمل استباقي وخصوصا أننا على أبواب انتخابات؟
- أحمد البنعلي: الانتخابات ستشهد شحنا طائفيا مثلما استخدم في انتخابات العام 2002م، وسنعاني في الأيام المقبلة من الفرقة أو محاولة التجزئة، وهذا أمر طبيعي أمام الاستحقاق الانتخابي، إذ ستحاول كل الأطراف استغلال ما يمكنها من أجل الفوز، كما أن هناك أطرافا ستستغل الوضع الطائفي سواء في المحرق أو خارجها وستحاول الاستفادة من الفرز الطائفي، وبالتالي فإن هناك ضرورة لمن يقوم بوأده كما حصل في أزمة الحالة بالمحرق، كما لابد من تحديد عناصر مجتمعية للجوء إليها عند كل محاولة للفرز الطائفي، وذلك من اجل تضميد الجرح ولمّ الشمل.
وأرى أنه من الضروري على القوى الوطنية وضع اهداف وطنية عامة وليس اهدافا مناطقية أو فئوية أو مجزئة من شأنها أن تفرق الناس.
ـ الشيخ أحمد أمرالله: ألا ترون أن الوفاق قد سنت سنة حسنة وسبقت كل الأحزاب والقوى الاسلامية عندما وضعت شخصية سنية على قائمة مرشحيها النيابية وهي شخصية عزيز أبل مع الأخذ في الاعتبار أن شارع «الوفاق» شيعي، وكذلك نرى هذا النفس نفسه لدى حركة حق فهي مزيج بين الشيعة والسنة على رغم أن شارعها شيعي... وأود أن أبين أن العملية الانتخابية ليست كل شيء فيمكننا العمل في مشروعات توحيدية حتى بعد الانتخابات.
المرجعية
الوطنية والتخندق
- الشيخ عيسى الجودر: لو رجع الجميع لمرجعية وطنية لكنا قد تخطينا الخندق الطائفي، فرجال الدين سواء الشيعة أو السنة كل يعمل لصالح مذهبه والمنتمين له، ففي الخمسينات لم يكن هناك توجه طائفي... لابد من تحديد مرجعية وطنية من اجل تحقيق سلامة الوطن... وهذا ممكن وقد تحقق سابقا في العمل السياسي السري...
هل ترى ذلك ممكنا؟ اليوم لدينا في المحرق «المنبر الإسلامي» و «الأصالة» و «الوسط العربي الإسلامي» و «الوفاق»... وغيرها، فهل تستطيع هذه القوى تحقيق ذلك؟
- الشيخ عيسى الجودر: كل الجمعيات السنية الإسلامية ليست إلا درعا للسلطة وتمثل الموالاة لها، فهي ليست حركات سياسية ولا معارضة.
- عبدالرحمن النعيمي: ولكن «الوسط الإسلامي» ليست كذلك يا شيخ عيسى!
- الشيخ عيسى الجودر: بل هي موالاة كذلك!
- محمد الشهابي: لنكن واقعيين... فالطائفية موجودة ولا نستطيع إلغائها... والنعرات الطائفية ستستمر لمن لديه نظرة آنية وبعيدة عن المصلحة الوطنية، وإذا اتفقنا في تغليب المصلحة الوطنية فإننا سنخرج بمكاسب للطائفتين معا.
الانتخابات القادمة ســتغذي الطائفية
هل هذا ممكن في هذا الواقع المعقد؟
- محمد الشهابي: هذا ممكن ولكننا بحاجة إلى تجاوز حواجز الخوف وأن نرفع من سقف وعي الجمهور عن طريق النخبة، فنحن ماهرون في التنظير والخطابات ولكننا بعيدون عن أرض الواقع... وإذا لم تنزل النخبة لميدان العمل فإن الوضع لن يتغير، كما أنه من الواضح أن الانتخابات القادمة ســتغذي الطائفية وبالتالي فنحن بحاجة إلى جهــاز يمتصها لكونها من الظواهر المستمرة.
نخاف من بعضنا بعضاً!
- عبدالرحمن النعيمي: إن المجتمعات الصغيرة بما فيها البحرين تعيش هاجس الخوف وربما يسودها، ومن يتحكم فيها هو السلطة وهي التي تعمل على تأجيج الطائفية، ومن الجهة الأخرى نجد أن المجتمع يخاف من بعضه بعضا... وبالتالي فإن ذلك يعتبر أخطر شيء، وقد أشار الشـــــيخ عيسى الجودر إلى خطر ذلك «التقـــرير» الذي تحدث عن كيفية تخريب المجتمـــع.
وإذا كنا كقوى سياسية نخاف من بعضنا بعضاً فلن نستطيع أن ننتج على هذا الصعيد... كما أننا لا نستطيع أن نعمل إذا فكرنا بعقلية الاستحقاق الطائفي، بل يجب أن يكون هناك استحقاق وطني ووحدة ... أنا لا أستطيع أن أتحالف مع المنبر الوطني الإسلامي لأنهم لا يريدونني وأنا لا أريدهم! ولكن في حال وجود شخصيات وطنية إسلامية من طراز الشيخ صلاح الجودر فإن الأمر مختلف فسأتحالف معه وسأضعه على قائمة وطنية إن لم تكن على مستوى البحرين فعلى مستوى المحرق.
والمشكلة في عدد من القوى السياسية لدينا أنها تشبه كبار السن (العجائز) في حراكها فهي تتحدث وتثرثر وتفتن فقط من دون أن تعمل! وهناك قوى لا تستطيع أن تعمل إلا بمناكفة الآخر واختلاق حرائق! وهي تبحث عن الأماكن الهادئة لتثير فيها الفساد! وأرى أن النخب السياسية تتحمل جانبا كبيرا من مسئوليته، ومن الواضح أن السلطة تحاول أن تكسب هذا النوع من النخب.
استبعاد الطائفيين
وبيت الشعب
- الشيخ أحمد أمرالله: نحن بحاجة إلى سلطة رقابية قوية من أجل استبعاد الطائفية والطائفيين بشكل كلي من بيت الشعب... فهم يعكسون طابعا سيئا للشارع، كما يجدر بي أن أنبه إلى أن غالبية المروجين لهذه الفكرة وخصوصا المدعومين مقنعون وهم يظهرون لنا بقناع المحبة والتآلف إلا أنهم يرسمون ويتفننون بالفكر الطائفي لدى الناس وبالتالي فإننا بحاجة إلى كشف زيف هؤلاء...
نحن بحاجة إلى برنامج وطني لمكافحة الطائفية وليس إلى البهرجة، والتظاهر فقط من شأنه زرع ثقافة حسن الظن لدى الآخر.
ما حجم الوجود الشعبي للقوى الوطنية في المحرق من تيارات اسلامية وليبرالية؟
- أحمد البنعلي: لا يوجد حضور شعبي في المحرق بما نود، سواء كان ذلك من التيارات الاسلامية أو المتغطية بغطاء ديني أو تيارات غير دينية مثل اليسارية والقومية وغيرها... لا توجد مؤشرات تبين تصدر تيار بعينه في الساحة المحرقية... وهناك فئة عمرية هي النشطة في الحراك السياسي في المحرق وهي عمر الثلاثينات والأربعينات بوتيرة أسخن وتراها تشارك في التنظيمات السياسية والأنشطة الشعبية والمسيرات والمجالس الشعبية والندوات، بل ترى أن بعض الوجوه تتكرر في كثير من المجالس ليليا!
وباستثناء الحسينيات التي يغلب عليها حضور الشباب لدواع دينية أكثر منها لأسباب سياسية، لا نجد بالمقابل لدى الفئة العمرية الشابة من الطائفة السنية أي حضور يذكر في التجمعات والمحافل...
وبالمقارنة بين المشاركة الشعبية في المسيرات ومنها تلك التى تساند حزب الله ضد الكيان الصهيوني في العدوان الأخير على لبنان لا نجد مشاركة شعبية وخصوصا من فئة الشباب بالشكل الذي نطمح مقارنة بمسيرات سابقة في العام 1954 و1965 تغص الساحات بالمشاركين الحماسيين وكذلك في العام 1972... وأجد أن جميع التيارات السياسية بلا استثناء غير قادرة على استقطاب هذه الفئة العمرية.
التيارات الدينية
أكثر شعبية
وما هي أكثر التيارات السياسية حضورا في المحرق؟
- أحمد البنعلي: أكثرها حضورا هي التيارات الدينية للطائفتين، وذلك لأنها تضع أمامهم هدفا يريدون الوصول إليه بشكل واضح، بينما التيارات الاخرى لا تعتبر أهدافهم واضحة أو لا تستطيع تجسيد أهدافهم مثلما يفعل الدينيون... التيار الأصولي قد يبدأ مع الشخص بتحفيظ القرآن من سن الخمس سنوات ثم يتواصل مع العمل الخيري وغيرها من الأنشطة القريبة منهم بينما لا يجد اليساري هذه الفرص، مع انني لا أجد أن استغلال ذلك صحيح من الناحية السياسية.
بعيدون عن
العمل السياسي
- الشيخ عيسى الجودر: قلت سابقا وأؤكد أنه لا يوجد حراك سياسي في المحرق وأكثر المحرقيين غير مسيسين!... وأتفق مع البنعلي في تعليقه على مشكلتنا في طبقة الشباب المحرقي في أنهم بعيدون عن العمل السياسي ولا يهتمون بمصلحتهم على عكس شباب الأجيال السابقة.
ـ محمد الشهابي: أتفق مع البنعلي في تكرار الوجوه في معظم الأنشطة والمجالس في المحرق... وأجد أن الدوائر السياسية شبه مغلقة وأن التيارات الدينية لها النصيب الأكبر في الاستقطاب السياسي... وهناك قسمان لهذه التيارات، قســــم معتــــدل وآخر أصولي، إلا أن التيار الأصـــولي من الطائفــــتين هو المهيمن على الساحة بما فيها من حراك.
وربما بررنا سابقا تسيد التيارات الاصولية لحداثة عملية الاصلاح، ولكن بعد خمس سنوات لا نستطيع أن نستمر في تبرير هذه الظاهرة بالسبب نفسه... وتجد الحماس لدى التيارات الدينية أكثر مما لدى التيارات الليبرالية?
العدد 1518 - الأربعاء 01 نوفمبر 2006م الموافق 09 شوال 1427هـ