دفعت الدول الغنية مليارات الدولارات في مشاريع إنمائية في إفريقيا، لكن الأزمة العالمية والنمو في القارة دفعا بها إلى وقف مساعداتها.
ففي العام 2012، خفضت الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مساعداتها لإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 10 في المئة، وهي أعلى نسبة في غضون ستة عشر عاماً. حتى أن إسبانيا خفضت موازنتها إلى النصف.
وقد تم إرسال نحو 26 مليار دولار أيضا إلى الجنوب، لكن الرسالة واضحة: المساعدة للتنمية لم تعد تلقى الاستحسان.
وتقف إجراءات التقشف بشكل واسع وراء هذه الاقتطاعات المالية، لكنها ليست الوحيدة لأنه بات بإمكان العديد من دول إفريقيا الإقلاع بواسطة قدراتها الذاتية.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن اقتصاد إفريقيا جنوب الصحراء سيسجل أيضاً نموا من 5,4 في المئة في 2013. وهو ما يدعو الغرب إلى الأمل!
واعتبر مدير مركز جامعة أكسفورد لدراسة الاقتصادات الإفريقية بول كولييه إن «الفئة القديمة من (الدول النامية) لم يعد لها أي معنى الآن».
وأوضح لوكالة فرانس برس أن «الدول الناشئة ليست بحاجة إلى المساعدة. وهذا التراجع في حاجاتها صادف مع القيود المالية في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية».
وعندما جمّدت الدول المانحة أخيراً مساعدات تعادل 11 في المئة من موازنة رواندا، نجحت هذه الدولة في جمع 3,5 مليارات دولار عبر إصدار سندات.
وقد أكدت بريطانيا للتو هذا الميل عندما أعلنت وقف مساعدتها المباشرة لجنوب إفريقيا.
وهو قرار لم يتخذ مع ذلك من دون الإعراب عن شكوك عميقة حيال فعالية المساعدة وأهمية المبالغ التي قد يتم اختلاسها.
إلا أن المعلقين لفتوا من جهة أخرى بسخرية إلى أن خفض المساعدة البريطانية يتناول نحو 22 مليون دولار من الأموال العامة التي أنفقها رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما «لتحسين الوضع الأمني» لمقر إقامته الخاص في القرية التي ولد فيها.
وتساءلت ويني بيانييما المديرة العامة لمنظمة أوكسفام الخيرية «لماذا تريدون التواجد في الأمكنة التي ينتشر فيها فساد؟».
وتكمن رسالة لندن وخصوصاً في أن اكبر قوة اقتصادية في إفـريقـيا غنـية إلى حد يمـكنـها من الاستغـناء عن المسـاعـدة.
وقالت الوزيرة البريطانية لشئون التنمية الدولية جوستين غرينينغ إنه «بات بإمكان جنوب إفريقيا الآن أن تمول تنميتها الذاتية». وأوضحت وزارتها أن «الدولتين ستبدآن علاقة جديدة قائمة على تقاسم الكفاءات والخبرات لا على تمويل التنمية». إلا أن الكثيرين يخشون أن يتم التخلي عنها.
وقد أسهمت أموال الدول الغنية على سبيل المثال في عمليات تحسين ملحوظة في قطاع الصحة مثل خفض نسبة وفيات الأمهات والأطفال عند الولادة إلى النصف في إفريقيا، كما قالت بيانييما.
وتلفت عدة منظمات غير حكومية - يتم تمويلها في غالب الأحيان من قبل الحكومات الغربية - إلى وجوب تحديد الأهداف بدقة اكبر. وقالت ويني بيانييما في هذا الصدد: «يجب إرسال المساعدة إلى المكان الذي ستكون فيه مجدية».
ويتجه اهتمام المنظمات غير الحكومية منذ نحو بضع سنوات إلى تنمية الكفاءات وتمويل منظمات محلية تحظى بدعم السكان. حتى أن منظمة أوكسفام تشجع الدول الأكثر فقراً على «تخطيط طريقتها الخاصة للخروج من حاجتها إلى المساعدة» بواسطة استخدام مواردها الذاتية.
وقالت مديرة أوكسفام إن «الميل يكمن أيضاً في أن على الدول النامية أن توجه الاستثمارات الخاصة والاستثمارات المباشرة الأجنبية إلى عملية التنمية».
ويوافق بول كولييه على هذا الأمر لكنه لا يمتنع عن توجيه انتقاد قائلاً إن «مقاربات جديدة ضرورية. وللأسف فان أفضل ما نعرفه هو تقديم المساعدة للدول التي لم تعد ضرورية بالنسبة إليها».
وفي لفتة الباحث الدقيق، قال إن «الدول الهشة والاقتصادات الصغيرة المنعزلة ستبقى بحاجة لتمويل عام طيلة عقود تحت طائلة التعرض لمآس إنسانية».
العدد 3914 - السبت 25 مايو 2013م الموافق 15 رجب 1434هـ