العدد 3925 - الأربعاء 05 يونيو 2013م الموافق 26 رجب 1434هـ

استمرار تصاعد الغضب في تركيا وراءه تراكمات كثيرة فجّرها «هدم متنزه صغير»

ربما تكون أعنف أعمال شغب تشهدها تركيا خلال عقود بسبب هدم متنزه صغير في إسطنبول لكنها تفجرت لتتحول إلى استعراض لتحدي ما يرى كثيرون أنه تسلط متزايد من جانب رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان. وضاعف حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية الذي يتولى السلطة منذ أكثر من عقد من نصيبه من الأصوات في كل من الانتخابات الثلاثة الأخيرة التي كانت إيذاناً باستقرار سياسي لتشهد البلاد بعضاً من أسرع معدلات النمو الاقتصادي في أوروبا. والآن وفي الولاية الأخيرة لرئيس الوزراء يحاول أردوغان ترك بصماته على تركيا من خلال إعادة صياغة سياستها الخارجية وإصلاح الدستور بل وتغيير الطابع المعماري العتيق لإسطنبول. لكن البعض وبينهم مؤيدون سابقون يتهمونه بالتسلط المفرط وتكميم الإعلام وتشديد قبضة حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه على مؤسسات الدولة وإقحام الدين في قلب السياسة في انتهاك للدستور العلماني لتركيا.

وقالت توجبا بتيكطاش وهي خريجة جامعية عاطلة عمرها 25 عاماً قبل أن تنضم إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة في وسط إسطنبول في ساعة متأخرة من مساء السبت «لو كان الأمر متروكاً لرئيس الوزراء لكنت اضطررت لارتداء الحجاب». وقالت قبل أن تضع نظارة سباحة واقية وكمامة طبية لتجنب آثار الغاز المسيل للدموع «كل ما يقلق هذه الحكومة هو مكافأة نفسها. وأولئك الذين لهم صوت مخالف مهمشون. وهذا هو ما أحتج عليه». وكانت بتيكطاش واحدة من عشرات آلاف الأتراك الذين يحتجون في إسطنبول حيث أصيب أكثر من 1000 شخص في الاشتباكات مع قوات الأمن.

وجرت احتجاجات مماثلة في العاصمة أنقرة ومدن أخرى في أنحاء البلاد.

أردوغان يتهم المعارضة بإذكاء المظاهرات

واتهم أردوغان حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي بإذكاء المظاهرات بينما حذر مسئولون حكوميون آخرون من أن الاضطرابات مؤامرة لتهيئة الساحة لتدخل الجيش مثلما حدث في الماضي. لكن المحتجين ينتمون إلى خلفيات سياسية متباينة سواء كانوا دعاة لحماية البيئة أو قوميين أو ينتمون لليسار المتطرف. ولا بد أن شدة الاحتجاجات هزت أردوغان الذي فاز حزبه بأكبر نصيب من الأصوات في الانتخابات التركية خلال عدة عقود ويتردد الآن أنه يضع نصب عينيه تولي الرئاسة قبل أن تنتهي في العام 2015 ولايته الأخيرة في فترات رئاسة الحكومة الثلاث التي فرضها هو. وينظم رئيس بلدية إسطنبول السابق البالغ من العمر 59 عاماً حملة من أجل التغيير السياسي الذي سيمنح صلاحيات تنفيذية لمنصب الرئيس الشرفي بدرجة كبيرة.

وعالج أردوغان بعض المشاكل الشائكة في تركيا ومن بينها مبادرة سلام رئيسية هذا العام لإنهاء حرب عمرها 28 عاماً مع متشددين أكراد. وهو شريك مهم للولايات المتحدة في جهودها لإنهاء الحرب الأهلية في سورية رغم أن استطلاعات الرأي تبين أن سياسة الحكومة نحو جارة تركيا لا تحظى بشعبية.

مجموعة من أربعة متظاهرين تحولت لآلاف الأشخاص

ومحور الاحتجاجات ميدان تقسيم في إسطنبول ومتنزه جيزي وهي رقعة خضراء في أسرع مدن أوروبا نمواً والتي تخصص 1.5 في المئة فقط من أراضيها للمتنزهات العامة وفقاً لتقرير ثقافة المدن العالمية. وتحولت مجموعة من أربعة متظاهرين يحاولون منع قطع خمس أشجار في إطار مشروع لتوسعة شارع في الأسبوع الماضي إلى آلاف الأشخاص الذين أقاموا مهرجاناً في متنزه جيزي شمل إقامة حفلات وإلقاء كلمات وجلسات يوجا. وهم يعارضون خطة لتحويل ساحة تقسيم إلى منطقة للمشاة وإزالة متنزه جيزي لإعادة إعمار ثكنة عسكرية من العصر العثماني ترجع إلى القرن التاسع عشر كانت تميز الحدود الخارجية للمدينة. وقال أردوغان إن هذه الأرض في شكلها الجديد يمكن أن تستخدم في إقامة مركز للتسوق أو متحف تعلوه شقق فاخرة. وقالت بتول تانباي الأستاذة بجامعة البوسفور وعضو منتدى تقسيم الذي شن حملة امتدت أكثر من عام لمشروع يستند إلى تحقيق توافق «عندما لا يتم التشاور مع المواطنين حتى بشأن متنزه فإن البلاد تصبح غير ديمقراطية». وقالت «هذا الأمر تجاوز الآن الأنفاق والمتنزهات وأصبح حركة ضخمة. يوجد قدر كبير من عدم الارتياح بين شريحة كبيرة من الناس». وتقسيم مجرد مشروع من مشروعات الإنشاءات الحكومية التي تضم أكبر مطار في العالم وثالث جسر يتكلف ثلاثة مليارات دولار على البوسفور وقناة شحن تتكلف عشرة مليارات دولار ستحول نصف إسطنبول إلى جزيرة. ويقول منتقدو أردوغان إن المشروعات الضخمة تشتت الاهتمام بقضايا أكثر إلحاحاً في الدولة التي يبلغ تعداد سكانها 76 مليون نسمة.

ساحة تقسيم ذات طبيعة خاصة

وساحة تقسيم ذات طبيعة خاصة إذ بينما تجسد الساحات الأخرى في إسطنبول عظمة الإمبراطورية العثمانية فإن تقسيم تشيد بالأفكار العلمانية للجمهورية التي تأسست في العام 1923 بعد انهيار هذه الإمبراطورية. وكانت الساحة في وقت قريب موقعاً لمذبحة العام 1977 لنحو 40 يسارياً في عيد العمال. وقال رئيس غرفة المهندسين المعماريين، أيوب موكو في مقابلة قبل الاحتجاجات «تقسيم ذات أهمية كبرى لدى الدوائر المختلفة... أن تهدم تقسيم دون أي توافق اجتماعي أمر يضر بمنطقة فضاء عامة مهمة ليس فقط لإسطنبول وإنما لتركيا باسرها». وكانت الاحتفالات في ساحة تقسيم محظورة على مدى عقود عديدة إلى أن سمح بها أردوغان مرة اخرى في العام 2010 ليتم إغلاق الساحة مرة أخرى في أول مايو/ أيار بسبب الإنشاءات وهو ما أثار أسابيع من الاحتجاجات المحدودة التي تضخمت مثل كرة الثلج لتصبح أعمال شغب في مطلع الأسبوع. ومع اكتساب الاحتجاجات قوة دافعة بدا أردوغان عنيداً وتجاهل حكم محكمة مؤقت في إسطنبول صدر يوم الجمعة أوقف العمل في مشروع الثكنة العسكرية العتيقة فيما سعى القضاة إلى الحصول على مزيد من أقوال الشهود. واستمر أردوغان على موقفه ليعلن هدم قاعة احتفالات تقسيم الشهيرة التي اقيمت تخليداً لذكرى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة وإقامة مسجد. وبدأت جهود بناء مسجد في ساحة تقسيم تطرح منذ 40 عاماً على الأقل لكنها لم تكسب على الإطلاق تأييداً كافياً. وقال أردوغان «لا أحتاج للحصول على إذن من المعارضة ولا أحتاج إليه من حفنة لصوص. الناخبون منحوني بالفعل الإذن لهذا». وبناء مسجد في ساحة تقسيم لم يكن متصوراً منذ عشر سنوات. وأبقى الجيش التركي الذي عين نفسه حارساً للعلمانية على حكومات مدنية لفترات قصيرة في السلطة وقام بثلاثة انقلابات وأجبر حكومة رابعة على الاستقالة.

خوف من «إعادة تشكيل تركيا»

وبتأييد شعبي قامت حكومة أردوغان بكبح جماح الجيش خلال السنوات العشر الماضية وبصفة أساسية من خلال قضايا قانونية أدت إلى سجن عشرات الضباط الكبار لأدوارهم المزعومة في مؤامرات ضد أردوغان ومن سبقوه. وخلال معظم النصف الأول من ولايته في السلطة ركز أردوغان على الإصلاحات السياسية التي تستهدف دفع تركيا نحو المعايير السياسية للاتحاد الأوروبي. وحصل الأكراد على حقوقهم الثقافية وتمتعت الأقليات الدينية بمزيد من الحريات وتم توسيع نطاق الخطاب العام. ورغم الاضطرابات في الأيام الأخيرة فإن أردوغان لا يزال أكثر الساسة شعبية في تركيا ولا يوجد له منافسون واضحون سواء في الحزب الحاكم أو في المعارضة. وقال مؤلف كتاب «إسلام بلا تطرف»، مصطفى أكيول إن «العلمانية التركية جامدة للغاية لدرجة لا تسمح بوئام في المجتمع حيث يوجد سكان ملتزمون بالدين». وقال «العلمانيون يخشون الآن من أن أردوغان يريد تغيير الأوضاع لأنه لا يواجه تحديات». ومنذ العام 2008 سجن الآلاف من معارضي الحكومة في أنحاء الطيف السياسي ومن بينهم طلبة جامعة وأكاديميون ومحامون وناشطون أكراد وضباط جيش وزعماء جماعات قومية متطرفة. وقال قدري جورسيل وهو كاتب عمود بصحيفة «ميليت» ورئيس اللجنة التركية بمعهد الصحافة الدولي «إن أي حكومة ليس لها معارضة تقيم توازناً ولا صحافة حرة تراقبها يمكن بسهولة أن تخرج عن نطاق السيطرة». وأضاف «التجربة التركية أجابت الآن على سؤال بشأن ما إذا كان الإسلام المعتدل والديمقراطية متوافقان دون قيود وتوازنات». والتشريع الذي صدر في الشهر الماضي والذي يضع ضوابط على بيع المشروبات الكحولية يثير مخاوف بشأن المجالات الأخرى للحياة الخاصة التي قد تسعى الحكومة إلى فرض قيود عليها خاصة وأن أردوغان أقر بأن القانون مستمد من مبادئ الإسلام. وربما لأنه يدرك هذه المخاوف قال إن واجبه الدستوري هو حماية صحة الأتراك الشبان. وقال جورسيل إن هناك قضايا تبين أن الحكومة تعيد تشكيل تركيا. ومن بينها قضيتان للإساءة للدين تم تسليط الضوء عليهما وحكم في كل منهما على حدة على مؤلف موسيقي وكاتب بالسجن لتعليقات كتبت في موقع «تويتر».

وقال: «تركيا لا تصبح مجرد دولة أكثر تديناً. تركيا يجرى تحويلها إلى دولة أكثر تديناً». وذكرت صحيفة «حريت» أن مظاهرة في العاصمة أنقرة الشهر الماضي تبادلت فيها مجموعة من 200 شخص القبلات للاحتجاج على حملة تروج للفضيلة انتهت بإراقة الدماء عندما تعرضت لهجوم من مجموعة من الإسلاميين الذين يحملون السكاكين وطعنوا شخصاً. وتحدث أردوغان بقدر أكبر من العلانية عن تربية جيل متدين. وكان خلال توليه منصب رئيس بلدية في التسعينات قد سجن لفترة قصيرة لأنه قرأ قصيدة اعتبرت إسلامية. وحاول الحد من إقبال النساء على الإجهاض لتشجيع ظهور الأسر الأكبر عدداً ورفع القيود على التعبير علانية عن الاتجاه الديني مثل ارتداء الحجاب الذي كان محظوراً في وقت من الأوقات. وفي الاحتجاج الذي نظم يوم السبت قال مدين وهو طبيب عمره 30 عاماً وصف نفسه بأنه مسلم ملتزم إنه فقد ثقته في أردوغان على مر السنين. وقال وهو يمتنع عن ذكر اسمه بالكامل خوفاً من أي إجراء انتقامي في العمل «إنني أؤدي الصلاة وأصوم وفكرت في التصويت لصالح أردوغان في الماضي لأنني اعتقدت أنه سيساعد المقهورين...» وأضاف «لكن الآن بعد أن تولى السلطة أصبح أردوغان هو من يمارس القهر. إنه يستغل مشاعرنا الدينية ليستفيد منها. لقد أصبح متعجرفاً وهذه خطيئة».

العدد 3925 - الأربعاء 05 يونيو 2013م الموافق 26 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:11 ص

      اردوغااان شحوااااااااااااال

      من حفر حفرة لأخية وقعه فيها والدنيا دوارة يا أردوغان

    • زائر 1 | 1:43 ص

      مها

      للاسف هالايام كل واحد يريد يصل لسلطه او مركز او رئاسه استغل الدين لانه يعرف ان الدين افيون الشعوب وخاصة ان اكثر الناس لا يفهمون ولا يقراون انما يتبعون ويصدقون كل من ادعى انه رجل دين فقط ليستغل الناس حتى يصل الى ما يريد بعد ذلك يتحول الى ديكتاتور وما حدث في تركيا يدل انك لا تستطيع ان تحكم الناس بقوة وباسم الدين والاسلام يقول لا اكراه في الدين علموهم الدين بس في النهايه كل انسان يختار كيف يعيش ما دام لا يصل ضرره لاحد

اقرأ ايضاً