العدد 1575 - الخميس 28 ديسمبر 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1427هـ

نابلس: ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن مات شهيداً

عشية عيد الأضحى ورأس السنة

ألقى الحصار المضروب على الأراضي الفلسطينية, والوضع الصعب الذي يعيشه الموطنون فيها, بظلالهما على الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى، كما ألقى من قبل بظلاله على استعداد الناس لاستقبال كل مناسبة. فقد اختفت مظاهر الفرح والزينة التقليدية من الشوارع، التي تزينت بصور المئات من الشهداء، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل القدس في انتفاضة الأقصى، بدلاً من أن تتزين بمظاهر الأفراح والبهجة، التي تستقبل بها الأعياد والمواسم عادةً.

ومع اقتراب موعد حلول عيد الأضحى المبارك، إلا أن المتجول في شوارع مدينة نابلس بالضفة الغربية هذه الأيام يلاحظ أن الحركة النشطة مقتصرة فقط في الشارع الموصل إلى مجمع مركبات وحافلات المدن المجاورة، وكأن المواطنين يأملون بتوجههم إلى أسواق هذه المدن أن يراعي تجار المدينة سوء الأحوال المادية وعزوفهم عن التسوق من محلات المنطقة، خصوصاً أن تجار المدينة، كما قال أحدهم لم يأخذوا حذرهم في عيد الفطر الماضي الذي كان بمثابة درس مدفوع الأجر للتجار نتيجة خسائر البضائع المتراكمة في مخازن الاحتياط.

فعيد الأضحى يأتي مجللاً بالحزن وبالغضب وبلوعة الفقدان في آلاف البيوت الفلسطينية... يأتي العيد مغموساً بمرارة قتل الاحتلال ووحشيته، لكن تلك الأحزان تتزاحم في قلوب الناس وإحساسهم مع شعور بالعزة والقدرة على الفعل لإيجاد موطئ قدم لهذا الشعب المشرد على خريطة العالم الجديدة، ولسان حالهم يقول «ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن مات شهيداً».

الاحتلال سبب رئيسي

ومن المتوقع أن تستمر أزمة حركة السوق في مدينة نابلس نتيجة التباين في تحليل أسبابها ومبرراتها بين طرفي المعادلة، إذ يدعي التجار أن مردها أزمة السيولة لدى المواطنين بينما يدعي المواطنون أن سببها الاحتلال الصهيوني والحصار، ما ينعكس سلباً على جميع القطاعات ويضر بمستقبل المدينة الناشئة تجارياً واقتصادياً وعمرانياً. وثمة فقر في المجتمع الفلسطيني لا يشعر به إلا أصحاب المهن والمحلات التجارية ذات العلاقة باحتياجات المواطنين الأساسية والضرورية. روايات أصحاب محلات الألبسة والمواد التموينية ومعامل الحلويات في مدينة نابلس في هذا الواقع تكاد تكون كذبة صاغها ملل هؤلاء التجار من الركود المميت في السوق عشية رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد وعيد الأضحى.

دخل يكاد معدوماً

«لم نعد نجاري سوء الأحوال المادية لدى المواطنين بسبب قلة الدخل» يقول صاحب أحد محلات الألبسة الجاهزة في مدينة نابلس، ويضيف «كذلك لم يعد بمقدورنا تحمل أعباء الدين المتراكم على الموظفين الذين هم أساس حركة السوق».

هذا التعثر في حركة السوق كما يقول التجار سببه أزمة السيولة لدى المواطنين الناجمة عن ارتفاع نسبة البطالة، خصوصاً في أوساط العاملين من المنطقة داخل كيان الاحتلال. فمع تعذر وصول نحو آلاف العمال إلى أماكن عملهم بحسب إحصاء فلسطيني.

وعلى رغم أن نابلس شهدت حتى وقت قريب توسعاً تجارياً نشطاً واعتبرت دفيئة إنتاج لعشرات تجار المدن الهاربين من ضجيج الاجتياحات الصهيونية، وأصبحت بفعل حواجز الاحتلال المقامة على مداخل المدن المحيطة بها مركزاً حساساً للنشاط التجاري المعتمد على تزاحم الإقدام الوافدة من قرى جنين ونابلس وأريحا، فإن هذا الامتياز الوقتي لم يشفع لتجار المدينة في ظل الإفلاس غير المعهود لدى المواطنين من جهة، والمبالغة في ارتفاع الأسعار من قبل التجار كما يقول المواطنون مقارنة بأسعار أسواق المدن الأخرى.

حصار وكساد في الأسواق

المواطنون يدعون أن التجار الوافدين بمصالحهم التجارية من خارج المدينة أدركوا أن حركة السوق في نابلس مرهونة بالوضع السياسي والحواجز التي حالت دون وصول مواطني قرى بعض المحافظات إلى أسواق مدنهم وقدموا إلى المنطقة للتسوق، غير أن التجار تعاملوا مع كل مستهلك منهم على أنه «زبون طيار» وبذلك لم يؤسسوا لحركة تجارية بعيدة الأمد كذلك لم يعملوا على ضمان عودة الزبائن نتيجة المغالاة بارتفاع الأسعار.

وانعكست ممارسات الاحتلال وعدوانه الغاشم على استعدادات المواطنين لاستقبال عيد الأضحى، إذ بدت الشوارع والأسواق خالية من المارة, مقارنة بالأعياد الماضية, فالشوارع التجارية في الضفة وغزة قبل العيد بأسبوع كان من عادتها أن تغص بالمواطنين الذين يشترون متطلبات العيد, فتمنع السيارات من دخول تلك الشوارع نظراً للاكتظاظ الكبير فيها, إلا أنها تبدو حزينة شبه مقفرة هذه الأيام، وكأنه لا يوجد عيد، ومرد ذلك للأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي يمر بها المواطنون، جراء استمرار الحصار، ومنع العمال من الوصول إلى أماكن أعمالهم، وهو الأمر الذي كان له الأثر الكبير على الاستعدادات للعيد وتنشيط الحركة التجارية.

بأي حال عدت يا عيد

ولا يختلف حال التاجر عن بقية المواطنين كثيراً، إذ يكتفي الجميع بتوفير بعض المقتنيات القليلة لإرضاء الأطفال... هذا ما عبرت عنه «أم أحمد» وهي أم لسبعة أطفال, حينما قالت إنها لا تستطيع أن تكسوا أطفالها مرة واحدة، بل على دفعات بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولاسيما أن زوجها عاطل عن العمل حالياً.

بينما اكتفت «أم سالم» بشراء بعض الأغراض لاثنين من أولادها الستة، ولكن «أم علاء» وغيرها الكثير من النساء لم يكن هدفها من الذهاب إلى السوق الشراء، وإنما إرضاء أطفالها الذين يبكون باستمرار، يريدون شراء ملابس العيد، وقالت والدموع في عينيها «لم يكن أمامي أن افعل أمام بكاء الأطفال وشعورهم بالقهر إلا أن آخذهم إلى السوق، وأوهمهم أنني سأشتري لهم، ونعود في نهاية اليوم من دون أن أشتري شيئاً لهم، وأتذرع لهم بحجج كثيرة». فالإغلاق والحصار لم يؤثرا فقط على العمال، الذين يعملون في الدولة العبرية فحسب،وإنما أثر على قطاعات العمل كافة في الأراضي الفلسطينية، وخصوصاً بعد منع إدخال الأسمنت ومواد البناء الأساسية للأراضي الفلسطينية، وتجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وقطع عدد كبير من الأشجار، ولم يبق أمام الأهالي سوى انتظار حوالات مالية قد تصلهم من أقربائهم في الخارج، وخصوصاً أن الانتفاضة قد خلفت وراءها جيشاً كبيراً من المتسولين، الذين اضطروا لمد أيديهم من أجل إعالة أطفالهم?

العدد 1575 - الخميس 28 ديسمبر 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً