على الرغم من إعلان قرار الرئيس باراك أوباما مساء الخميس، بتقديم مساعدة عسكرية مباشرة للمتمردين السوريين، إلا أن ما تريده الإدارة الأميركية ما زال غير واضح.
ويتساءل المحللون في واشنطن عما إذا كان هذا القرار هو جزء من استراتيجية متعمدة؟ - وإذا كان الأمر كذلك... فما هي تلك الإستراتيجية؟- أو ما إذا كان ذلك الإعلان مجرد حلقة في سلسلة جهود واشنطن لتخفيف الضغوط المتزايدة من حلفائها في أوروبا والخليج، و «الصقور» المتشددين في الداخل، وكلهم ينادون باتخاذ تدابير حربية أقوى تهدف إلى حسم الحرب الأهلية الدائرة منذ 27 شهراً، لصالح المعارضة.
وأشار السفير الأميركي المتقاعد، فريدريك هوف -المتخصص في الشئون السورية في مجلس الأطلسي والذي طالما دعا لتدخل عسكري أميركي أقوى-، «عندما عبر يوليوس قيصر (روبيكون)، انتقل بسرعة إلى إنجاز المهمة وفقاً لاستراتيجية سليمة».
وأضاف، «على الرغم من أن (قرار) عبور الإدارة الأميركية هو قرار هام، ونرحب به فقد طال انتظاره، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا الفيلق سوف يتحرك بذكاء نحو هدف محدد أو سيدور ببساطة حول ضفة النهر».
وكان البيت الأبيض قد ربط قرار تصعيد «نطاق وحجم» المساعدات العسكرية للجيش السوري الحر والمجلس العسكري السوري بتقارير أجهزة الاستخبارات الأميركية التي تؤكد أن القوات السورية استخدمت الأسلحة الكيمياوية -على نطاق صغير- ضد قوات المتمردين في عدة معارك.
كما أشارت تلك التقارير إلى زيادة تورط المتشددين من إيران وحزب الله من لبنان، في دعم نظام الرئيس بشار الأسد، الذي طالب أوباما مراراً وتكراراً بتنحيه منذ بداية اندلاع القتال منذ أكثر من عامين.
لقد جاء الإعلان عن تسليح المعارضة السورية في أعقاب سلسلة من الاجتماعات الداخلية المكثفة خلال الأسبوعين الماضيين، عندما بات واضحاً أن قوات النظام قد حققت تقدماً لصالحها في ساحة المعركة - كان أهمها هو استرجاع بلدة القصير الاستراتيجية القريبة من الحدود اللبنانية بمساعدة حزب الله- ما هدد بترجيح كفة الحرب بشكل حاسم لصالح الأسد.
فبالنظر للمشهد الحالي الذي تشن فيه القوات الحكومة ومقاتلو حزب الله هجمات ضخمة على مدينة حلب، ويطالب فيه زعماء المعارضة «المعتدلة» بشكل مستميت بالأسلحة، وقع البيت الأبيض تحت ضغوط مكثفة من الحلفاء في الخارج و»الصقور» في واشنطن، ما دفعها إلى «القيام بشيء ما» يمكنه أن يمنع، بل وربما يعكس، الزخم الذي يحظى به النظام، ويستعيد حالة «الجمود الاستراتيجي» الذي تعتبره واشنطن ضرورياً لاحتمالات التوصل إلى تسوية سياسية.
ولكن ما هو ذلك «الشيء» على وجه التحديد! ذلك غير واضح وربما سيظل غير واضح.
مساء الخميس، ضمن لقاء مع الصحافيين، تجنب نائب مستشار الأمن الوطني، بن رودس، الإجابة على هذا السؤال مراراً وتكراراً، وأصر على أن واشنطن ستزيد من «نطاق وحجم» المساعدات المباشرة للمجلس العسكري السوري، الذي يتلقى حتى الآن المساعدات الإنسانية و»غير الفتاكة» بشكل أساسي.
ووفقاً لعدة تقارير، قرر أوباما بالفعل توفير الأسلحة الصغيرة والذخيرة، لكن القرارات بشأن طلبات المتمردين لأسلحة مضادة للدبابات وصواريخ الأرض جو التي تطلق من الكتف لا تزال معلقة.
وكانت واشنطن استبعدت ذلك في السابق، ويرجع ذلك جزئياً إلى مخاوف إسرائيل بأنها قد تستخدم ضد طائراتها، وخاصة إذا وقعت في أيدي الفصائل الإسلامية الراديكالية ضمن القوى المناهضة للأسد.
لكن الصقور في واشنطن يجادلون بأن الأسلحة الصغيرة وحتى الأسلحة مضادة للدبابات هي غير كافية في هذه المرحلة لإعادة التوازن إلى وضع يميل بسرعة لصالح النظام.
«يجب على الرئيس أن يحشد تحالف دولي لاتخاذ إجراءات عسكرية للحط من قدرة الأسد على استخدام القوة الجوية والصواريخ الباليستية والتحرك وإمداد قواته في جميع أنحاء ساحة المعركة عن طريق الجو»، كما أعلن عضوا مجلس الشيوخ الجمهوريين جون ماكين وليندسي غراهام في وقت متأخر الخميس. «يجب علينا أن نتخذ إجراءات أكثر حسماً الآن لتحويل مسار الصراع في سورية».
ودعا كلاهما إلى جانب آخرين في واشنطن لفرض «مناطق حظر الطيران» على طول الحدود التركية السورية والحدود الأردنية التي من شأنها أن تصبح ملاذات آمنة للاجئين والمتمردين وتسمح بتدريب وتسليح المتمردين للقيام بعمليات ضد القوات الحكومية داخل سورية.
وحث «هوف» على استخدام مثل هذه المنطقة أيضاً في حماية الحكومة المتمردين التي يمكن أن تحصل على اعتراف رسمي من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، وطلب أسلحة ثقيلة حتى تذهب إلى محادثات السلام كقوة دبلوماسية، وكذلك عسكرية، مساوية لحكومة الأسد. وفي حين قال رودس للصحافيين إن أوباما «لم يتخذ أي قرار لمتابعة العمليات العسكرية مثل فرض منطقة حظر الطيران»، ذكرت صحيفة «وول ستريت» أن إقتراح البنتاغون، الذي لا يزال تحت الدراسة، ينادي بفرض منطقة «عدم قتال» محدودة تمتد ما يصل إلى 40 كم داخل سورية، بحيث تنفذها طائرات الولايات المتحدة وحلفائها من الأجواء الأردنية. وفي الأشهر الأخيرة، كانت واشنطن قد وضعت بطاريات «باتريوت» للدفاع الجوي وأرسلت طائرات مقاتلة إلى قواعد في أراضي الأردن، حيث قامت أيضاً بتدريب المتمردين والقوات الأردنية بشكل سري على تأمين مرافق الأسلحة الكيمياوية والأسلحة في حال انهيار نظام الأسد، وفقاً لبعض التقارير.
هذا ويجمع بعض المحللين الذين عارضوا التدخل الأميركي المتصاعد في الحرب الأهلية، على أنه من غير المرجح أن يؤدي توريد الأسلحة مباشرة إلى المتمردين إلى تحول المجريات العسكرية، خاصة في المدى القصير، بل ويمكنه أن يحمل مخاطر إضافية.
«شحنات الأسلحة الانتقائية قد (تشجع) على حدوث اشتباكات بين الجماعات المتمردة المتنافسة. وقد تهاجم العناصر المتطرفة وحدات المتمردين الأكثر اعتدالاً والأفضل تسليحاً، مدفوعة بالحاجة، أو الاستياء أو كليهما، «وفقاً لنائب المدير السابق لوحدة استخبارات الشرق الأدنى بوزارة الخارجية، لواين وايت. وأشار إلى أن هذا يمكنه أن يقوي النظام في الواقع. وأضاف، فقد كانت «الطليعة العسكرية المتمردة» لبعض الوقت «هي الراديكالية الإسلامية - بل حتى تتبع تنظيم القاعدة». وأعرب عن تشككه في فعالية منطقة حظر الطيران، مشيراً إلى أنها قد تقود لتصعيد سريع، وقال: «سيظل المتمردون تحت رحمة الأسلحة الثقيلة للنظام على أرض الواقع، ما يدفع الذين سيقومون بإنشاء أية منطقة لحظر الطيران إلى هجوم بري يستهدف مواقع النظام على الأرض كذلك».
العدد 3936 - الأحد 16 يونيو 2013م الموافق 07 شعبان 1434هـ