حجم وقوة ردود الفعل المنددة بحادث التفجير الإرهابي الذي استهدف المصلين مساء أمس الاول بجوار مسجد الشيخ عيسى بمنطقة الرفاع، يعكس حقيقة يغض المخربون ومحرضوهم الطرف عنها، وهي أن لهذا الوطن رجال سيظلون على العهد دائما يحمونه ويدافعون عنه ويضحون بأنفسهم في سبيله وأنهم لن يتركوا أمن المواطن ولا استقرار المجتمع نهبا لكل من تسول له نفسه العبث بمقومات البحرين وطمأنينة شعبها.
فقد دان عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة بقوة العمل الإرهابي الذي لم يراع حرمات الشهر الكريم، ووجه الأجهزة المعنية باتخاذ ما يلزم بحق المشتبه في تورطهم في هذا العمل "المشين" الذي تزامن مع اعتداءين استهدف أحدهما مقر إحدى الشركات بشارع البديع وأحد أبراج الاتصالات في منطقة عالي، ووصف رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الامير الشيخ خليفة بن سلمان ال خليفة الحادث بـ" البشع والدنيء"، معتبرا إياه "محاولة رخيصة" لن تكتب لها النجاح لجر البلاد لأتون حرب طائفية، وهو ما أكد عليه ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الامير الشيخ سلمان بن حمد ال خليفة الذي اعتبر أن القيادة الرشيدة لن تسكت عن مثل هذه الأعمال الإجرامية ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام المحرضين عليها في أقوى رد فعل ضد ممارسات غير مسؤولة يرتكبها البعض من فوق منابر سياسية ودينية وبشعارات واهية تدَّعي السلمية.
ولا يخفى أن قوة ردود الفعل هذه تؤكد بما لا يدع مجالا للشك المخاوف التي كان قد حذر منها خبراء أمنيون راعهم جملة الجرائم التي توالى حدوثها في المملكة على فترات متباعدة منذ أحداث مارس 2011 وحتى قبل أسابيع قليلة، مخاوف بدا أنها كانت تستبق أعمالا إجرامية أكثر قوة وتأثيرا من تلك التي استهدفت الدوريات الأمنية في بني جمرة وغيرها، مخاوف استندت إلى حقائق دامغة بأن هؤلاء الحاقدين ـ الذين لا يقدرون حرمة الشهر الفضيل ولا يراعون حرمة النفس البشرية الآمنة التي تعبد ربها في محاربها ـ سيستمرون في غيهم ولن يعنيهم كثيرا إمكانية التواصل مع الغير ولا الوصول لحل توافقي يعفي البلاد من مأزق التوتر الذي تعاني منه غالبية دول المنطقة في الوقت الراهن.
حقيقة الأمر، ورغم وقْع الحدث الدنيء، لكن الرأي العام البحريني لم يفاجئ كثيرا به، ليس فقط لأنه يدرك أن مثل هذه الأعمال الإرهابية هي دليل إفلاس أكثر منها أي شيء آخر، وأن هناك من سيُعمِل يد القانون فيهم وسيلاحق المشتبه بهم الذين يبدو أن الخناق يضيق عليهم، وإنما لأن هذه العملية التفجيرية الأخيرة لم تكن المرة الأولى التي يُعلن فيها عن عمل إرهابي قذر يستهدف أمن هذا الوطن ومقدرات شعبه، حيث أعاد تفجير الرفاع إلى الأذهان تفجير وقع نهاية مايو الماضي في قرية بني جمرة وغيرها استهدف حياة رجال الأمن أثناء قيامهم بواجبهم.
ولا يدري المتابع المدقق ماذا يمكن أن يجري ما لم تلاحق الأجهزة الأمنية العناصر المشتبه بها ويتم تضييق الخناق عليها، مثلما حدث خلال عمليات التمشيط والمداهمات الأخيرة، والتصدي بقوة لكل ما يقومون به حاليا ومستقبلا، حيث يُعتقد أن مثل هذه الأعمال الدنيئة ما هي إلا محاولة لاستكمال سلسلة من الجرائم والعمليات الإرهابية التي كانت قد جرت قبل فترة، واستهدفت المجتمع كله من الأبرياء وأناسا لا يحملون في أعناقهم سوى مسؤولية حماية البشر وممتلكاتهم ومؤسساتهم.
لقد كشف التفجير الأخير عما يعتمل في نفوس البعض ناحية الدولة وأجهزتها، وليس من المبالغة القول إن أيادي التخريب والعبث تسعى إلى ممارسة شيئا من الضغط من أجل لعبة سياسية ممقوتة تجري لصالح قوى إقليمية لها تطلعاتها التوسعية، وهدفها من وراء ذلك ليس فقط تحقيق أجندات هذه الدول وتشويه صورة المملكة أمام العالم الخارجي والادعاء بعدم استقرارها، وإنما الخوف أن يكون ذلك إيذانا ببدء عمليات إرهابية جديدة أكثر خطورة وتشمل المنطقة ككل، سيما مع الارتباط الحاصل بين ملفات الإقليم المختلفة وأجواء التوتر ومظاهر عدم الاستقرار الذي تشهده الكثير من دوله.
ولعل ما يثير هذه المخاوف الاعتبارات التالية:
أولا: ما خلصت إليه التحقيقات الأولية بشأن التفجير، حيث لوحظ وجود شكل من أشكال التطور النوعي الخطير في طبيعة وطريقة وموقع ارتكاب الجريمة، وهو ما ينذر بالخطر مستقبلا إذا لم يتم الضرب بقوة على أيدي المخربين، وذلك في إشارة إلى أن عملية تفخيخ السيارات في ذاتها وتفجيرها عن بعد تؤكد الارتباط بين المتورطين المشتبه بهم ودول وأطراف عرفت استخدام هذه الطرق الغادرة في القتل والترويع، دول عانت ولا زالت تعاني من حروب العصابات والشوارع، فضلا عن عدم الاستقرار الأمني، ولا يخفى هنا أن امتلاك خبرة إعداد وتركيب مثل هذه العبوات التفخيخية سواء من ناحية التخطيط والتمويل والتنفيذ، فضلا عن التجهيزات المطلوبة لها من مواد وتدريبات، وغير ذلك، ينذر بخطر يجب الاحتراز منه آنيا ومستقبليا.
ثانيا: تؤكد دراسة أدبيات الإرهاب وأنماط عمليات العنف التي شهدتها بعض الدول، خاصة في المنطقة، على أمرين قريبين الشبه بما حدث في التفجير الأخير، أحدهما: أن العمل السياسي ربما لا يكون هناك جدوى من ورائه ما لم يصاحبه وسيلة ضغط يشكل العنف قوامه الرئيسي، وهو ما يجب التحسب له، حيث من الواضح أن من يسمون أنفسهم بالمعارضة يربطون دوما بين الضغط في الشارع بكل الأشكال الممكنة، حتى لو وصل الأمر لتهديد الناس في مصلاهم، والتحاور مع القوى المختلفة، الآخر: أن التحول في منظومات عمل المخربين وعدم الاكتفاء بإغلاق الطرقات أو إلقاء المولوتوفات أو حرق الحافلات ليصل الأمر إلى تصنيع المتفجرات بالداخل وتزويدها بالأدوات والتقنيات الفنية اللازمة لتفجيرها عن بعد، يعكس حجم إصرار البعض على مواجهة المجتمع والأجهزة الأمنية والاستمرار في ذلك، كما يعكس مدى التطور التقني والفني والتمويلي المصاحب لمثل هذه الأعمال التخريبية.
ثالثا: أن التفجير الأخير يعد الأول من نوعه خلال السنتين الأخيرتين من حيث تفخيخ السيارات، لكنه يعد الخامس وربما السادس في سلسلة التفجيرات التي ارتكبها المخربون بحق الأبرياء، فضلا بالطبع عن دوريات رجال الشرطة، حدث ذلك من قبل في العكر والدراز ومدينة حمد وسترة، وجميعها اتسمت بالسمات ذاتها، فهي من جهة تعبر عن سوء قصد المخربين وعزمهم على الإتيان بأفعال مجرمة قانونا، ومن جهة ثانية فإن هذه العمليات هي نتاج تحريض، ولو غير مباشر، من معارضين ورجال دين لم ينددوا صراحة بمثل هذه الجرائم، وهو ما يؤكد أن المملكة تتعرض لمؤامرة تستهدف تقويض وحدتها وتهديد أمنها واستقرارها، ناهيك بالطبع عن أن هذه التفجيرات تتزامن مع توترات يشهدها الإقليم ككل، ويبدو أن هدفها تطويق الخليج والمنطقة العربية بأسرها بحزام من التوترات العنيفة.
وبالطبع لا يمكن السكوت عن إرهاب أعمى لن يفرق بين أحد، وسيطول الجميع، كما لا يمكن للبحرين أن تترك الأمور هكذا على علاتها دون مواجهة تذكر، خاصة أن مثل هذه التفجيرات قد تخلق موجة معاكسة ستلقي بظلالها على البلاد ككل، مما يستدعي اتخاذ الإجراءات الاحترازية التي تكفل التصدي بكل حزم لها، إن الدولة بأجهزتها وشرائح المجتمع كافة لن تقف أسيرة أمام هذه الجرائم التي تنذر بخطورة الوقوع مجددا في وهدة التوتر، وهو ما لا يمكن القبول أو السماح به ثانية.