يبدو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي كان ذات يوم مثار اهتمام العالم العربي فقد كثيراً من أهميته في منطقة الشرق الأوسط التي مزقها الصراع الديني والاضطراب السياسي والمشكلات الاقتصادية.
فالاضطرابات في مصر والحرب الأهلية السورية التي يتقاتل فيها السنة والشيعة طغت على أنباء استئناف الإسرائيليين والفلسطينيين لمحادثات السلام في الأسبوع الماضي بعد جمود استمر ثلاثة أعوام. ولا يزال المسئولون الأميركيون يأملون في أن يساعد حل المواجهة المستمرة منذ عقود على معالجة المشكلات الأوسع نطاقاً التي تعاني منها المنطقة لكن بعض المحللين يقولون إن هذا الأمر لم يعد يمثل محوراً استراتيجياً في الشرق الأوسط الذي يعج بالمشكلات.
وقال سلمان شيخ مدير مركز «بروكنجز» الدوحة للأبحاث «ربما كان هذا هو الحال قبل الانتفاضات العربية ولكن عدداً من الصراعات الأخرى انضمت إليه (الصراع الإسرائيلي الفلسطيني) الآن كالصراع بين السنة والشيعة والصراع بين السنة أنفسهم». وأضاف «هذه القضية الآن قضية جانبية ولكنها قد تصير محورية من جديد إذا جرى إحراز تقدم حقيقي» مشيراً إلى التشكك العميق في الكثير من الأوساط المختلفة إزاء فرص التوصل لاتفاق. ثمة تغيرات كثيرة شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ انهيار آخر محادثات في العام 2010. فقد أطيح بالزعماء المستبدين في تونس ومصر وليبيا واليمن وانتشرت الراديكالية الإسلامية وتصاعدت الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة.
ولقي ما يربو على مئة ألف شخص حتفهم في الصراع السوري وتصاعدت أعمال العنف مجدداً في العراق حيث قتل ما يزيد على ألف هناك في شهر يوليو/ تموز وحده بينهم كثيرون لقوا حتفهم على يد تنظيم «القاعدة». وزاد التوتر أيضاً حيال البرنامج النووي الإيراني المثير للخلاف بينما تشهد شوارع مصر صداماً بين الإسلاميين والجيش بعد عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي. ويمكن القول إن أياً من هذه الأزمات لن تقترب من نهايتها إذا حدثت المعجزة واتفق الإسرائيليون والفلسطينيون في النهاية على تقسيم الأرض التي يعيشون عليها.
لا أحد ينكر أن حل هذا الصراع قد طال انتظاره. ورغم ذلك فإن الجهود الكبيرة التي كرسها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لهذه القضية - التي قوضها الكثير من أعمال العنف في السنوات الأخيرة - أثارت بعض الدهشة في ضوء اشتعال الأوضاع بمناطق أخرى. وإذا كنت تريد تفسيراً لطريقة التفكير الأميركية فما عليك إلا أن تستمع إلى الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس الذي تولى رئاسة القيادة المركزية للجيش الأميركي حتى مارس/ آذار. وقال ماتيس في منتدى أمني عقد بولاية كولورادو في 20 يوليو إن المصالح الأميركية تتضرر من الفشل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وأضاف «كنت أدفع ثمناً أمنياً عسكرياً كل يوم بصفتي قائد القيادة المركزية بسبب اعتبار الأميركيين متحيزين لصالح إسرائيل» مشيراً إلى أن ذلك يثني العرب المعتدلين عن دعم السياسات الأميركية.
ووجه رئيس مركز القدس للشئون العامة، دور جولد انتقاداً شديداً لهذا الربط. فيقول جولد الذي كان عضواً في دائرة صنع السياسات الخاصة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الخطاب العربي بخصوص هذه القضية ينافي الحقيقة.
وأضاف «من المفارقة أن يتحدث مسئول غربي عن كون إسرائيل مصدر إشكال سياسي في الوقت الذي تسعى فيه دول عربية من خلف الستار إلى توطيد العلاقات مع إسرائيل بسب التهديد المشترك القادم من إيران».
ويعتقد خبراء غربيون أن إيران تسعى لتطوير أسلحة نووية رغم أن طهران تنفي ذلك. ويثير ذلك قلق الإسرائيليين والكثير من القادة العرب السنة. وتشير آلاف الوثائق الأميركية السرية التي نشرت على موقع «ويكيليكس» الإلكتروني أنه خلف الكواليس يهتم المسئولون السنة حقاً بمناقشة ملف إيران وبعض الموضوعات الأخرى أكثر من اهتمامهم بمصير الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعادة ما ينتقد القادة المسلمون إسرائيل على الملأ ويسعدون بتأجيج غضب الجماهير العربية حيال معاناة الفلسطينيين ولعلهم يصرفون الأنظار أيضاً عن الانتقادات الموجهة إليهم بسبب فشلهم في إجراء الإصلاحات التي تلح إليها الحاجة. ولكن لم يعد بإمكان القادة العرب تجنب هذه الانتقادات. فالانتفاضات التي قامت على مدار فترة العامين ونصف الماضية أظهرت أن المشكلات المحلية لا يمكن إخفاؤها. ومن بين هذه المشكلات التعثر الاقتصادي الشديد الذي لن يعالجه أي اتفاق سلام. ويشير تقرير أصدره صندوق النقد الدولي في العام 2012 إلى أن معدل البطالة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو الأعلى في العالم. وأظهر التقرير أن معدل البطالة بين الشبان بلغ نحو 25 في المئة ليصل مجدداً إلى أعلى مستوى إقليمي له في العالم. وانتقد التقرير قوانين العمل القاسية وتعجرف الحكومات المركزية وغياب التنافس الاقتصادي باعتبارها عوامل ساهمت في إثارة مشاعر الإحباط التي أشعلت شرارة الانتفاضات العربية. وكان الرئيس السوري بشار الأسد قال في مقابلة مع إحدى الصحف في العام 2011 إن بلاده في مأمن من الاضطرابات لأسباب منها أنه وحد صفوفها في قضية مشتركة ضد إسرائيل. ولكن ثبت أن ذلك كان ادعاءً فارغاً إذ اندلعت أعمال العنف بين السوريين بعد مرور أسابيع ومازالت مستمرة.
هذا التفكير يشير إلى أنه حتى وإن حققت القيادة الفلسطينية رغبتها في إقامة دولة على الأراضي التي احتلت العام 1967 فإن ذلك لن يرضي المتشددون الذين يرفضون حق إسرائيل في الوجود. كذلك لن يبدد أي اتفاق يتم التوصل إليه المشاعر المناوئة للغرب في المنطقة. صحيح أنه سيقضي على عنصر مهم من عناصر إفساد العلاقة بين الطرفين ولكن التشكك في تعاملات أميركا وأوروبا أكبر من مجرد علاقاتهما الوثيقة مع إسرائيل. وقد تجلى ذلك في استطلاع أجراه معهد «بيو» للأبحاث في دول إسلامية والذي أظهر أن 53 في المئة في المتوسط يرون أن السياسات الأميركية والغربية تمثل أحد السببين الرئيسيين في عدم تمتع الدول الإسلامية بمزيد من الثروات. أما متوسط النسبة التي قالت إن الغربيين يتسمون بالأنانية والعنف وفساد الأخلاق والغطرسة فقد تجاوز الخمسين في المئة بينما لم تكن هناك أي دولة إسلامية وافق فيها 30 في المئة على أن العرب هم من نفذوا هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وقال مستشار وزارة الخارجية الأميركية السابق لعملية السلام، آرون ديفيد ميلر والذي يعمل حالياً بمركز وودرو ويلسون في واشنطن «فكرة المؤامرة مترسخة بشدة في الشرق الأوسط ونحن نمثل محوراً فيها». وأضاف «ما من شيء سيئ يحدث في الشرق الأوسط إلا وينسب لأحد وكثير من تلك الأمور تلقى على عاتقنا». واستبعد ميلر فكرة أن يكون اتفاق السلام ترياقاً لأمراض الشرق الأوسط لكنه قال إن الأمر سيساعد في حماية العلاقات الدبلوماسية لإسرائيل مع مصر والأردن حيث يضرب الغضب الشعبي بجذوره بسبب المعاملة التي يلقاها الفلسطينيون.
وفيما يؤكد الأهمية التي توليها واشنطن لاستقرار الأردن أعلن كيري استئناف محادثات السلام في العاصمة الأردنية عمّان. لكن مصر لديها الآن الكثير ما يقلقها أكثر من قلقها بشأن مأزق الفلسطينيين. وأثناء احتفال الحشود العام الماضي في ميدان التحرير في القاهرة بفوز الإسلامي محمد مرسي بالرئاسة هتفوا «ع القدس رايحين... شهداء بالملايين». ويمتلئ الميدان اليوم بمؤيدين للجيش الذي أطاح بمرسي الشهر الماضي. فالمصريون مشغولون بمشاكلهم الخاصة. وقال فارس إسماعيل وهو صاحب مخبز في وسط القاهرة «بالطبع سيكون التوصل لاتفاق سلام نعمة من الله علينا وعلى كل العرب لكن يجب أولاً أن نخلص أنفسنا من المستبدين والطغاة الذين يسرقوننا وينحنون للغرب».
العدد 3987 - الثلثاء 06 أغسطس 2013م الموافق 28 رمضان 1434هـ