العدد 4004 - الجمعة 23 أغسطس 2013م الموافق 16 شوال 1434هـ

مكافحة أمراض البقر القاتلة تواجه عقبات في الساحل

لايزال الالتهاب الرئوي البلوري المعدي في الأبقار - الذي تم القضاء عليه منذ وقت طويل في البلدان المتقدمة - وهو مرض تنفسي شديد العدوى - يشكل تهديداً كبيراً لإنتاج الماشية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، حيث الهجرة عبر الحدود أمر معتاد يقوم به الرعاة.

ويقول الخبراء إن المرض لايزال قائماً في العديد من البلدان النامية، وينتشر بشكل خاص في غرب إفريقيا؛ لأن ضعف سياسات الرقابة الإقليمية، وافتقار الحكومات إلى الموارد والقدرات التقنية، وكذلك عدم اهتمام الجهات المانحة جعل القضاء عليه أمراً صعباً.

ويقول غيديون بروكنر، الذي يترأس القسم التقني والعلمي بالمنظمة العالمية لصحة الحيوان (OIE)، «إن الالتهاب الرئوي البلوري المعدي في الأبقار مرض متأصل بدرجة كبيرة في المنطقة نظراً إلى انتشار حركة الترحال الرعوي الدائمة للناس والحيوانات».

ولذلك، فقد أخبر بروكنر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن «المرض يتحرك عبر حدود البلاد طوال الوقت، وفقاً لتوافر المياه والرعي في نقاط محددة، أو ينتشر في نقاط رئيسية مثل بحيرة تشاد، حيث تتجمع الحيوانات كافة من النيجر ونيجيريا وتشاد وتتفاعل مع بعضها بعضاً قبل العودة مرة أخرى إلى بلدانها. لذلك، تكون لديك هذه الدورة المستمرة من احتمالية تكرار العدوى».

تكرار العدوى

وهذا هو على الأرجح ما حدث في 2012 في غامبيا، عندما ظهر الالتهاب الرئوي البلوري المعدي في الأبقار للمرة الأولى منذ العام 1971 وتسبب في قتل ما يقرب من 10.000 رأس من الماشية. وعلى رغم أن السبب الدقيق لتفشي المرض غير معلوم، فإن الخبراء يعتقدون أنه عاود الظهور بسبب تجارة الماشية غير الخاضعة للوائح التنظيمية مع مالي وموريتانيا، حيث لايزال المرض يمثل مشكلة.

وبعدما أثبت فحص 11 رأساً من الماشية إصابتها بالمرض في أغسطس/ آب 2012 في منطقة جنوب النهر المركزية بغامبيا، سرعان ما انتشر المرض في المناطق المجاورة، وفي نهاية المطاف وصل إلى منطقة تامباكوندا بدولة السنغال المجاورة، حيث كان يُعتقد أيضاً أن المرض تم القضاء عليه.

يذكر أن المضادات الحيوية يمكنها أن تساعد في بعض الأحيان، إلا أن الأطباء البيطريين يرون أنه لا يُنصح بالعلاج؛ لأنه في حين أن الحيوان الذي يخضع للعلاج قد تبدو عليه علامات الصحة، فلا يزال من الممكن أن ينشر المرض. إن السبيل الوحيد لوقف نقل الحيوان المريض لعدوى المرض هو ذبحه – وهو الأمر الذي يتردد في القيام به الكثير من الرعاة؛ لأنه يشكل خسارة اقتصادية هائلة.

وفي أعقاب تفشي المرض، نظمت حكومتا السنغال وغامبيا ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) حملات لرفع الوعي العام وحملات التطعيم الطارئة.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إنها تمكنت من الوصول إلى أكثر من 340.000 من أصل ما يقدر بنحو 400.000 رأس من الماشية في غامبيا. وتقول وزارة الثروة الحيوانية في السنغال إنها نجحت في إعطاء 300.000 جرعة من اللقاح.

وقد صرحت السلطات بأن موجة تفشي المرض تبدو تحت السيطرة في الوقت الحالي حيث لم يتم الإبلاغ عن أي حالات جديدة منذ يناير/ كانون الثاني 2013، إلا أن الفرق المتخصصة مستمرة في توعية الرعاة والمزارعين والفحص الدوري لعينات دم من قطعان الماشية المختلفة، وعينات اللحوم في (السلخنات). كما أشاروا إلى أن خطر تفشي المرض مرة أخرى مازال قائماً.

جهود تستغرق خمس سنوات

وصرحت نائبة ممثل منظمة الأغذية والزراعة في غامبيا مارياتو نجي بأنه «بالنسبة إلى هذا المرض، ومن أجل القضاء عليه، يجب أن نفعل ذلك (تطعيم الماشية) سنوياً لمدة خمس سنوات».

وأضافت «هذا هو التحدي الذي نواجهه الآن. لقد تمكنت منظمة الفاو من تمويل جزء كبير خلال السنة الأولى، وهو الوقت الذي تفشى خلاله المرض، لكن للقضاء عليه نهائيّاً، نحن بحاجة إلى مواصلة جهود الرصد والقضاء على المرض لمدة خمس سنوات، لكن الاستمرار في إعطاء اللقاحات لن يكون سهلاً».

ففي غامبيا على سبيل المثال، تشير منظمة «الفاو» إلى الحاجة إلى توفير ما بين 600.000 و700.000 دولار سنويّاً لمواصلة الجهود الرامية إلى القضاء على المرض. وهذا المبلغ من شأنه أن يغطي تكاليف التطعيم وحملات التوعية العامة، والتعويض من خلال إعادة بناء قطعان الرعاة الذين يقومون بذبح الحيوانات المريضة طوعاً، وتمويل عملية المراقبة المستمرة، بما في ذلك تحليل عينات الدم، ورصد حالة ما بعد تطعيم القطعان للتعامل مع أي ردود أفعال سلبية أو ضارة قد تتعرض لها الحيوانات.

وفي حين تقول نجي إن هذا ثمن قليل مقابل الحفاظ على صحة الحيوانات وضمان حفاظ الرعاة على مصادر رزقهم، فإن العديد من الحكومات في المنطقة لا يمكنها تحمل هذا العبء، كما أن العديد من الجهات المانحة ليست مهتمة بتمويل مكافحة مثل هذا المرض المجهول.

وتضيف نجي قائلة: «بالإضافة إلى كلفة اللقاح، هناك حاجة إلى شراء الكثير من المعدات... المحاقن، وصناديق الثلج اللازمة لتخزين اللقاح، وصناديق التبريد للحفاظ عليه خلال التنقل على الطرق، ومركبات لنقل فرق العمل، وما إلى ذلك. بالإضافة إلى أن الخدمات اللوجستية هائلة للغاية بالفعل، حيث إن تتبعهم (الرعاة) يتطلب خروج فرق العمل إلى مواقع نائية - إنه ليس أمراً سهلاً على الإطلاق».

التعاون بين البلدان

إن اللقاحات ليست فعالة بنسبة 100 في المئة، ويقول الأطباء البيطريون أنه على رغم أنها قد تقلل من فرص الإصابة بالعدوى، فإنها لا يمكن أن تمنع نقلها بشكل تام.

ويقول بروكنر، من المنظمة العالمية لصحة الحيوان: «إن الالتهاب الرئوي البلوري المعدي في الأبقار هو مرض عابر للحدود».

ويضف: «لن يستطيع أي بلد تحقيق شيء بمفرده إذا حاول السيطرة على المرض؛ لأنك تستطيع تطعيم الحيوانات الخاصة بك، ولكنك إن لم تستطع السيطرة على حركة الحيوانات (من بلد إلى آخر، وعودتها مرة أخرى)، ستكون اللقاحات غير مجدية. ويجب أن يتم الأمران جنباً إلى جنب».

ويقول الاستشاري الوطني للحد من مخاطر الكوارث بمنظمة «الفاو» عيسى خان، إن التعاون بين غامبيا والسنغال كان ضروريّاً لاحتواء الموجة الأخيرة لتفشي وانتشار المرض بسرعة وفعالية.

ويضيف «تم تنظيم تدريب مشترك بين البلدين وكذلك تبادل المعلومات، ولا يزال هذا مستمراً. وتواصل سلطات كل بلد الاجتماع لمناقشة الجهود المستمرة للسيطرة والقضاء على المرض».

وتقوم المنظمة العالمية لصحة الحيوان الآن بتشجيع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) على وضع نهج إقليمي منسق للتصدي للالتهاب الرئوي البلوري المعدي في الأبقار، لكن نظراً إلى الموازنات والموارد المحدودة والحدود التي يسهل اختراقها بين البلاد، فإن إنفاذ مثل هذا النهج قد يكون صعباً من دون مساعدة خارجية.

ويقول بروكنر: «لسوء الحظ، دائماً مَّا يكون من الصعب الحصول على التمويل اللازم لهذه الأنشطة»، مضيفاً «على رغم أن المنظمة العالمية لصحة الحيوان ليست جهة لتوفير تمويل المانحين في حد ذاتها، فإننا نحاول أن نكون وسيطاً لحفز الناس ليصبحوا مانحين».

ومن بين الطرق التي تأمل أن تحقق بها هذا الهدف حضُّ الحكومات المحلية على الاستثمار أكثر في مكافحة مرض الالتهاب الرئوي البلوري المعدي في الأبقار من خلال تعديل القواعد التي تتبعها المنظمة العالمية لصحة الحيوان فيما يتعلق بهذا المرض، لتشمل الاعتراف بالبرامج الوطنية لمكافحة الالتهاب الرئوي البلوري المعدي في الأبقار وتأييدها.

ويضيف بروكنر قائلاً: «سيكون هذا نوعاً من الحفز، أو نأمل أن يكون كذلك، للبلدان في سبيل المضي قدماً في مجال الرقابة، ومن خلال القيام بذلك، إدراج أسمائها من قبل المنظمة العالمية لصحة الحيوان كبلدان لديها برنامج معتمد يحاول التحرك نحو القضاء على المرض في نهاية المطاف... وسيكون هذا لمصلحة تلك البلدان لأغراض تجارية؛ لأن هذه البلدان والشركاء التجاريين الآخرين سيدركون أنهم يرغبون في السيطرة على المرض. ومما يوحي بالأمل، أن تكون لذلك آثار ممتدة في باقي غرب إفريقيا وفيما بين الجهات المانحة وغيرها من البلدان الأخرى التي قد ترغب في البدء في اتباع الإجراءات نفسها».

العدد 4004 - الجمعة 23 أغسطس 2013م الموافق 16 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً