العدد 4027 - الأحد 15 سبتمبر 2013م الموافق 10 ذي القعدة 1434هـ

صالح: 200 بحريني يـدرسون في الصين والإقبال يتزايد

أكد أن العلاقات الثقافيــة بين البلدين في تنامٍ مستمر...

المستشار بوزارة الخارجية محمد صالح متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير : محمد المخرق
المستشار بوزارة الخارجية محمد صالح متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير : محمد المخرق

أفاد المستشار في وزارة الخارجية محمد صالح، أن هناك «أكثر من 200 طالب بحريني يدرسون حالياً في مختلف المدن والمقاطعات الصينية وفي العديد من التخصصات»، مشيراً إلى أن «أعدادهم في تنامٍ مستمر».
وذكر في مقابلة مع «الوسط»، أن «العلاقات الثقافية المتنامية بين البحرين وجمهورية الصين الشعبية يمكن أن تطور أكثر من خلال التبادل الأكاديمي عبر تبادل الطلبة والأساتذة والأبحاث العلمية٬ وتكثيف عملية الترجمة من العربية للصينية ومن الصينية للعربية، وتبادل الأعمال الفنية وإقامة العديد من المعارض والندوات الفنية والثقافية بالتناوب بين البلدين».
وفيما يأتي نص الحديث معه:

*هل لك أن تعطينا إطلالة على تطور نظام التعليم في الصين؟
- يعتبر نظام التعليم في الصين من أقدم أنظمة التعليم في العالم؛ فهو يعود لعهد أسرة شيا الملكية (1523 – 1027 ق.م.) حين كان التعليم امتيازاً لأبناء الصفوة من المجتمع. وتأثر نظام التعليم فيما بعد بتعاليم الفيلسوف الصيني الأبرز كونفوشيوس ( 551 ق.م.– 479 ق.م.)، الذي يلقب بنبي الصين رغم أنه لم يتعمّق في دراسة العلاقة بين الفرد والخالق؛ فقد وضع كونفوشيوس فلسفة تقوم على الأخلاق الشخصية والسلوك الاجتماعي القويم، وكان يرى أن هدف وجود الحكومة هو خدمة الشعب، فكانت فلسفته اجتماعية وسياسية. ورغم عدم انتشارها الواسع عالمياً إلا أن بعض الأمم، خاصة المجاورة للصين كاليابان وكوريا وفيتنام، تأثرت أيما تأثر بفلسفة وتعاليم المعلم الكبير كونفوشيوس، الذي يقول في العلم: «سلِّح عقلك بالعلم خير من أن تزين جسدك بالجواهر» .
في الصين القديمة كان اجتياز امتحان الخدمة المدنية، هو السبيل الوحيد لعامة الصينيين للوصول إلى المناصب العليا في الدولة. وقد استُحدث هذا الامتحان لأول مرة خلال عهد أسرة هان الملكية (206 ق.م. – 220 ميلادية) على يد الإمبراطور «وو»، الذي أمر بإخضاع المتقدمين لامتحان الخدمة المدنية لأسئلة حول فلسفة كونفوشيوس وكتبه الأربعة الشهيرة.
وتبنّت الإمبراطوريات الصينية المتلاحقة هذا النظام التعليمي، بما فيها آخر ثلاث إمبراطوريات حكمت الصين، وهي إمبراطورية يوان وإمبراطورية منغ وإمبراطورية تشين، التي انتهت سنة 1912 بانتصار ثورة شينهاي، التي أدَّت إلى قيام الجمهورية الصينية بزعامة الدكتور صن يات سن.
خلال فترة الجمهورية الصينية تأثر النظام التعليمي الصيني كثيراً بالتعليم الغربي، حيث كان هناك الكثير من طلبة العلم من الصين، الذين عادوا للتو من الغرب والولايات المتحدة ومن اليابان، وهذا انعكس إيجاباً على نظام التعليم وتطوّره.
بعد ذلك نأتي إلى مرحلة متقدمة تتمثل في تأسيس جمهورية الصين الشعبية في (1 أكتوبر/ تشرين الأول 1949)، والتي تبنّت نظام تعليم متأثر بالاتحاد السوفيتي كونهم من نفس المنظومة الاشتراكية، ولكن في مرحلة لاحقة، وبسبب خلافات سياسية بين البلدين، تراجعت الصين عن نظام التعليم السوفيتي، وبعد ذلك جاءت الثورة الثقافية التي امتدت بين العامي 1966 إلى 1976، والتي أثّرت سلباً على نظام التعليم في الصين، وأدت هذه الثورة الثقافية لإغلاق الكثير من الجامعات الصينية، حيث كان يُعتقد أن الكثير من هذه الجامعات كانت تعتنق أفكاراً برجوازية وإمبريالية لا تناسب الأفكار الرسمية في تلك الفترة، ويقال إنه خلال الأربع سنوات الأولى من تلك الثورة لم يتخرَّج طالب جامعي واحد من الصين وقتها.
انتهت الثورة الثقافية العام 1976، ووصل إلى القيادة في الصين الزعيم دينغ شياو بينغ، الذي تبنّى سياسة الإصلاح والانفتاح منذ العام 1978، وشمل الإصلاح نظام التعليم، حيث وضعت القيادة الجديدة التنمية هدفاً لها، ورأت أن تحقيق هذا الهدف يتطلب من بين جملة أمور تطوير وإصلاح نظام التعليم عن طريق تطوير طرق ومناهج التدريس وأساليب التقييم، فضلاً عن تشجيع البحث العلمي والتعاون مع الجامعات المرموقة الأجنبية لتطوير نظام التعليم العالي الصيني.
منذ تبنّي هذه السياسة الإصلاحية حقّقت الصين قفزات ملحوظة في مجال التعليم، فقد زاد عدد الطلاب المنتسبين إلى التعليم العالي حسب جهاز الإحصاء الوطني في الصين العام 2010 بنسبة 35 في المئة عمّا كانت عليه العام 2005 ليصل عدد طلبة التعليم العالي إلى أكثر من 30 مليون طالب.
كما أن الحكومة الصينية تخصص 4 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي للعملية التعليمية، و1.5 في المئة للتعليم العالي، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بما كان يصرف في الثمانينات. وتستثمر الحكومة الصينية مليارات اليوانات سنوياً للعملية التعليمية، فقد كانت ميزانية التعليم لعام 2013 أكثر من 400 مليار يوان (أكثر من 65 مليار دولار أميركي).
هذا الإنفاق والاستثمار الكبير في التعليم تزامن مع زيادة المؤسسات التعليمية، فخلال العقد الماضي ارتفع عددها من 1022 إلى 2263 مؤسسة تشمل معاهد عليا وكليات جامعية وجامعات.
تسعى الصين اليوم للرقي بجامعاتها ومنافسة أرقى جامعات العالم، وقد تمكّنت في العام 2012 من التفوق على المملكة المتحدة في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم، حيث زاد عدد جامعاتها في القائمة على عدد الجامعات البريطانية فيها (42 جامعة صينية مقابل 38 جامعة بريطانية).
وفي محاضرة ألقاها في العام 2010، قال رئيس جامعة ييال الأميركية ريتشارد ليفين، إنه خلال الـ 25 سنة المقبلة ستتصدر الجامعات الصينية قائمة أفضل 10 جامعات في العالم، وتتفوق على أرقى جامعات العالم مثل هارفرد وكامبريدج وغيرها.
*كيف تجد العلاقة بين البحرين والصين، لاسيما على الصعيد التعليمي؟
- أنشئت العلاقات الرسمية الدبلوماسية بين البحرين والصين في (18 أبريل/ نيسان 1989)، ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أخذت العلاقات تنمو في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وأخذ عدد محدود من الطلبة البحرينيين وقتها يتوجهون إلى جمهورية الصين للدراسة، ولكن لوحظ في الـ 10 سنوات الماضية زيادة مطردة في أعداد البحرينيين المتجهين للدراسة في جمهورية الصين الشعبية.
وساعد في نمو هذه العلاقات الثقافية عدة عوامل أبرزها الزيارة الرسمية رفيعة المستوى، التي قام رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، في العام 2002، حيث نتج عن هذه الزيارة التوقيع على العديد من الاتفاقيات بما فيها اتفاقية التعاون الثقافي التي سُمِّيت (البرنامج التنفيذي الثقافي).
ومما لا شك فيه أن الزيارة الحالية التي يقوم بها عاهل البلاد للصين في الفترة من (14-16 سبتمبر/ أيلول الجاري) ستعطي دفعة قوية للعلاقات البحرينية الصينية في مختلف المجالات، بما فيها المجال التعليمي والثقافي بشكل عام.
*كيف تنظر إلى سبل تطوير العلاقات الثقافية تحديداً بين البحرين والصين؟
- نعتقد أن العلاقات الثقافية بين البحرين والصين يمكن أن تُطوَّر من خلال العديد من الأنشطة، مثل التبادل الأكاديمي، ونعني به تبادل الطلبة والأساتذة والأبحاث العلمية٬ وتكثيف عملية الترجمة من العربية للصينية ومن الصينية للعربية، وتبادل الأعمال الفنية من مسلسلات وأفلام سينمائية ووثائقية وغيرها، وإقامة العديد من المعارض والندوات الفنية والثقافية بالتناوب بين البلدين.
ولابدّ لتحقيق ذلك كله من تكثيف الزيارات بين المسئولين في البلدين، والعمل على توقيع المزيد من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات، بما فيها المجال الثقافي والتعليمي.
هذه الخطوات من شأنها تعزيز التعاون الثقافي وتنمية العلاقات البحرينية الصينية بشكل عام، وفي هذا الخصوص أود الإشارة إلى أن البحرين أقامت ثلاثة معارض في ثلاث مدن صينية هي بكين، وشنغهاي ونانجين، وذلك أثناء زيارة رئيس الوزراء للصين العام ٢٠٠٨، كما استضافت العام ٢٠١٠ ندوة التعاون العربي الصيني في مجال الإعلام، وشاركت في نفس العام في مهرجان الفنون العربية بالصين، وذلك ضمن فعاليات البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي الصيني.
وكان للبحرين كذلك مشاركة فاعلة في معرض شنغهاي الدولي العام ٢٠١٠، الذي زاره أكثر من ٧٠ مليون زائر، حيث اعتبر هذا المعرض الأكبر في التاريخ، وكان فرصة رائعة للتعريف بالبحرين وحضارتها العريقة.
وفي العام ٢٠١٢ استضافت البحرين مهرجان الفنون الصينية، الذي شارك فيه وفد صيني كبير ضم نحو ١٢٠ شخصاً يمثلون فرقاً فنية واستعراضية من مختلف القوميات الصينية، بالإضافة إلى فرقة لفنون القتال الصيني (الكونغ فو) من معبد الشاولين بمقاطعة خينان.
*هل تُقدم الصين منحاً دراسية للبحرينيين وفق هذه الاتفاقية، أم أنهم يدرسون على نفقتهم الخاصة؟
- نعم، هناك برامج منح دراسية تُقدم للبحرينيين من الصين سنوياً، فعلى سبيل المثال قدَّمت الصين هذا العام 5 منح دراسية في مختلف التخصصات، بما فيها الدراسات العليا، ولكن الجزء الأكبر من البحرينيين يدرسون على نفقتهم الخاصة، وهناك اليوم أكثر من 200 طالب بحريني يدرسون في جمهورية الصين الشعبية، وهذا العدد في تنام مستمر.
وأود في هذا الخصوص أن أشير إلى أن الكثير من الطلبة حديثي التخرج يعتقدون أن لغة الدراسة ربما تكون عائقاً للتعليم أو الدراسة في الصين، ولكن هذا العائق لم يعد موجوداً؛ إذ أن هناك الكثير من الجامعات تقدِّم برامج دراسية باللغة الإنجليزية وفي تخصصات مختلفة.
كما أن دراسة اللغة الصينية ليست بالأمر المخيف الذي قد يظنه البعض، الصعوبة في اعتقادي تكمن بالدرجة الأولى في الكتابة بهذه اللغة، وهناك الكثير من الطلبة البحرينيين الذين درسوا هذه اللغة، وأصبحوا يجيدونها بطلاقة.
*ولكن ألا يحتاج البحرينيون هناك لتعلم اللغة الصينية، ولو لتسيير أمورهم اليومية؟
- طبعاً، لابدّ لأي شخص يعيش في الصين أن يكون قادراً على التحدث بلغتهم الصينية (الماندرين)، الأساسيات فيها على الأقل للاتصال والتخاطب في الأمور الحياتية اليومية. تعتمد اللغة الصينية في قواعدها على أربعة ألحان على الطالب أن يتعلمها منذ البداية، وهذه الألحان تميز الكلمة ذاتها، ويمكن أن يختلف المعنى حسب اللحن المستخدم في الكلمة. فعلى سبيل المثال «ما»، قد تعني الأم وقد تعني الحصان، لكن اللحن هو الذي يميز المعنى.
*أين يتركَّز الطلبة البحرينيون الدارسون في الصين؟
- هناك عدة مدن، منها شنغهاي وهانجو في شرق الصين، وفي وسط الصين في مدينة نانجين، وهناك أيضاً بعض الطلبة يدرسون في مدينة تيانجين في شمال الصين والقريبة من العاصمة بكين.
وقد لاحظت في فترة عملي في بكين أن عدد الطلبة الدارسين في بكين العاصمة قليل للغاية، بل يكاد يكون معدوماً في بعض الأحيان، رغم وجود أفضل الجامعات هناك، لذا أرى أنه من المناسب أيضاً على الراغبين في الدراسة في الصين مستقبلاً البحث عن الجامعات المناسبة في بكين لسهولة الحياة فيها.
*يبدو أن البحرينيين الدارسين في الصين يتوزعون في أكثر من مدينة صينية، وليسوا متركِّزين في مدينة محددة، كما هو حالهم في بعض الدول الأخرى، ما تفسيرك لذلك؟
- صحيح؛ لأن هناك جامعات مشهورة في تخصصات محددة، بعضها مشهورة في مجال الطب مثل جامعة فودان أو جامعة جيجيانغ في شرق الصين، وهناك الطلبة الذين يدرسون الهندسة أو الإدارة في مدينة نانجين، هناك عدد قليل أيضاً من الطلبة يدرسون في مدينة هاربن على الحدود القريبة من روسيا، ولكن من التجربة وجدنا أنهم يعانون كثيراً بسبب الطقس القارس، حيث تصل درجة الحرارة إلى 35 تحت الصفر في الشتاء، لذا أعتقد أنه يتعين على الطالب أن يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
*الصين ليست معروفة جداً لدى البحرينيين للدراسة فيها، ما سبب تنامي الإقبال على الدراسة فيها؟
- هناك عدة أسباب تجعل من الصين وجهة مفضلة لدى البحرينيين للدراسة، كوجود جامعات مرموقة مثل جامعة بكين، التي تعد أقدم جامعة في البر الصيني، وجامعة شنخوا في العاصمة بكين، وجامعة شنغهاي جياتونغ وجامعة فودان وجامعة تونجي في شنغهاي، وجامعة جيجيانغ في هانغجو عاصمة مقاطعة جيجيانغ، وهناك جامعة ووهان عاصمة مقاطعة خوباي، وغيرها من الجامعات الموجودة في البر الصيني.
والسبب الآخر رخص تكاليف الدراسة فيها، مثلاً رسوم دراسة الطب قد لا تتجاوز 2000 دينار بحريني في العام، قد يزيد هذا المبلغ وقد يقل قليلاً حسب الجامعة، ولكن هذا هو متوسط الرسوم الدراسية لمثل هذه التخصصات العلمية، وفي التخصصات النظرية تكون التكلفة أقل.
السبب الثالث، هو الأمان الكبير الذي تتمتع به الصين، حيث لا يعاني البحرينيون من أية مشاكل تتعلق بأمنهم وسلامتهم، فالشعب الصيني شعب ودود يحب الأجانب ويقدِّرهم، كما أن طلبتنا كذلك مسالمون ويحترمون في الغالب قوانين الصين ويتجنبون مخالفتها.
وفيما يتعلق بالمعيشة في الصين، فإن هناك الكثير من المطاعم التي تقدم الأطعمة الحلال، وهذه المطاعم موجودة في كل المدن والمقاطعات الصينية، وكلفتها رخيصة مقارنة مع الكثير من الدول، كما توجد بالصين اليوم الكثير من المطاعم العربية والهندية ومن دول إسلامية أخرى، وكلها تقدم الأطعمة الحلال لزبائنها.
*لكن ألا تُعدّ الفوارق الاجتماعية والدينية عائقاً في التواصل بين البحرينيين والصينيين هناك؟
- معظم المدن الصينية يوجد فيها المساجد والأكل الحلال، ولا توجد مشاكل يعاني منها الطلبة من هذه الناحية. وفي الصين يُعامل المسلمون معاملة حضارية راقية، وكان الصينيون منذ القدم متسامحين مع المسلمين.
ومن المفيد الحديث عن أن الإسلام دخل الصين منتصف القرن السابع الميلادي في عهد الخليفة عثمان بن عفان، ودخل الإسلام عن طريق أولاً الرسل الذين كانوا يُبتعثون للصين، وبعد ذلك توجَّه العديد من التجار من المدن الإسلامية للتجارة في الصين، خاصة مع منطقة كانتون (غوانجو)، وعن طريق هؤلاء دخل الإسلام للصين، وقد استقبل الصينيون المسلمين بكل رحابة صدر وتسامح.
ومن أبرز قصص التسامح الصيني ما حدث العام 1694 في بكين خلال عهد الإمبراطور كانغ شي، وخلال شهر رمضان المبارك، حيث كان المسلمون يجتمعون في الليل للصلاة والذكر، فقام أحد مستشاري الإمبراطور بالوشاية بهم بإخباره أن المسلمين يجتمعون ليلاً للتمرد على الإمبراطور، واقترح عليه معاقبتهم.
فقام الإمبراطور بالتنكّر في زي مواطن عادي، وذهب إلى المسجد وجلس معهم يستمع لما يقولون، حيث كانوا يدعون للخير والتراحم ومساعدة الفقراء وعمل الخير.
فسعد الإمبراطور بما سمعه من أحاديث من المجتمعين في المسجد، ولما خرج من المسجد ذهب إلى أحد المحلات لشراء وجبة طعام، لكنه لم يكن يحمل نقوداً فطلب من البائع المسلم أن يمهله لإعطائه ثمنها في وقت لاحق، فقبل بذلك البائع المسلم وبرحابة صدر نالت إعجاب الإمبراطور كانغ شي.
ولمّا عاد الإمبراطور إلى قصره أصدر أمراً إمبراطورياً قال فيه بما مفاده، «ليكن في علم الجميع أن كل من يشي بالمسلمين سيعاقب عقاباً شديداً». وهذا الأمر الإمبراطوري موجود حالياً في مسجد «نيو جي» (مسجد شارع البقر) في بكين.
هذه القصة تدل على تسامح الصينيين مع المسلمين، كما أن الكثير من أباطرة الصين اعتمدوا على المسلمين في قيادة الجيوش، وتولى العديد منهم مهاماً عسكرية في الحقب الغابرة المتلاحقة.
واليوم هناك منطقتين للحكم الذاتي للمسلمين في جمهورية الصين الشعبية، هما منطقة نينغشيا ذات الحكم الذاتي لأقلية خوي المسلمة في شمال غرب الصين، وهناك منطقة شنغجيان ذات الحكم الذاتي لقومية الويجور.
ويتم معاملة أبناء الأقليات في الصين معاملة تفضيلية في بعض الأمور كإعفائهم من سياسة الطفل الواحد المعتمدة في الصين، حيث بإمكان المسلمين من مختلف قومياتهم العشر إنجاب طفلين بدلاً من طفل واحد فقط.
*هل هناك رابطة تجمع البحرينيين الدارسين في الصين، خاصة مع توزعهم في أكثر من مدينة صينية؟
- لا يوجد تجمّع يربطهم حتى الآن، ولكن من المؤمل مع تزايد أعداد الطلبة الدارسين في الصين أن يتم مستقبلاً افتتاح ملحقية ثقافية لرعاية أمور الطلبة البحرينيين، وهذا التوجه تتبناه الكثير من الدول، فعلى سبيل المثال يوجد لدى المملكة العربية السعودية ملحقية ثقافية في بكين لرعاية أمور طلبتها الذين تزيد أعدادهم عن 1200 طالب وطالبة.
أعداد الدارسين البحرينيين في الصين في تزايد، السعودية تأتي في المرتبة الأولى وبعدها البحرين، وهذا دليل على أن طلبتنا تتنامى أعدادهم بشكل لافت هناك، وقد يكون من المناسب العمل على إيجاد آلية لإحصاء أعداد هؤلاء الطلبة إحصاءً دقيقاً من أجل التخطيط للمستقبل، بما في ذلك إمكانية افتتاح ملحقية ثقافية لرعاية شئون طلبتنا في الصين.
*فيما لو فكر أحد البحرينيين بالدراسة في الصين، كيف سيبدأ خطوته الأولى لتحقيق ذلك؟
- التسجيل للدراسة في الصين يكون إما عن طريق مراسلة الجامعة نفسها عن طريق العنوان الإلكتروني لهذه الجامعة، وهناك طريق أسهل هو الاتصال بأحد مكاتب خدمات الطلاب الموجودة في البحرين أو الصين، حيث تقوم هذه المكاتب بتسهيل أمور التسجيل والمعيشة هناك.
ويمكن للراغبين في الدراسة أيضاً الاتصال بسفارة البحرين في بكين وكذلك السفارة الصينية في المنامة لاستشارتهم، وطلب المزيد من المعلومات عن الدراسة في الصين.
*هل جميع الشهادات العلمية الممنوحة من الجامعات الصينية معترف بها في البحرين؟
- نعم، كل هذه الجامعات معترف بها لدينا، وهي خاضعة لرعاية الحكومة الصينية، وليست هناك أية مشكلة تذكر في الاعتراف بهذه الشهادات؛ لأنها صادرة عن جامعات مرموقة، وبعض هذه الجامعات مصنفة ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، فمثلاً جامعة شنخوا تحتل في المرتبة 49 في قائمة أفضل جامعات العالم، وتليها جامعة بكين.
*ما إيجابيات الدراسة في الصين؟
- هناك بعض الامتيازات التي يحظى بها الدارسون في الصين، أهمها أنه سيتعلم اللغة الصينية، وهي لغة آخذة بالانتشار، هناك أكثر من 30 مليون يتعلمون هذه اللغة حول العالم. هناك أيضاً امتياز آخر يتعلق بخريجي الطب، فدارسو الطب في الصين يمكنهم أن يتعلموا الطب الصيني التقليدي، وهو من أنواع الطب التكميلي، وستكون لهؤلاء الخريجين ميزة دراسية على أقرانهم من خريجي الجامعات غير الصينية.
*ما أبرز احتياجات الطلبة الدارسين في الصين؟
- نتيجة لعدم وجود ملحقية ثقافية في الصين ترعى أمور الطلبة في الوقت الراهن، قد يكون من المناسب الإبقاء على اتصال مستمر مع السفارة البحرينية في بكين، وأنصح طلبتنا في الصين المبادرة بالاتصال بالسفارة وتسجيل أسمائهم بمجرد وصولهم إلى الصين حتى تكون السفارة على اتصال مستمر مع هؤلاء الطلبة واطلاع على نتائجهم وأوضاعهم، وتذليل أية عقبات قد تعترض سبيلهم، وللاطمئنان عليهم وقت الضرورة.
يلاحظ أن الكثير من الطلبة يحجم عن التسجيل في السفارة، ولا يتواصل معها إلا عندما يواجه مشاكل، ولكن الإبقاء على الاتصال المستمر يوفر عليهم الكثير من المشاكل، ويمكن أن تقدم لهم السفارة النصح والإرشاد العلمي.
العائق الجغرافي كبير في الوصول إلى بكين، ولكن السفارة عن طريق اتصالاتها مع الجهات الرسمية في الصين تقوم بالكثير من الأعمال لتذليل هذه العقبات، وأغلبها تتعلق بالإقامات وتجديدها، فأحياناً بعض الطلبة ينسون تجديدها، مع ملاحظة أن استخراج الإقامات سهل جداً في الصين.
والبحرين لديها بالإضافة إلى السفارة في بكين، قنصلية فخرية في هونغ كونغ، وهذه القنصلية تساعد قدر المستطاع رعايا البحرين بما في ذلك الطلبة البحرينيين خاصة في المناطق الجنوبية من الصين.
*حدِّثنا عن تجربتك في الدراسة والعمل في الصين؟
- ذهبت إلى الصين العام 2008 كأحد أعضاء سفارة البحرين في بكين وبقيت حتى العام 2012، ومن السنة الثانية بدأت أبحث عن الجامعات الصينية التي تقدم برامج دراسات عليا باللغة الإنجليزية إلى أن تعرّفت على البرنامج الذي تقدمه جامعة الصين للعلوم السياسية والقانون، وهي من أفضل الجامعات الصينية في مجال القانون، فالتحقت بالبرنامج الخاص بالدكتوراه، وكانت مدة هذا البرنامج ثلاث سنوات.
في السنة الأولى أنهيت المواد الدراسية المقررة، وكانت الدراسة تتم أثناء الإجازة الأسبوعية (السبت والأحد)، وبعدها قدمت المقترح الخاص بالأطروحة، وبعد الموافقة عليه من الجامعة شرعت في كتابة موضوع بحث التخرج، الذي اخترته تحت عنوان: «العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في دولة الكويت».
كان اختياري لهذا الموضوع الخاص بالنظام الدستوري لدولة الكويت كوني أحد خريجي جامعة الكويت، ولدي إلمام بهذا النظام الدستوري الذي يعد الأقدم في المنطقة، وقد لاحظت أن المكتبة الصينية تفتقر إلى المراجع العلمية التي تتحدث عن منطقة الخليج، فأردت أن أقدم بحثاً يثري المكتبة الصينية، وفي نفس الوقت يلبي رغبتي الشخصية في دراسة هذا الموضوع، وقد نال البحث إعجاب المشرف عليه الدكتور خوجن شن، الذي اقترح عليّ أن أعمل على vترجمته للغة الصينية، علماً بأن ملخصاً مختصراً للبحث قد تُرجم إلى اللغة الصينية.
لقد أتاحت لي الدراسة فرصة عظيمة للتعرف أكثر على النظام السياسي والدستوري لجمهورية الصين الشعبية، والتطور الذي مرّ به النظام القانوني، خاصة خلال العقود الثلاثة الماضية.
*هل من نصائح تقدمها إلى البحرينيين الراغبين في الدراسة في الصين؟
- أنصح فعلاً بالدراسة في الجامعات الصينية؛ لأنها جامعات مرموقة وفي تطور مستمر، والدليل على ذلك إقبال آلاف الطلاب من الولايات المتحدة واليابان وكوريا على الدراسة فيها، للأسباب التي ذكرناها سابقاً. وأنصح طلبتنا حديثي التخرج أن يفكروا بجدّ في الدراسة بالصين كأحد الخيارات المناسبة علمياً ومادياً. كما أن عليهم مقاومة ما قد يعترضهم من صعاب في بداية دراستهم لاختلاف اللغة والثقافة، لكنهم سيرون أن هذه العقبات ستتلاشى بسرعة بعد السنة الأولى.
الصينيون اجتماعيون جداً، ولكن قد يلاحظ الزائر لأول وهلة أنهم قد ينفرون منه بسبب عائق اللغة، ولكن إذا كسرتَ هذا العائق وأصبحتَ قادراً على التواصل معهم ستجد الشعب الصيني من أكثر الشعوب ودّاً وحباً للأجانب، وستجد سهولة في إقامة علاقات معهم، وشخصياً لم أجد أية صعوبة في إقامة العلاقات الاجتماعية مع الكثير من الصينيين. كما أن الصينيين على المستويين الرسمي والشعبي كرماء للغاية، وهذه ميزة شرقية تجمعهم مع العرب

العدد 4027 - الأحد 15 سبتمبر 2013م الموافق 10 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:36 ص

      حي الله استاد محمد صالح

      نشكر الوسط على ها المقابله المفيدة ونشكر الاستاذ المحترم معالي السفير محمد صالح على حسن اخلاقه ومعاملته المحترمه للمراجعين للسفاره البحرينيه
      بارك الله فيك

    • زائر 5 | 5:17 ص

      يجب على الدولة رعاية المتفوقين من معدل 90ومافوق بالمنح والبعثات

      خيرات البلد لاهل البلد يجب اعطائهم رغبتهم الاولى ولاتتحججون بالميزانية الميزانية فايضة والدليل المساعدات السنويةللدول

    • زائر 4 | 5:15 ص

      الاتحاد الطلابي البحريني في الصين

      الإتحاد الطلابي البحريني في الصين، ملتقى الطلبة البحرينين في جمهورية الصين

    • زائر 3 | 4:51 ص

      السبب..التوزيع العنصري للبعثات...والحالة المادية للبحريني

      كثير من الطلاب والطالبات تم اقصائهم من الحصول على رغبتهم الاولى رغم حصولهم على معدل يفوق ال95/..التحقوا بالركب الى الصين لدراسة الطب ..رغم ظروفهم المادية الصعبة..البعض عندة رخص الدراسة بالصين والبعض تراكمت عليه القروض من اجل تعليم ابنائهم ..بينما الدولة تدفع بالملاين هنا وهناك اليس هذا الطالب باحق بهده الاموال اانيدرس لك طالب متفوق على نفقة الدولة

    • زائر 1 | 11:32 م

      من يتوجه للصين؟

      السؤال الأهم هو: من يتوجه للصين للدراسة؟ اغلبهم من ظامتهم الدوله بسياسة العنصرية البغيضة.. يتجهون للصين لتوفر تخصصات مطلوبة بتكلفة اقل.

اقرأ ايضاً