يبدو أن مصطلح «حيوانات التجارب» في طريقه إلى الاختفاء، بفضل التقدم التكنولوجي وجهود المنظمات المحلية والدولية للرفق بالحيوان. وقد تبنى بعض هذه المنظمات حملات مكثفة تدعو إلى الحد من استخدام الحيوانات للأغراض التعليمية والتجريبية، سواء بتشريحها للطلاب أو باجراء التجارب عليها لبيان مفعول العقاقير الجديدة. ووجهت هذه المنظمات دعوة عالمية لتوقيع وثيقة تعهُّد بإيقاف التجارب على الحيوان.
في مصر، تبنت الجمعية المصرية لأصدقاء الحيوان هذه الحملة، وتحمست لها كلية التربية في جامعة عين شمس. وتم عقد مؤتمر مؤخراً لمناقشة الفكرة للمرة الأولى في البلاد، بالتعاون مع الاتحاد المصري لجمعيات الرفق بالحيوان والمنظمة العالمية ضد التجارب المؤلمة على الحيوانات وجمعية نيو إنغلاند ضد إجراء التجارب على الحيوانات الحية.
وانتهى المؤتمر الى التوصية باستخدام بدائل لحيوانات التجارب، مثل الأنسجة الحية ونماذج المحاكاة ووسائل تكنولوجية أخرى. كما أوصى بإنشاء مجلس مراقبة أخلاقية في كل مؤسسة تعليمية لمراقبة عمليات التجارب على الحيوانات، بحيث لا تجرى إلا إذا كانت ضرورية للمجالات التعليمية والبحثية ولا تتوافر بدائل لها، مع الالتزام بالمبادئ والمعايير الأخلاقية والعلمية والإنسانية.
يحسّ ويتألم
تقوم بعض الكليات العلمية في مصر باجراء تجارب تعليمية وبحثية على الحيوانات الحية. ويقول أحمد الشربيني، رئيس الجمعية المصرية لأصدقاء الحيوان، إن المجتمعات المتحضرة تنادي بوقف جميع التجارب التي تُجرى على الحيوانات الحية، لوجود بدائل أخرى يمكن استخدامها، مثل «المحاكاة» أي الدمى التي تشبه الحيوان من حيث الشكل والأعضاء التشريحية، بالاضافة إلى البرامج التعليمية المصورة المصممة بالكمبيوتر. وقد قامت الجمعية، بالتعاون مع جمعيات أخرى في هذا الميدان، بوضع تصور لمشروع قانون الرفق بالحيوان الذي قُدم إلى وزارة الزراعة. وهو يشتمل على باب خاص بالتجارب وتحديد شروطها ومنع استخدامها في تصنيع المواد التجميلية أو الترفيهية، واقتصار التجارب على الأمور النافعة للإنسان، على أن تحاط بإطار علمي وقانوني لحماية الحيوان من القسوة والألم اللذين يقعان عليه أثناء التجربة. وهو الأسلوب المطبق في كثير من الدول المتقدمة التي تهتم بالحيوان وتتعامل معه كمخلوق يحس ويتألم.
وتقول رئيسة قسم العلوم البيولوجية والجيولوجية في كلية التربية في جامعة عين شمس نجلاء الألفي، إن «بريطانيا منذ 30 عاماً كانت تحظر استخدام الحيوان في التجارب، حتى لو كان سمكة صغيرة، «لذا فكرنا في استخدام أكثر من طريقة بديلة، ومنها زراعة الخلايا والأنسجة المأخوذة من الأجنة المجهضة والحبل السري للأطفال الحديثي الولادة، وذلك عن طريق حفظها في مختبرات مجهزة لذلك. وهذه الخلايا يمكن استخدامها في علاج الأمراض المستعصية من خلال إعادة زراعتها في الجسم لتؤدي دور العضو المصاب، كما يمكن استخدامها في إجراء التجارب الأولية للعقاقير».
كذلك، يمكن استغلال نماذج المحاكاة الصلبة أو المطاطية التي تحتوي على أشباه الأجهزة الداخلية للحيوان، في بعض عمليات التشريح التي يقوم بها طلاب كليات الطب والعلوم.
ويؤكد عميد كلية التربية في جامعة عين شمس علي الجمل، على استخدام الحيوانات للتعليم في أضيق الحدود، خصوصاً أن التكنولوجيا الحديثة قدمت بدائل صناعية وافتراضية تغنينا عن هذا الأمر، مضيفاً: «يجب أن نبث مفهوم الحماية في أذهان طلابنا».
شر لا بد منه؟
ماذا يقول الأطباء عن هذه الحملة؟ يرى أستاذ أمراض الغدد والسكر في كلية الطب بجامعة عين شمس مغازي محجوب، أن هذا الاتجاه يمكن بالفعل أن يحد من استخدام الحيوانات في المراحل الأولية من التجارب. ويمكن من خلال التجارب على الخلايا الجذعية إعطاء ضوء أخضر للعلماء ليستمروا في تجاربهم أو يتوقفوا، لأن الخلايا الجذعية يمكن أن تكون بديلاً للحيوانات في هذه المراحل الأولى. ولكن لا بد في المراحل النهائية من إجراء التجارب على الحيوان لمعرفة أثر الدواء الجديد مثلاً على الجسم كله بكامل أعضائه.
كانت أوروبا أول من نادى بالحد من أعداد الحيوانات المستخدمة في التجارب. وحظر الاتحاد الأوروبي قبل سنوات اختبار مواد التجميل على الحيوانات في بلدانه السبع والعشرين. وفي مارس / آذار 2013 أصدر قانوناً بحظر مواد التجميل المستوردة التي خضعت لهذه التجارب. وفي سبتمبر/ أيلول 2013، ناقش البرلمان الأوروبي مشروع القانون الذي وافقت عليه الدول الأعضاء في الاتحاد، والذي ينص على التقليل من استخدام القردة والثدييات الأخرى في التجارب العلمية في مختبرات الاتحاد الأوروبي والتي تصل الى 12 ألف حيوان سنوياً.
ولكن على رغم حماسة منظمات الرفق بالحيوان في هذا الصدد، إلا أن القضية لا تزال تثير جدلاً كبيراً حول العالم. ويؤكد معارضو الفكرة أن التجارب على الحيوانات هي جزء لا يتجزأ من البحوث الطبية، فقد ساعدت في تطوير لقاحات لأمراض تهدد الحياة، ومن دونها لا يمكن التقدم في علاج الأمراض.
العدد 4057 - الثلثاء 15 أكتوبر 2013م الموافق 10 ذي الحجة 1434هـ