بدأ القضاة في تونس إضرابا عن العمل إعتبارا من اليوم الأربعاء (15 يناير / كانون الثاني 2014) ولمدة أسبوع في كامل محاكم البلاد إلى جانب تنظيم احتجاجات على خلفية غياب ضمانات استقلال القضاء بالدستور الجديد.
واندلعت أزمة القضاء داخل المجلس التأسيسي منذ أول أمس الاثنين عندما رفض نواب الكتلة الديمقراطية المعارضة في جلسة صاخبة التصويت على تعديل الفصل 103 المثير للجدل والمرتبط بتسمية كبار القضاة.
وينص الفصل 103 في صيغته الأصلية على أن "يسمى القضاة بأمر رئاسي بناء على أمر مطابق من المجلس الأعلى للقضاء"، وهو مجلس منتخب.
وجاء مقترح للتعديل من أحد نواب حركة النهضة الإسلامية ليتم النص بموجبه على تسمية الوظائف السامية بالقضاة بأوامر من رئاسة الحكومة وباقتراح من وزير العدل.
ولم يتم حسم صياغة الفصل حتى اليوم، ولم يتضح أين تتجه الأزمة مع ان خارطة الطريق التي أقرها الرباعي الراعي للحوار الوطني تنص ضمن بنودها على ضمان استقلال القضاء، وهو بند ملزم لحكومة الكفاءات المقبلة برئاسة المهدي جمعة.
ونفذ المئات من القضاة اليوم بدعوة من جمعية القضاة التونسيين وقفة احتجاجية أمام المجلس الوطني التأسيسي للمطالبة بتعزيز استقلالية القضاء بشكل صريح في الدستور والنأي بالقطاع عن أي هيمنة أو تدخل من السلطة التنفيذية.
وقال العضو بجمعية القضاة القاضي محمد الماجري لوكالة الأنباء الألمانية "مضمون الفصل 103 يمثل جوهر استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية".
وأضاف القاضي "أحد الأسباب المحركة للثورة هو تغول السلطة التنفيذية على حساب القضاء عبر التعيينات. وكان شعار /قضاء مستقل/ من أبرز شعارات الثورة. القاضي لا يجب أن يكون تابعا للدولة، يتعين أن يكون مستقلا خاصة في مساره المهني وفي تعيينه".
وتكمن المخاوف في دفع القضاة إلى الانبطاح مجددا للسلطة الحاكمة التي يمكن أن تتحكم وفق مقترح التعديل في مسارهم المهني عبر تسييس التعيينات القضائية، وهو أمر يعيد الى الاذهان سلوك النظام السابق في العزل وفرض النقل التعسفي للقضاة المستقلين.
وأحد الشعارات التي رفعت في الوقفة الاحتجاجية أمام المجلس التأسيسي ضمت إشارة الى أن "الفصل 97 من الدستور الألماني ينص على ان القضاة مستقلون ولا يخضعون إلا للقانون".
ويأمل القضاة أن يتم السير على نهج الدستور الألماني وغيره من الدساتير في الدول الديمقراطية التي تعتمد المعايير الدولية في باب السلطة القضائية والمضمنة في العهد الدولي لحقوق الانسان.
وقال القاضي الماجري "الأزمة بدأت منذ الفصل الأول في باب السلطة القضائية عندما تم تغييب التنصيص على ضرورة اعتماد المعايير الدولية في القضاء.. والمعايير الدولية تقوم على إبعاد القضاء عن تعيينات السلطة الحاكمة".
وعلى الجانب الآخر ، يدفع مؤيدو مقترح التعديل في المجلس التأسيسي من نواب الحزب الحاكم، حركة النهضة الاسلامية بشكل خاص، بأنه وفي غياب مقترح التعديل فإن الباب سيظل مفتوحا لتغول دولة القضاء وغياب أي رقابة عليه.
وينطلق هؤلاء من أن فلسفة الدستور تقوم على مبدأ التفريق بين السلطات ولكن أيضا على رقابة السلطات لبعضها البعض.
وقال الماجري "لم نسمع يوما في الدول المتقدمة رفضا لتطبيق المعايير الدولية بسبب الخوف من تغول دولة القضاء. المخاوف عادة تكمن في التغول السياسي".
ويضيف القاضي بأن القضاء مراقب بمجلس أعلى للقضاء، وهو هيئة دستورية تضم قضاة منتخبين ومعينين إلى جانب ممثلين عن المجتمع المدني.
ويأتي احتجاج اليوم ضمن سلسلة من التحركات الاحتجاجية التي نفذها القضاة في الأشهر الأخيرة عبر الإضرابات احتجاجا على تعيينات أقرها الوزير نذير بن عمو في القطاع منذ منتصف تشرين أول/أكتوبر الماضي ولرفضه تنفيذ الحركة القضائية الجزئية (نقل وتعيينات) التي أقرتها هيئة وقتية للإشراف على القضاء.
ودعت جمعية القضاة التونسيين في بيان لها أمس الثلثاء القضاة الى الدخول في إضراب عام حضوري جديد بكافة المحاكم والمؤسسات القضائية لمدة أسبوع بداية من اليوم الأربعاء.
وكانت منظمات العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومركز كارتر والبوصلة قد دعوا في بيان مشترك مطلع الأسبوع إلى أن يضمن دستور تونس الجديد استقلال السلطة القضائية بشكل كامل إلى جانب ضمان نزاهة القاضي.
وقالت ماريون فولكمن مديرة مكتب مركز كارتر في تونس "يستحق التونسيون دستورا فيه ضمانات لا لبس فيها لاستقلالية القضاء.
ويجب أن يمثل هذا الدستور ابتعادا حقيقيا عن ماض اتسم بالتدخل السياسي من قبل السلطة التنفيذية، ويجب أن يضمن للسلطة القضائية القدرة والاستقلالية اللازمتين لحماية حقوق الإنسان".