العدد 4150 - الخميس 16 يناير 2014م الموافق 15 ربيع الاول 1435هـ

العاصفة ونقص الكهرباء يغرقان غزة في مياه الصرف الصحي

استيقظ حمدي الشامي، البالغ من العمر 54 عاماً، يوم 11 ديسمبر / كانون الأول 2013 في حي الزيتون المكتظ بالسكان في مدينة غزة، ليجد مياه الصرف الصحي الخام تتدفق في شارعه بارتفاع يربو على المترين. وكانت هذه واحدة فقط من عدة حالات طفح الصرف الصحي في الحي الذي يقيم فيه خلال الأسابيع الخمسة الماضية.

ففي (13 نوفمبر / تشرين الثاني)، فاض أكثر من 35.000 متر مكعب من مياه الصرف الصحي الخام عندما توقفت محطة ضخ الزيتون عن العمل، ما أثر على حوالي 3000 من سكان المناطق القريبة، وأثناء تنظيف هذه القاذورات، غمرت مياه الصرف المنطقة مرة أخرى عندما سقطت الأمطار الغزيرة على قطاع غزة بين 11 و15 ديسمبر، وكانت كمية النفايات تقترب من الضعف هذه المرة.

وفي مدينة غزة، التي تعتبر واحدة من المناطق الأكثر تضرراً، أشارت تقديرات البلدية إلى أن مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار فاضت من محطات الضخ وفتحات المجاري وغمرت الشوارع والمنازل.

وقال الشامي، معلقاً على الطفح الذي حدث في نوفمبر: «لقد كان أمراً مروعاً. فقدنا أشياء كثيرة عندما جاءت مياه الصرف الصحي من كل مكان حولنا - الأبواب وفتحات المجاري والأحواض. لا يمكن أن ننسى هذا أبداً».

ويعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل، من بينها انقطاع التيار الكهربائي الذي يعطل مضخات مياه الصرف الصحي في المدينة، ونقص القدرة وقطع الغيار والمرافق بسبب الحصار على غزة المستمر منذ 7 سنوات.

وقيل للسكان في ذلك الوقت إن الوصلة التي تم تركيبها على عجل للربط بشبكة الكهرباء الإسرائيلية من شأنها أن تمنع تكرار مثل هذه المشاكل في المستقبل. لكن نظراً إلى هطول الأمطار في الآونة الأخيرة، ازداد الوضع في الحي الذي يقيم به الشامي سوءاً، وتقطعت به السبل وسط مياه الأمطار والصرف الصحي لعدة أيام.

وصرح الشامي في 12 ديسمبر بأن «المشكلة تكررت مرة أخرى، لكنها كانت أكثر شدة هذه المرة. ومع كل ساعة تمر، كان منسوب المياه يزداد ارتفاعاً. كان أمراً لا يصدق، وطلبنا من فرق الإنقاذ أن تساعدنا قبل فوات الأوان».

وأضاف أن «الأمر لم يكن متعلقاً بالكهرباء فقط، بل واجهنا أيضاً انقطاع المياه النظيفة والاحتياجات الأساسية».

ونظراً إلى انقطاع التيار الكهربائي ونقص المضخات، توقعت بلدية غزة أن يستغرق تصريف المياه وتنظيف الصرف الصحي من الشوارع مدة تصل إلى أسبوعين. كما جلبت مضخات المياه من مناطق أخرى وقامت بتوسيع البركة الاصطناعية في شارع النفق لتسريع هذه العملية.

وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) أن السيول أثرت على 21.000 شخص، من بينهم الآلاف الذين نزحوا والتمسوا المأوى لعدة أيام في المدارس أو مع الأقارب.

وأضاف مكتب تنسيق الشئون الإنسانية أن شخصين لقيا مصرعيهما وأصيب 108 آخرين بجروح، معظمهم في جنوب قطاع غزة، من جراء أسوأ عاصفة تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ عقود.

وأفاد مكتب تنسيق الشئون الإنسانية أن كمية الأمطار التي هطلت على غزة في تلك الأيام الأربعة تعادل 75 في المئة من متوسط كمية مياه الأمطار الفصلية.

أما تقديرات وزارة الزراعة، فكانت أعلى من ذلك، وبلغت حوالي 111 مليون متر مكعب، أو 92 في المئة من متوسط هطول الأمطار الفصلي.

الاستجابة الإنسانية

وفي الأيام الأخيرة، بدأ الناس تدريجيّاً في العودة إلى منازلهم المتضررة، لكن العاصفة أدت إلى تفاقم المخاوف من المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية الموجودة من قبل والناجمة عن نقص الوقود والكهرباء.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال أحمد اليعقوبي، وهو مستشار موارد المياه في سلطة المياه الفلسطينية إن مرافق غزة لم تكن قادرة على التعامل مع هذه الكميات الكبيرة من مياه الأمطار. كما أن انقطاع الكهرباء ونقص الوقود المستمر عرقل الجهود الرامية إلى ضخ المياه، ما أدى إلى حدوث سيول في العديد من المناطق، وخاصة مدينة غزة.

وأضاف قائلاً: «فيما بعد، أثرت السيول الأخيرة على البيئة والصحة والاقتصاد في غزة. فعلى سبيل المثال، اختلطت مياه الأمطار بشكل مستمر مع مياه الصرف الصحي، وقد تنتج عن ذلك مشكلة محتملة في الصرف الصحي».

من جانبها، تعكف وكالات المعونة على تقييم الاحتياجات ومناشدة الجهات المانحة لتقديم الدعم.

ومن بين الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، وفقاً لمصلحة مياه بلديات الساحل (CMWU) وبلدية غزة، مضخات المياه ومولدات الكهرباء المحمولة - التي تضرر عدد منها خلال العاصفة في الأسبوع الماضي - بالإضافة إلى الوقود وقطع الغيار اللازمة للإصلاح والصيانة. وهناك أيضاً حاجة طويلة الأجل إلى إنشاء مرافق مياه أكبر وأكثر تطوراً.

وتبلغ نسبة تمويل عملية النداءات الموحدة للحصول على دعم إنساني لهذا العام نحو 63 في المئة (ورد 252 مليون دولار من أصل مبلغ 401 مليون دولار المطلوب توفيره)، ويعاني قطاع المياه والصرف الصحي من نقص التمويل بشكل خاص، إذ لا تتعدى نسبة تمويله 31 في المئة من الأموال المستهدفة.

نقص الكهرباء

لم تكن الإقامة في الشارع المجاور لمحطة ضخ مياه الصرف الصحي المحلية تمثل مشكلة بالنسبة إلى الشامي حتى الشهر الماضي، عندما دفع النقص الحاد في الكهرباء في قطاع غزة - الناجم عن إغلاق محطة الكهرباء الوحيدة في غزة - 291 مرفق مياه ومعالجة صرف صحي إلى الاعتماد على المولدات الاحتياطية. ومنذ ذلك الحين، تم الإبلاغ عن طفح مياه الصرف الصحي في عدة مناطق، وارتفعت مخاطر الطفح في مناطق أخرى.

ووصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) الوضع بأنه «واحدة من أزمات الطاقة الأكثر خطورة في السنوات الأخيرة، والتي قد تترتب عليها تداعيات إنسانية خطيرة».

كما حذرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» من أن نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي الناجم عنه في غزة يزيد من «خطر حدوث أزمة صحة عامة واسعة النطاق».

وبعد أن أغلقت السلطات المصرية معظم الأنفاق التي كانت تسمح بتهريب الوقود الرخيص إلى غزة - كجزء من حملتها الأمنية ضد المتشددين في سيناء - واجهت محطة الطاقة مصاعب جمة للحصول على الوقود بأسعار معقولة. وتم إغلاقها في الأول من نوفمبر، ثم فتحها بعد 45 يوماً بعد الحصول على تمويل من الجهات المانحة. كما حدثت زيادة كبيرة في تكاليف تشغيل المولدات الخاصة.

ولايزال بعض الوقود يدخل غزة عبر الأنفاق المتبقية، لكن التقديرات في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أشارت إلى وصول أقل من 20.000 لتر في الأسبوع، مسجلة انخفاضاً كبيراً مما يقرب من مليون لتر يوميّاً قبل شهر يونيو/ حزيران.

واستمر انقطاع التيار الكهربائي على مدى الأسابيع السبعة الأخيرة لفترات تتراوح بين 12 و16 ساعة يوميّاً، ما حرم العديد من سكان غزة البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة من المياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة الصحية، حسبما ذكرت وكالات الإغاثة وجماعات حقوق الإنسان.

وبالإضافة إلى فيضانها في الشوارع، يجري ضخ مياه الصرف الصحي إلى البحر بكميات أكبر بكثير من ذي قبل، وفي البحيرات والقنوات المفتوحة أيضاً. (وحتى قبل أزمة الكهرباء، كان يتم ضخ 90 مليون لتر من مياه الصرف الصحي الخام أو المعالجة جزئيّاً في البحر يوميّاً).

وقد وافقت الحكومة التركية في نهاية شهر نوفمبر على التبرع بمبلغ 850.000 دولار لشراء وقود يكفي لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفى ومحطة معالجة المياه لمدة أربعة أشهر، ولكن ذلك لم ينجح حتى الآن في وقف فيضان مياه الصرف الصحي، الذي تفاقم بسبب الأمطار الغزيرة.

واستجابة لتأثير العاصفة الأخيرة، تبرعت قطر بمبلغ 10 ملايين دولار لشراء الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء لمدة شهر واحد، والسماح بإعادة فتحها في منتصف شهر ديسمبر الجاري. وقد بدأت المحطة تعود تدريجيّاً إلى جدولها الزمني المعتاد، والذي يشمل في الظروف العادية انقطاعاً لمدة 8 ساعات وينتقل من منطقة إلى أخرى.

أثر الحصار

وتشكل المخاطر الصحية مصدر قلق لأشرف برغوت، وهو أيضاً من سكان حي الزيتون في مدينة غزة وشهد سقوط أولاده في المياه القذرة عدة مرات، ولذك يكافح الآن من أجل تنظيفها.

وتساءل برغوت: «لماذا لا يستجيب أحد لنداءاتنا لحل هذه المشكلة بشكل نهائي؟ نحن لا نريد أن نرى منازلنا وقد غمرتها المياه، أو نشهد غرق أطفالنا أو إصابتهم بأمراض».

ويرسل برغوت أولاده إلى الإقامة مع أقاربه عندما تتدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع.

وتساءل مجدداً: «هل ينتظر العالم حدوث كارثة حتى يتحرك؟ إننا نخشى أن تتعرض عائلاتنا لأسوأ الاحتمالات. انظروا حولكم وشاهدوا كيف يمكن أن يعيش أطفالنا أو يظلوا على قيد الحياة، أو كيف يمكن أن تصبح حياتنا طبيعية أثناء السيول».

وفي سياق متصل، حثت مصلحة مياه بلديات الساحل المجتمع الدولي على دعم الجهود المبذولة لمساعدة سكان غزة خلال فصل الشتاء. ويقول الموظفون إنهم يحاولون إصلاح المعدات المعطلة، لكن قطع الغيار نادرة الوجود بسبب صعوبة نقل البضائع من إسرائيل إلى غزة. وقد بدأوا توزيع بعض الوقود على البلديات لتشغيل الخدمات الأكثر أهمية.

من جهته، دعا ممثل اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط، طوني بلير، إلى اتخاذ إجراءات فورية لإيجاد حل دائم. وشجع الحكومة الإسرائيلية على إعادة فتح المعابر المؤدية إلى غزة والسماح بنقل البضائع والناس لإعادة تأهيل اقتصاد القطاع.

وأضاف أن «تأثير العاصفة زاد من إلحاح التدخل الفوري من أجل تجنب وقوع كارثة إنسانية في قطاع غزة، وبيَّن مرة أخرى ضرورة إيجاد حل أكثر استدامة للمشاكل التي يواجهها الناس هناك».

لكن الوضع قد يزداد سوءاً، حيث قال اليعقوبي من سلطة المياه الفلسطينية خلال حواره مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): «إنها بداية الموسم، ومن المتوقع أن تأتي موجات أخرى. إننا بحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب المزيد من المشاكل». وأضاف أنه ينبغي تطوير رؤية استراتيجية للتعامل مع مثل هذه الحالات، بما في ذلك مشاريع تجميع مياه الأمطار، مثل حفر الآبار على جوانب الطرق وإنشاء برك لتخزين المياه الزائدة في طبقة المياه الجوفية، بالإضافة إلى صيانة وتنظيف شبكة الصرف الصحي بشكل مستمر.

تقليل خدمات المياه بشكل حادٍّ

وقال برغوت: إن «الصرف الصحي ليس مشكلتنا الوحيدة. تصل المياه إلى منزلنا لبضع ساعات فقط كل يومين أو ثلاثة أيام. أليس هذا من دواعي السخرية؟ بينما ننتظر نزول الماء من الصنبور، نجد مياه الصرف الصحي تتدفق من الحوض وفي كل مكان».

وقبل العاصفة، وبسبب أزمة الطاقة، حصل 15 في المئة فقط من سكان غزة على المياه للاستخدام المنزلي بشكل يومي. وحصل عليها 20 في المئة من السكان كل يومين، و25 في المئة كل أربعة أيام، و40 في المئة كل ثلاثة أيام. وعندما يأتي الماء، عادة ما يستمر من خمس إلى ست ساعات فقط.

كما تضررت 25 وحدة تحلية صغيرة الحجم تستخدم لتوفير المياه لنحو 160.000 فلسطيني في غزة بسبب نقص الوقود، ونتيجة لذلك، تراجع إنتاجها بنسبة 75 في المئة.

يشار إلى أن المياه قضية حساسة في غزة، التي شهدت زيادة تلوث طبقة المياه الجوفية الرئيسية من جراء تسرب مياه الصرف الصحي ومياه البحر.

العدد 4150 - الخميس 16 يناير 2014م الموافق 15 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً