العدد 4163 - الأربعاء 29 يناير 2014م الموافق 28 ربيع الاول 1435هـ

الوسيط الدولي في سوريا يسعى وراء "مهمة مستحيلة"

فاقت المهمة قدرات كوفي عنان الامين العام السابق للامم المتحدة الحائز على جائزة نوبل للسلام فأعلن انسحابه في أغسطس اب. وقال عنان المعروف عنه أنه لا يستسلم بسهولة أن مهمة الوسيط الدولي في سوريا مستحيلة طالما استمرت حالة الانقسام الميؤوس منها بين القوى العالمية.

ولم يتوقع الكثيرون تقدما كبيرا من خليفة عنان في المنصب. لكن الاخضر الابراهيمي الدبلوماسي الجزائري المخضرم (80 عاما) يرفض بعناد ان يستسلم في مهمته الأخيرة كما هو متوقع وهي السعي لانهاء الحرب الاهلية السورية. ويملك الابراهيمي عقودا من الخبرة في عدد من أصعب الصراعات في العالم.

واستمرت جهود الابراهيمي عاما ونصف إلى أن تمكن من الجمع بين طرفي الصراع في سوريا في غرفة واحدة خلال محادثات السلام هذا الاسبوع في جنيف. ولا يلوح اي اتفاق للسلام في الافق. ويتعرض الوسيط الدولي بشكل متكرر الى انتقادات من الطرفين كان آخرها من الحكومة السورية التي قالت ان الابراهيمي يتعاطف مع المتشددين الاسلاميين.

لكن رغم المهمة التي تبدو مستحيلة يقول مؤيدون للابراهيمي -وبينهم عدد من الدبلوماسيين من منطقة الشرق الاوسط وما وراءها- إنه لا يوجد من هو أفضل منه ليحاول نزع فتيل الأزمة.

وقالت كارين كونينج أبو زيد من لجنة تحقيق مستقلة في جرائم الحرب تابعة للامم المتحدة خاصة بسوريا والرئيسة السابقة لوكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) "أنا معجبة به لانه صمد والتزم بمهمته المستحيلة.

"هو صديق قديم جدا لي ولاخرين هنا. انه رجل ماهر للغاية ويملك خبرة عريضة. يعرف من أين نأتي."

ويحرص الابراهيمي نفسه على ألا يدع التوقعات غير الواقعية تعترض طريقه. وقال للصحفيين أمس الاربعاء إن طرفي الصراع في سوريا لم يجتمعا ولو لمرة واحدة منذ ثلاث سنوات ولا يتوقعان عصا سحرية تنهي طريقا طويلا. وأضاف أنه إذا اتخذت الخطوة الاولى فسيكون هذا جيدا جدا.

نجاح في لبنان

ينحدر الابراهيمي من أسرة جزائرية أرستقراطية وعزز سمعته كوسيط من خلال توليه منصب مبعوث الجامعة العربية في الحرب الاهلية اللبنانية خلال الثمانينيات من القرن الماضي وأصبح أحد الشخصيات القليلة التي تخرج من العملية الدبلوماسية الطويلة بسمعة أفضل.

وبعدما حاول الابراهيمي في أول الامر تأمين اطلاق سراح رهائن احتجزتهم جماعات شيعية مرتبطة بحزب الله اللبناني ساعد في التوصل إلى اتفاق الطائف في سبتمبر أيلول 1989 الذي أنهى في نهاية المطاف الصراع الذي استمر 15 عاما بين عامي 1975 وعام 1990.

وأسس الاتفاق المعقد الذي بدا مستحيلا نظاما لاقتسام المناصب الكبرى في الدولة على أساس طائفي وظل متماسكا منذ ذلك الحين وأصبح فعليا دستورا للبنان.

ولم يمر اتفاق الطائف دون عقبات حيث اغتيل أول رئيس لبناني اختير للمنصب وفقا له وامتد وجود القوات السورية التي كان من المتوقع أن تنسحب في غضون عامين إلى نحو 15 عاما. لكن يظل الاتفاق رغم ذلك نموذجا ناجحا للدبلوماسية في الشرق الأوسط.

والمهم هو أن الاتفاق حاز تأييدا ليس فقط من الاطراف المتصارعة وإنما من داعميها في الخارج أيضا على اختلاف توجهاتهم -دول غربية وعربية سنية وإيران الشيعية. وهذه هي نفس الاطراف التي تقف على هامش محادثات سوريا اليوم والتي بدا الاتفاق بينها بعيدا مثلما هو الحال الان.

وبعض الوجوه في محادثات جنيف حاليا مألوفة وعملت مع الابراهيمي وبنى معها عقودا من الثقة.

وقال دبلوماسي عمل مع الوسيط الدولي في سوريا لحل مشاكل صعبة أخرى "تفوق خبرة الابراهيمي في الشرق الاوسط أي أحد تقريبا في المنطقة.. يعطيه هذا ميزة كبيرة مقارنة بأي شخص يحاول الوساطة لحل الصراع."

ارتجال

قال أشخاص حضروا اجتماعات مع الابراهيمي إنه أوضح أنه يعول كثيرا على الارتجال في جزء كبير من عمله.

وقال الابراهيمي للصحفيين هذا الاسبوع مازحا إنه يرحب بأفكارهم حول رأب الصدع بشأن تشكيل حكومة انتقالية في سوريا وهي نقطة شائكة ترفضها الحكومة وتطالب بها المعارضة.

وردا على سؤال حول تطبيقه لنموذج محادثات السلام بين فيتنام الشمالية والجنوبية في السبعينيات من القرن الماضي قال الابراهيمي للصحفيين إن محادثات جنيف لا تتبع أي نموذج لكنهم يفعلون ما يسمح به الموقف.

وانقذ الابراهيمي المحادثات من الانهيار بسبب قضايا كبيرة مثل تنحي الرئيس السوري بشار الاسد وصغيرة مثل من يحق له الجلوس مع من في غرفة المحادثات.

وأمس الاربعاء اتخذ المفاوضون أول خطوة تجريبية إلى الامام باتفاق الجانبين على وثيقة واحدة كأساس للمناقشات رغم اختلافهما حول كيفية سير المحادثات.

وقال الدبلوماسي الذي عمل مع الابراهيمي من قبل إن الدبلوماسي الجزائري المخضرم لن يترك المحادثات تطول دون نتائج. وأضاف "يدرك أنها المهمة الاخيرة في حياته المهنية. لن يتردد في انهائها إذا لم تصل المحادثات إلى شيء."

حيادية لا تشوبها شائبة

وإذا كان مجيء الانتقادات من الجانبين هو مؤشر على الحيادية فإن الابراهيمي تعرض لذلك. في بادئ الامر كانت الانتقادات تنهال على الوسيط الدولي اكثر من المعارضة السورية لأنه زار دمشق عدة مرات للقاء الاسد واقترح المحادثات في وقت أعلنت فيه المعارضة أنها لن تجتمع بالحكومة إلا إذا أفضى ذلك إلى ترك الاسد السلطة.

وتحدثت مصادر داخل محادثات السلام عن مناقشات حامية مع وفد الحكومة هذا الاسبوع. وبأسلوبه المعتاد نفى الابراهيمي نشوب عراك.

وقالت المصادر إن ابراهيم الجعفري وهو مفاوض كبير في فريق التفاوض الحكومي هاجم فكر الاسلاميين في اجتماع يوم الاثنين. وحاول الابراهيمي منعه حين قال إن الأمم المتحدة ليست المكان المناسب لمثل هذا الكلام.

ورد الجعفري بأن الابراهيمي مجرد وسيط ولا يمكنه التحدث باسم المنظمة الدولية. وقال للابراهيمي في وقت ما إن بإمكانه أن يصبح وهابيا إذا أراد في إشارة إلى الفكر الوهابي الذي يتبع تفسيرا أكثر تشددا للاسلام.

وقال الابراهيمي للصحفيين في وقت لاحق إن الواقعة مبالغ فيها وإنه لا يوبخ أحدا.

وكان مفاوض من المعارضة السورية قد شعر في بادئ الامر أن خلفية الابراهيمي كوزير خارجية في حكومة قادها الجيش في الجزائر قد تخصم من رصيده مع المعارضة لكنه قال إنه لم يرصد أي شبهة انحياز خلال المحادثات.

وأضاف "كنا نفضل لو كان لدينا وسيط لا صلة له بنظام مستبد .. وسيط من دولة محايدة تحترم حقوق الانسان. لكنه (الابراهيمي) أبدى حيادية لا تشوبها شائبة.

"يريد التوصل الى اتفاق."





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً