العدد 4199 - الخميس 06 مارس 2014م الموافق 05 جمادى الأولى 1435هـ

مبادئ الاستدامة في الدستور التونسي الجديد

ربما تكون تونس هي التي منحت الأمل في حدوث تغيير ديمقراطي حقيقي في العالم العربي أثناء انطلاق مرحلة «الربيع العربي» منها. وهي الآن الوحيدة بين كل الدول التي مر بها قطار الربيع العربي الجارف التي تمكنت من إحداث الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والسياسي والتوصل إلى ثقافة ديمقراطية راقية. التجسيد الأهم لنجاح الانتقال الديمقراطي في تونس يتمثل في الدستور الجديد، الذي تمت المصادقة عليه في البرلمان بغالبية ساحقة وبعد نقاش وحوار طويلين شاركت فيهما القوى السياسية كافة. هذا الدستور يتضمن الكثير من المزايا السياسية المتقدمة، ولكنه أيضاً وثيقة دستورية فريدة في قيمة ما احتوته من مبادئ التنمية المستدامة وحماية البيئة.

نعرف تماماً أن تونس قبل الثورة كانت الدولة العربية الأكثر تقدماً في مؤشرات الاستدامة وحماية البيئة لعدة سنوات متتالية. وبعد الثورة حدث تراجع في كفاءة الأداء البيئي، وخصوصاً إدارة المحميات الطبيعية وملفات بيئية أخرى. لكن المرحلة الانتقالية التي تلت الثورة جعلت الكثير من الأولويات في تونس تتغير. كان لزاماً على واضعي الدستور التونسي الجديد ألا يقتصروا على حماية المنجزات التي تحققت في مجال حماية البيئة منذ ما قبل الثورة، بل تعزيزها بمضامين جديدة تعطي مصداقية للخطاب المدني الديمقراطي التي تقدمه تونس الجديدة.

في مجال حماية البيئة، يعتبر الدستور التونسي ثالث دستور في العالم يحدد مسئولية الدولة تجاه المساهمة في التصدي لتغير المناخ والتلوث، ويضع حماية البيئة وحق المواطن التونسي في بيئة نظيفة جزءاً رئيسياً في الديباجة. وهذا يعتبر مرحلة متقدمة على الدستور الأميركي ودساتير أوروبا الغربية. ويؤكد الدستور التونسي أن «الحق في المياه مضمون» وأن المحافظة على الماء وترشيد استغلاله واجب على الدولة والمجتمع. ويشير إلى أن الدولة تضمن الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ، كما على الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي.

في مجال الرعاية الصحية، أشار الدستور التونسي الجديد إلى أن الصحة هي من الحقوق الأساسية للمواطن التونسي، وأن واجب الدولة هو توفير الرعاية الصحية الوقائية للمواطنين كافة وكل أنواع العلاج اللازم والنوعية العالية للخدمات الصحية. كما تضمن الدولة العلاج المجاني لفاقدي السند، ولذوي الدخل المحدود. ويعتبر هذا النص أكثر وضوحاً من قانون الرعاية الصحية الأميركي الذي حارب أوباما من أجله الكونغرس طوال سنتين قبيل إقراره ولكن بتقليل التزامات الدولة.

في مجال حقوق المرأة، يتضمن الدستور التونسي نصوصاً أكثر تقدمية من الدساتير العربية كافة وربما معظم دساتير الدول النامية. فهو يدعم حماية حقوق المرأة ومساواتها وتأمين الفرص المتساوية بين النساء والرجال في حمل المسئوليات كافة في كل القطاعات. كما يتضمن العمل على تحقيق التوازن بين أعداد الرجال والنساء في المؤسسات والمجالس المنتخبة، وإزالة جميع أشكال العنف ضد المرأة، وهو ما يتجاوز الدستور الأميركي.

ويحصل العمال التونسيون على حقوق دستورية عالية جداً، حيث يتضمن الدستور حق العمال في تنظيم النقابات وحق الإضراب، وأن يحصل العمال كافة رجالاً ونساء على ظروف العمل المناسبة والأجور الملائمة بشكل متساوٍ.

يتضمن الدستور التونسي أيضاً نصاً مهماً يؤكد أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تصادق عليها تونس وتمر عبر البرلمان تعتبر ذات سلطة تشريعية أعلى من القوانين وأدنى من الدستور. وهو تميز لا يوجد في دستور أي دولة عربية أخرى. وإذا تم تضمين الاتفاقيات البيئية الدولية أو اتفاقيات حقوق الإنسان ضمن هذه المعاهدات، فإن ذلك يعتبر تطوراً عظيماً في الإدارة البيئية والالتزامات الدولية.

الدستور التونسي قصة نجاح هائلة لجميع من شارك فيها، وخصوصاً حزب النهضة الإسلامي الذي نتمنى أن يصبح نموذجاً يحتذى من قبل الأحزاب الإسلامية الأخرى في المنطقة. شكراً لتونس التي عادت لتمنحنا الأمل من جديد.

العدد 4199 - الخميس 06 مارس 2014م الموافق 05 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً