ستشهد مملكة البحرين تحسّناً في مستويات المعيشة مع ارتفاع معدل الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بنسبة 12 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة (2018)، وذلك وفقاً لما جاء في تقرير جديد أصدره «معهد المحاسبين القانونيين» (ICAEW). وفي آخر تقاريره الفصلية حول الآفاق الاقتصادية، يشدّد المعهد المتخصّص في مجالات المحاسبة والتمويل على أنه لابدّ لحكومة البحرين أن تكرّس جهودها لتنويع اقتصادها، بعيداً عن دائرة الاعتماد على المنتجات الهيدروكربونية، ولاسيما أن ارتفاع إمدادات النفط يدفع بالأسعار إلى الهبوط.
ويحذّر التقرير «قراءة اقتصادية: الشرق الأوسط» من أنه في حين أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في بلدان المنطقة هو أعلى من المتوسط العالمي؛ فضلاً عن التوقّعات التي تبيّن أنه سيظلّ مستقراً على المدى القصير، من المرجّح أن تنخفض أسعار النفط نظراً إلى ارتفاع الإمدادات العالمية. إن التطوّر الهائل في إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، واحتمال عودة إيران إلى الأسواق الدولية بعد رفع العقوبات، سيضيف من دون أدنى شك زخماً آخر للإمدادات النفطية في السوق العالمية. وإذا أدّى ذلك إلى انخفاض أسعار النفط، فربما يُعرّض الدول الأخرى المُنتجة للنفط في المنطقة لصعوبات مالية.
واستفادت دول الخليج العربية من بعض أقوى معدلات النمو في العالم منذ اندلاع الأزمة المالية في العام 2008؛ إذ نما فيها الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 24 في المئة خلال السنوات الخمس إلى العام 2013. ومع ذلك، فرض النمو الهائل والسريع لأعداد السكّان في دول الخليج العربية ضرورة مواصلة نموّها الاقتصادي، من أجل الحفاظ على مستويات المعيشة فيها. وفي الفترة ما بين العامين 2008 و2013، ازداد عدد السكّان في مملكة البحرين بنحو 19%، أي أسرع بست مرات من معدل النمو في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة (2.9 في المئة و 2.7 في المئة على التوالي). ويعني ذلك أنه على رغم الزخم الاقتصادي القوي، واجهت الأوضاع المعيشية (قياساً بالناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد) صعوبات لمواكبة معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة.
وقال المدير الإقليمي في معهد المحاسبين القانونيين الشرق الأوسط (ICAEW)، بيتر بينون: «لطالما كانت سياسة التنويع الاقتصادي بمثابة أولوية قصوى لحكومة البحرين طوال العقد الماضي، لكنّ ارتفاع معدل المواليد في المملكة؛ فضلاً عن ازدياد هجرة السكّان إليها، يقضي بضرورة تعزيز الوضع الاقتصادي بشكل أكبر، إذا ما رغبت في الحفاظ على مستوى معيشة يواكب النمو الذي يحقّقه الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وما دامت الاستثمارات مستمرة في تطوير شبكات النقل والمواصلات، وتحسين التعليم، والارتقاء بقطاع الصناعات الرئيسية والتحويلية، ستتمكّن البحرين لا محالة من تجاوز أسوأ العواقب نتيجة أي انخفاض حاد في أسعار النفط على المستوى الدولي».
ولحسن الحظ، تتمتّع البحرين بأعلى معدلات الادخار القومي الإجمالي على مستوى العالم. ووفقاً لصندوق النقد الدولي (IMF)، ادّخرت مملكة البحرين 39 في المئة من عوائدها الوطنية خلال العام 2013. ونتيجة لحركة التصدير القوية والفوائض المستمرة في الحسابات الجارية، يمكن تسخير معدلات الادخار العالية لتمويل الاستثمارات؛ ما يمنح اقتصاد البحرين زخماً إضافياً لتعزيز سياسة التنويع، وبالتالي رفع معدل الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد.
ومع ذلك، ستشعر العديد من العائلات في البحرين بوطأة ارتفاع التضخّم. فبعد سنوات عديدة كانت فيها الحكومة تقدّم دعماً ضخماً للاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والطاقة، ستدفع الضغوطات المالية بالمملكة حالياً للتفكير ملياً تجاه تقنين النفقات التي تخصّصها لدعم الاستهلاك المنزلي. وسيظهر هذا التأثير بشكل فوري في زيادة أسعار تلك السلع؛ ما يرفع من معدل التضخّم.
من جهته، قال كبير الاقتصاديين ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي لمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال دوغلاس ويليامز: «تظهر التوقّعات أن أسعار النفط تنخفض بوتيرة طفيفة من حيث القيمة النقدية. ومع ارتفاع تكاليف المعيشة، يضع ذلك ضغوطات على اقتصادات الشرق الأوسط من ناحية التنوّع. وقد تكون هذه العملية قوية نوعاً ما في حال التوصّل إلى اتفاقية لإنهاء العقوبات على إيران، والتي من شأنها أن تدفع بأسعار النفط إلى الهبوط أكثر (حتى بعد السماح بقطع الإمدادات من مصادر أخرى). ووفقاً لحساباتنا، فإن إنهاء العقوبات قد يقلل من أسعار النفط بواقع 8 دولارات للبرميل، ولو أنها مجرّد تقديرات مركزية. إن هذه الظروف تجعل من تحسين التعليم والمهارات وسياسات التنويع بمثابة أولويات رئيسية بالنسبة إلى دول المنطقة».
ويظهر التقرير ما يأتي:
- بعد فترة عانت خلالها مستويات المعيشة من مواكبة معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي، ستشهد سلطنة عُمان، والكويت، زيادة في الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بمعدلات نمو 5 في المئة و8 في المئة على التوالي، خلال السنوات الخمس المقبلة.
- من المتوقع أن تشهد قطر أبرز التطوّرات في مستوى المعيشة؛ إذ سيتضاعف الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد إلى حد ما بين العامين 2014 و2025، ويعود الفضل بذلك إلى انخفاض كلفة إنتاج الغاز؛ علاوة على استضافة البلاد لمونديال كأس العالم لكرة القدم 2022.
- ستستمر المستويات العالية للإنفاق المالي في دفع وتيرة النمو في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، مع توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014 ليصل إلى 4.5 في المئة، و4.2 في المئة، و6.3 في المئة على التوالي، بغض النظر عن التوصّل إلى اتفاق مع إيران. ومع ذلك، ستتراجع هذه المعدلات بشكل طفيف في وقت لاحق من الفترة المتوقّعة، ولاسيما أن الدول ستضطر إلى التعامل مع المعضلة الصعبة والمتمثّلة في الحد من النفقات ضمن منظومة الدعم الحكومي.
العدد 4202 - الأحد 09 مارس 2014م الموافق 08 جمادى الأولى 1435هـ