رأى سياسيون تونسيون أن الخطر يحدق بلادهم من تدهور الأوضاع الإقتصادية والمالية، وإقترابها من دائرة الإفلاس والإنهيار، وإرتهانها لشروط الدول المانحة، واعتبروا أن إستمرار الوضع الراهن على حاله سيدفع بإتجاه تأجيل الإنتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري.
وحذر هؤلاء في تصريحات ليونايتدبرس انترناشيونال، من أن بقاء الأوضاع الإقتصادية والمالية والأمنية في البلاد كما هي الآن، قد تدفع بإتجاه تأجيل الإستحقاق الإنتخابي المُرتقب تنظيمه قبل نهاية العام، خاصة بعد أن تصدعت التوافقات الإجتماعية وتبيّن للجميع هشاشة التفاهمات السياسية.
ورأى محمد الكيلاني، الأمين العام للحزب الإشتراكي اليساري، أن تونس تمر بصعوبات مالية كبرى، بسبب السياسة الخاطئة التي إنتهجتها حكومتا "الترويكا" الأولى، برئاسة حمادي الجبالي، والثانية برئاسة علي لعريض، القياديان البارزان في حركة النهضة الإسلامية.
وقال إن "حكومتي الترويكا خلفتا تركة ثقيلة لحكومة، مهدي جمعة، شملت كافة الميادين والمجالات حتى أضحت البلاد عليلة".
وأضاف أن القول أن "البلاد تمر بصعوبات جدية وخطيرة أمر أكيد، ولكن لا أعتقعد أننا وصلنا إلى مشارف الهاوية التي لا مناص منها بإعتبار أن المخارج موجودة، ولها علاقة مباشرة بالإمكانيات المتاحة".
وتابع الكيلاني أن "المخرج من المأزق، يبدأ بحسن إدارة إنتاج قطاع المناجم، وخاصة منها الفوسفات، وتنشيط وتفعيل القطاعين السياحي والزراعي، بالإضافة إلى إعادة النظر في منوال الجباية، وإعادة تنظيم البناء الإقتصادي بحيث لا يتجه إلى الإستهلاك فقط، وإنما أيضا إلى دعم الإستثمار، وبالتالي التنمية".
واعتبر أن الأوضاع الإقتصادية العامة السائدة حاليا في البلاد "ساهمت إلى حد ما في تدهور التوافقات الإجتماعية التي بدت هشة ومُتعثرة".
وقال الكيلاني، إن إنهيار التوافق الإجتماعي الذي يعكسه تزايد الإحتجاجات في البلاد ناتج في جزء منه عن إندفاع الثورة لغاية الآن وقد غذته الوعود التي لم تتمكن حكومة النهضة الإسلامية من تنفيذها".
وحذر سياسيون وحزبيون وإقتصاديون من أن الوضع الإقتصادي والمالي للبلاد أصبح على حافة الإنهيار، وأن الدولة ستكون عاجزة عن تسديد رواتب المُوظفين خلال الشهر المُقبل.
وقال عبد الرزاق الهمامي، الأمين العام لحزب العمل الوطني الديمقراطي، إن "وصف البلاد بأنها في حالة إنهيار، مبالغ فيه لأن عبارة إنهيار كبيرة، ولا تنطبق على الوضع الراهن".
ولكنه أقر في المقابل بأن تونس تمر حالياً بـ"وضع حرج وصعب وخطير، ولم تصل بعد إلى وضعية الإنهيار الذي لا يتمناه أي كان لأن نتائجه ستكون كارثية على الجميع".
وربط الهمامي الصعوبات التي تمر بها بلاده بأزمة المديونية التي قال إنها "أنهكت البلاد والعباد"، ودعا إلى معالجة هذا الوضع من خلال توافق وطني يتجاوز المجال السياسي ليشمل المجالات الإقتصادية والإجتماعية والأمنية.
وبدوره، قال الأستاذ الجامعي، فتحي الشامخي، المُختص في قضايا المديونية، إن تونس إقترضت خلال السنوات الثلاث الماضية، أي مباشرة بعد سقوط نظام الرئيس السابق بن علي، حوالي 23 مليار دينار،( 14.7 مليار دولار).
وتُؤكد المؤشرات الإقتصادية الرسمية تفاقم الديون الخارجية للبلاد، حيث توقع مُحافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري، في وقت سابق، إرتفاع حجم الديون إلى أكثر من 48% من إجمالي الناتج المحلي.
وبموازاة ذلك، تُظهر البيانات الإحصائية الرسمية أن العجز التجاري التونسي سجل خلال الشهرين الماضيين تفاقما ملحوظا، حيث بلغت قيمته 1.911 مليار دينار (1.209 مليار دولار)، بينما بلغت قيمته طيلة العام الماضي 11.808 مليار دينار(7.38 مليارات دولار)، مقابل 11.630 مليار دينار(7.26 مليارات دولار) في العام 2012.
وساهمت هذه المؤشرات في تزايد المخاوف من إمكانية إنزلاق البلاد نحو الإفلاس والإنهيار، وما سيترتب عن ذلك من تداعيات إجتماعية وأمنية سيكون لها كبير الأثر على المناخ السياسي العام في البلاد بما يُمكن التأثير على موعد الإستحقاقات الإنتخابية المرتقبة.
ورغم هذه المواقف التي تتوافق حينا، وتتباين في أحيان أخرى، فإن شبح إفلاس وإنهيار الوضع الإقتصادي بدأ يُخيم على تونس، ما عزز المخاوف وسط إجماع على أن سياسة الإقتراض لن تُنقذ إقتصاد البلاد، بل ستُعمق أزمته بخلاف ما ترى حكومة مهدي جمعة التي أعلنت أنها ستلجأ إلى المؤسسات المالية الدولية للخروج من هذه الأزمة.