العدد 4282 - الأربعاء 28 مايو 2014م الموافق 29 رجب 1435هـ

"أغاني العصفور الأزرق"... للرطيَّان... حكمة البدوي في "تويتر" وقائمة "فوربس"

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

أول معرفة لي بالصديق والزميل الكاتب والشاعر والروائي السعودي محمد الرطيَّان، كان في العام 1997، بعد تأسيس مجلة "قطوف" التي ترأس تحريرها الصديق الشاعر السعودي فهد عافت، وكانت تصدر من إمارة دبي، وحققت وقتها انتشاراً كبيراً في منطقة الخليج وعدد من الدول العربية. كان يكتب وقتها صفحة اتخذ لها عنوان "19"، وهو ترتيب الصفحة نفسها في العدد.

كانت كتابة لم تتلمّس طرق وأساليب جيله أو الجيل الذي سبقه. كتابة تأتي طازجة كأنها قطفت للتو من حقل، أو مثل خبز صباحي لم تفتر سخونته.

بعضها كان يتجاوز ما هو مألوف وصار جزءاً من العرف. يتجاوز الخطوط الحمراء. تلك الخطوط التي تضعنا في كل مرحلة في الصفوف الأخيرة من المتفرجين على فاعلية الحياة والحركة فيها. كان يكتب بجرأة وبساطة. بينهما تتولّد وتأتي الحكمة من دون تصنّع أو "تثاقف" أو استعراض.

في إصداره الجديد "أغاني العصفور الأزرق"، الصادر عن "دار مدارك"، في 158 صفحة، نصوص انتخبها من تغريداته على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حيث يتابعه أكثر من 1.12 مليون شخص، حتى كتابة هذه القراءة.

بعض مما تضمّنه الكتاب كان مقتطفات لمقالات له نشرها في الصحف السعودية التي تنقّل بينها كلما ذهب في جرأته حدّاً لا يتناسب وواقع المساحة والهامش الممنوح لتلك الصحف!

التغريدات فيها من الكثافة والدهشة ما يجعل صاحبها "البدوي الحكيم في تويتر" من دون منازع. التقاطات وقبض على صور ومواقف وحالات وجنون واندفاعة أفكار، لا تملك إلا أن تتمنى كتابة ولو جزء يسير منها. تغبطه ليس لأنه صديقك فحسب؛ بل لأنه يشيع هذه الابتسامة والدهشة بشكل يومي، وأحياناً شبه يومي، ولا تريد لذلك أن ينتهي، وإلا ما هي قيمتنا في ذلك الفضاء الافتراضي، نحن الذين هربنا من الفضاء الواقعي الذي لا فضاء يدل عليه؟!

أول ما يفاجئك في الإهداء أنه موجّه إلى 51 شخصاً وطرفاً، من بينهم أدباء وكتاب وفنانون وعسكري سابق، واللافت أن من بين الذين أهداهم كتابه: ليونيل ميسي، والعام 2011، ورجل مرور (لا أعرف اسمه) قام بتمزيق ورقة المخالفة لأنه يحب ما أكتبه)، (وهذه محسوبة عليك يا صديقي!)، مورينهو، نادي ريال مدريد، ياني كريسماليس، نيلسون مانديلا، الجهراء، سيارتي الفورد موديل 2008، كل من يتابعني في تويتر بمن فيهم: البيض!، ريتشيل كوري، امرأة لا أعرفها قالت لي، إن ابتسامتي حلوة!

ذلك وحده يفتح الشهية للدخول لوليمة الكتاب. أسمّيها وليمة على رغم ذلك التكثيف في الفكرة واللغة كما أشرت سابقاً.

في التغريدة الأولى نقرأ: "اللهم امنحني العين التي ترى الحقيقة، والأذن التي تسمعها بشكل جيد، واللسان الذي يقولها دون أن يتلعثم، واليد التي لا ترتجف عند كتابتها".

وتلك أدوات في واقعها لا يحتاج إليها الكاتب وحده. يحتاجها كل منتم ومنتسب إلى هذا الكائن الجميل والعظيم (الإنسان)، إلا أن الكتّاب هم في الطليعة من إمكانات أن يعمروا الأرض والأنفس والإدراك من حولهم بتسخير كل تلك الأدوات بوعي وحضور وانتباه.


هاش_تاق" رؤيته لـ "تويتر"، والبشر الذين صاروا هم عالمه المتحرك والنشط والحيوي والخلّاق والبذيء في الوقت نفسه: "تويتر عدو الثرثرة. تويتر – وببساطة – هو تفسير التقنية الغربية للعبارة العربية الشهيرة: الإعجاز في الإيجاز". ويتابع: "

حين قلت عنه "الحكيم البدوي"، فذلك لا يعني أن الحضَر لا حكيم بينهم. هم يكتنزون بالحكمة، ولكن للبيئة أسباب ترسيخ تلك الحكمة. بعيداً عن الضجيج وهذا الإسفاف في التمظهر المتسارع واللاهث وراء الأسمنت والمرايا العاكسة للضوء في الأبراج. هذا الإدمان على التمركز في كل ذلك الضجيج الذي لا ينتهي.

ثم ما هي الحكمة وبعيداً عن الاستعراض: أن تفهم ببساطة وأن تقدم ذلك الفهم بشكل وصورة أبسط أيضاً، ما ينتج عن ذلك هو: الإدهاش. تلك هي المعادلة وببساطة أيضاً!

يقول: "كل إنسان – لم تهذبه الحضارة أو يروّضه القانون – هو: مشروع "وحش"!

"لا شيء أقسى من الشعور بالخيانة: كأنك تشرب دمك... في كأس صنعت من عظامك"!

"تُردّدُ دائماً: "خانني التعبير"...! ألم تفكّر – ولو لمرة واحدة – لعلّك أنتَ من خنْته"!

في تتبّع تغريدات الرطيّان، ستجد القليل منها الذي ربما لا يستوقفك، ربما هو التأنّي، ربما هي الفطرة والبديهة أيضاً هي ما ينتج تلك النصوص المكتنزة بما نعرفه، نلمسه، نراه، ولكننا نتغافل عنه في كثير من الأحيان. الفرق أن الرطيّان لا يترك لحواسه فرصة التغافل أو الانشغال عنها. هي نفسها أدوات المدارك والوعي الذي بدأ بها كتابه، تلك التي متى وعى الإنسان دورها وكانت حاضرة في كل حركاته وسكناته، رؤيته، وتفكيره، وكتابته، كلما كان كائناً مكتنزاً بالمبهر والمدهش وما هو مبدع ولافت.

يقول: "لا يوجد إعلام حر... يوجد إعلامي حر: يقاتل لتمرير "بعض" الحقيقة"!

وفي التهكّم والسخرية والتلاعب بالمفردة ومعناها: "صح مطبعي: دخل التاريخ من (أوسـ ...خ) أبوابه"!

وفي استدعاء لما يتم تكريسه اليوم من انحراف وعمى تبنّي النماذج: "احذر من بعض الأمثال الشعبية... فهي مثل الأطعمة الفاسدة التي انتهت صلاحيتها! لا تتناول وجبة تم طبخها منذ قرون، فقط لأن الذي طبخها أحد أجدادك"!

الوقوف على اللامع والفارق من تغريدات "أغاني العصفور الأزرق"، لا مجال له هنا في هذا الاستعراض والقراءة. قراءة الكتاب ستغني عن ذلك.

محمد الرطيّان وفي اليسير من سيرته، انفتح على الأشكال والأنواع الأدبية، وبحرفية عالية، ولغة أبسط ما يقال عنها أنها ملتقطة من أفواه الناس الذين يحبهم بسطاء، وملتقطة من قلوبهم البيضاء التي يتقصّاها ويبحث عنها كما يبحث بدوي عن الماء وما يقيم أوَده في صحراء الحياة، وما أكثرها بيننا حتى في المدن التي توهّمنا إقامتها!

في اليسير من سيرته، أنه كتب المقالة والقصة القصيرة والقصيدة العامية في عدة صحف ومطبوعات عربية، ومقالته الأسبوعية تنشر في عدة صحف بالاتفاق مع صحيفة "المدينة" السعودية. تم اختياره في استفتاء صحافي كأحد أكثر الكتّاب جماهيرية في الخليج العربي. فاز نصه "هليّل" بالجائزة الأولى في مسابقة القصة القصيرة. حصلت روايته "ما تبقى من أوراق محمد الوطبان"، على جائزة رواية العام 2010. ورد اسمه ضمن قائمة مجلة "فوربس" لأكثر 100 شخصية عربية حضوراً وتأثيراً في العالم العربي العام 2011.

أصدر: كتاب "كتاب" العام 2008، رواية "ما تبقى من أوراق محمد الوطبان" العام 2009، كتاب "محاولة ثالثة" العام 2011، وكتاب "وصايا" العام 2012.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً