تحظى الجهود البحرينية في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص بالترحيب من جانب الكثير من الدول التي لا تتردد في التأكيد على أن مواطنيها المقيمين في المملكة يتلقون من الرعاية والاهتمام ما يدفعهم للإقامة والعمل بها إلى درجة أنهم يفضلونها عن غيرها كموطن جديد للعيش والرزق وممارسة مهامهم وتطوير مهاراتهم وخبراتهم.
كما أن هذه الجهود باتت موضع إشادة من جانب عدد من التقارير الحقوقية الدولية، التي ترى أن الوافدين ممن يعملون في العديد من القطاعات ويسهمون بجهودهم في دعم خطط التنمية بالمملكة ورفد بلادهم بالموارد المالية اللازمة، لا يواجهون عقبات كبيرة في أدائهم لأعمالهم، ولا يدخرون جهدا في تطوير مجالات العمل المختلفة داخل المملكة، فضلا عن الارتقاء بمستواهم المعيشي والنهوض أيضا بمداخيل بلادهم.
جهود دؤوبة لمكافحة جريمة الاتجار .
وتتواصل الجهود البحرينية الرسمية بدأب في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص وبالتعاون مع منظمات المجتمع الأهلي المعنية، وربما يرجع هذا الاهتمام بالمسألة إلى أكثر من سبب، أن البحرين تاريخا وثقافة وحضارة تنبذ أية تقاليد أو قيم لا تدفع إلى احترام مبادئ حقوق الإنسان، كما أنها تعد رائدة إقليميا في مجال رعاية وحماية الحقوق الإنسانية بشكل عام، والعمالية بشكل خاص.
وقدمت المملكة وما زالت تقدم من الإجراءات والخطوات التنظيمية والتشريعية ما يبرهن على أنها تمضي بخطى ثابتة لتعزيز حضورها عالميا في هذا المجال، وسعت للتوقيع على الاتفاقيات الدولية المعنية بمجال المكافحة، ووقعت اتفاقيات عديدة مع الدول المصدرة للعمالة حتى يمكن منع استغلال عمالها قبل السفر للمملكة، ولعل المبادرة السامية لإنشاء محكمة عربية أولى لحقوق الإنسان دليل على كل ذلك.
في هذا الإطار، جاءت ورشة العمل التي نظمتها وزارة الخارجية البحرينية يوم الثلاثاء الموافق 3-6-2014 تحت عنوان "تعزيز دور الإعلامي المحلي بجريمة الاتجار بالأشخاص"، وذلك تحت رعاية وكيل وزارة الخارجية رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص السفير عبد الله عبد اللطيف وبحضور عدد من أعضاء اللجنة الممثلين عن الوزارات المعنية ولفيف من المعنيين والإعلاميين، لتؤكد أن البحرين لم تدخر جهدا في التصدي لكل مظاهر هذه الجريمة التي يتسع نطاقها عالميا، وأنها حققت الكثير من المنجزات والنجاحات على هذا الصعيد.
وقد حظيت ورشة العمل باهتمام واسع، ليس فقط بسبب الموضوع المطروح للنقاش في إطارها والملفات المثارة داخلها، ولا حتى بسبب الحضور المكثف من جانب ممثلي أجهزة الدولة الرسمية والمهتمين من منظمات المجتمع المدني البحريني، علاوة على الإعلاميين والصحافين، وإنما بسبب طبيعة الجهود التي تبذلها المملكة في مجال التصدي لتداعيات القضية، سيما من جانب أجهزة الدولة المختلفة، الحكومية منها وغير الحكومية، والتي يبدو أنها بحاجة إلى مزيد من التعريف بها والترويج لها في الأوساط والمحافل المختلفة.
البحرين أول لجنة خليجية لمكافحة الجريمة
وهنا يبدو مهما الإشارة إلى عدة ملاحظات جوهرية، الأولى: تتعلق بدور اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، والتي أسهب رئيسها وكيل وزارة الخارجية السفير عبد الله عبد اللطيف بالحديث عن دورها والجهود التي بذلتها باعتبارها الكيان الرسمي والتنظيمي المعني بوضع وصياغة الخطط والسياسات الحكومية للتصدي للجريمة وتداعياتها المختلفة، حيث ذكر أنها أنشئت بمقتضى قرار وزير الخارجية رقم (1) لسنة 2008 والقرار رقم (1) لسنة2009 بشأن إعادة تشكيلها، والمكونة من ممثلين لوزارات الخارجية والداخلية والتنمية الاجتماعية فضلا عن هيئة شؤون الإعلام، مشيرا إلى أن هناك العديد من التحديات الني تواجه اللجنة، ومنها المخصصات المالية اللازمة للقيام بأعبائها المنوطة بها والضغوط الدولية التي تفرضها بعض الدول والتقارير الحقوقية التي تصدرها وتحاول النيل بها من سمعة دول الخليج والبحرين منها باعتبارها من الدول المستقبلة للعمالة الأجنبية.
وأكد أن الجهد البحريني المبذول في مجال الحد من الجريمة وتداعياتها، هو واجب وطني لتقديم الشكر لكل من ساهم في تنمية وتطوير الدولة، معتبرا أن هذه الجريمة لا تمثل ظاهرة في المجتمع البحريني، وأن ما يرد بخصوصها في بعض التقارير الحقوقية الدولية، إضافة إلى أنه غير موضوعي، فإنه لا يعبر عن ممارسات ممنهجة أو منظمة من جانب الجهزة الرسمية بقدر ما هي ممارسات فردية يواجهها القانون بكل قوة.
وأضاف أن إدانة البحرين لجريمة الاتجار بالبشر ينبع من احترامها لمبادئ حقوق الإنسان، والتي ورد النص على ذلك في الميثاق الوطني والدستور، فضلا عن التشريعات القانونية المختلفة، حيث تعد المملكة الأولى خليجيا التي أقرت قانونا خاصا لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وهو القانون الذي لا يحاسب الجناة من الأفراد فحسب، وإنما الشخصيات الاعتبارية أيضا منى شركات أو مؤسسات أيضا إذا ما تورطت في الجريمة، مؤكدا أن المملكة انضمت لكافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية المعنية، وأنها تمضي قدما في بناء القدرات الوطنية القادرة على التعاطي مع أركان جريمة الاتجار للتمييز بينها وبين غيرها من القضايا، وأنها استطاعت نشر التوعية اللازمة بها وبسبل الحد منها، كما تتابع تنفيذ التوصيات والتوجيهات الواردة في الاتفاقيات والبروتوكولات ذات العلاقة.
وتابع قائلا أن للجنة دور مهم خلال عام 2014 بعد أن تم إقرار خطتها، خاصة الإعلامية، في مجال المكافحة، مشيرا إلى أن اللجنة قامت ترتيب زيارات لهيئة سوق العمل والنيابة العامة للاطلاع على كيفية التعامل مع القضايا، كما تنظم دورات تدريبية وتوعوية مع منظمة الهجرة العالمية، وتشارك في دورات تدريبية مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة، وتقدم عروض تعريفية خاصة باللجنة والأدوار التي تقوم بها، وبصدد تكثيف خطتها الإعلامية للتعاون مع الجهات المعنية والترويج لأنشطتها.
وأبرز أهمية التفكير جيدا في آليات غير تقليدية لتقديم يد المساعدة لضحايا الاتجار، من قبيل إيجاد قنوات اتصال بالمؤسسات التي تستقدم العمالة الأجنبية حتى تنهض بأسباب الرعاية المقدمة لهم في السكن والانتقال وغير ذلك، كما يمكن تقديم بعض المزايا التشجيعية في إرساء المناقصات للشركات التي تعطي أولوية واهتمام أكبر بعمالها، والعمل على تغطية العمالة السائبة أو ممن يعرفون بالفري فيزا بمظلة القوانين القائمة، وإشراك رجال الدين ومؤسسات التنشئة المختلفة في بث الثقافة والقيم الضرورية التي تمنع من الإخلال بحقوق العمال.
الجهود الحكومية الموازية
الملاحظة الثانية تتعلق بالجهود الموازية من جانب أجهزة الدولة المختلفة، الحكومية منها وغير الحكومية، لمكافحة تداعيات جريمة الاتجار بالبشر، وأشار إليها في ثنايا حديثهم كل من رئيس لجنة متابعة ضحايا الاتجار بالبشر فوزية الجيب والمحامي العام بالنيابة الكلية وائل بوعلاي وممثل شعبة الاتجار بالبشر بوزارة الداخلية المقدم عبد الوهاب راشد وممثلة وزارة التنمية الاجتماعية مروة كزبر أعضاء اللجنة، والذين أكدوا على عدة نقاط مهمة، أبرزها:
1 ـ أن الجريمة هي جريمة عالمية، ولا يقتصر وجودها على منطقة أو دولة فحسب، وإنما تشمل العالم كله، خاصة أن أرباحها تأتي في المرتبة الثالثة وربما الثانية بعد جرائم السلاح والمخدرات، الأمر الذي يكشف خطورة الجريمة التي تهدد التنمية وتزعزع الثقة في القوانين المحلية.
2 ـ أن البحرين لا يوجد بها هذه الجريمة بشكل منظم، ويقتصر وجودها على بعض الممارسات الفردية التي تكون في العادة خارجة عن الإرادة كإعلان إفلاس شركة ما مما يعوق صاحبها عن دفع الرواتب، أو هروب الخادمات، كما تنعدم فيها جرائم السخرة والعمل القسري واستغلال الأطفال أو النساء العمدي.
3 ـ تم إنشاء شعبة مختصة بمكافحة الاتجار بوزارة الداخلية عام 2007، وتُعنى بتلقي البلاغات سواء من مصادرها السرية أو الضحايا أو المعنيين ثم التحقيق فيها والإحالة للنيابة العامة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات، ولها عدد من الآليات والأدوات التي تمكنها من إداء المهام المنوطة بها على أكمل وجه.
4 ـ قدمت البحرين من التشريعات والإجراءات التنظيمية الضرورية للحد من الجريمة ومواجهة تداعياتها، بداية من مواد قانون العقوبات المختلفة وقانون الهجرة والجنسية وقانون العمل في القطاع الخاص وانتهاء بقانون مكافحة الاتجار ذاته عام 2008، حيث تقوم النيابة العامة في إطاره بالتحقيقات واتخاذ إجراءات القبض والتفتيش والأمر بالإيداع في دور الإيواء إن لزم الأمر وبالتعاون مع الجهات المختلفة.
5 ـ لم تدخر المملكة جهدا في إنشاء الدور التي تُعنى بتقييم ورصد ومتابعة مظاهر المشكلة المختلفة، وتقديم الرعايا المادية والصحية والنفسية والقانونية لضحايا الجريمة، وهناك العديد من المبادرات التي تتولاها وزارة التنمية الاجتماعية في هذا الشأن كالخطوط الساخنة ومراكز إيواء الأمان والكرامة وغير ذلك، والتي يستقبل بعضها ضحايا الجريمة من الوافدين.
وكانت الملاحظة الثالثة الخاصة بورشة العمل التي نظمتها الخارجية البحرينية حول مكافحة الاتجار بالبشر تتعلق بالأدوار التي يتعين على مؤسسات المجتمع المدني الوطني القيام بها للتوعية بمخاطر الجريمة والحد من تداعياتها، وذلك في إشارة لدور جمعية حماية العمال الوافدين، التي وجه إليها السفير عبد الله عبد اللطيف الشكر لجهودها الطوعية في مجال منع الجريمة وحماية ضحاياها الحقيقيين والمحتملين، داعيا الناشطين والمهتمين بالعمل التطوعي والأهلي البحريني إلى المشاركة معي مؤسسات الدولة المختلفة في الدفاع عن حقوق ضحايا الاتجار ورصد الانتهاكات والإبلاغ بها للجهات المسؤولة مع العمل بكل ما أوتوا من قوة وإمكانات، مادية تحديدا، لمساعدة الضحايا.
والمعروف أن لجنة حماية العمال الوافدين تقوم بالعديد من الأنشطة، منها توفير الإيواء لضحايا جريمة الاتجار والدفاع عنهم وتدريب الناشطين للتعرف عليهم والاتصال بسفاراتهم وتوفير الترجمة لهم في حال إحالتهم للقضاء.