العدد 4301 - الإثنين 16 يونيو 2014م الموافق 18 شعبان 1435هـ

(رسالة مواطن )... نعم الله ظاهرها و باطنها

أنعم الله علينا بالكثير و العظيم من النعم فقال في محكم كتابه العزيز "و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " النحل 18.

فكل إنسان على وجه المعمورة مغمورٌ في نعم الله مهما كان الوضع و الظرف الذي يعيشه بيد أن الانسان ظلوم كفار ؛ و للأسف الشديد بأن المشهور و المتعارف من النعم بين الناس و التي بسببها يتحاسدون ومن أجلها يتنافسون هي النعم المادية الدنيوية الملموسة.
فلو أمعنا النظر في ارض الواقع و سلطنا الضوء على الحياة و العرف السائد بين الناس لوجدنا و لمسنا بأن المال ، الجمال ، العقار ، السيارات و الأولاد و ما شاكلها من النعم هي التي تحتل المركز الأول في طموح معظم الناس و يُتغاضى عن الأمور الأخرى من النعم غير الملموسة .
و من السذاجة الدارجة بأن التفاخر و المشاكل يكون سببها غالباً النعم الظاهرة.و اصبح اهتمامنا و إدراكنا للنعم الباطنة محدود و بسيط.
فبات المجتمع يقيّم الأشخاص و يوزع صكوك السعادة لكل من يملك نعماً ظاهرةً و كلما زادت تلك النعم زادت السعادة و الراحة في الحياة و أصبح هذا هو المعتقد السائد؛ بينما يعتقد البعض بأن الفضل لهم و لجهودهم وحدهم فيما وصلوا اليه من نعم ظاهرة ناسين أو متناسين قوله تعالى :"أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)- سورة الواقعة -.
فكم من غارق في النعم المادية من أموال و أملاك و لكنه لا يعيش السعادة و لا يعرف طعمها و تصل به الظروف لإنهاء حياته و إزهاق روحه و حيث أن التاريخ مليئ بالعبر و الأمثلة فعلى سبيل المثال لا الحصرادلين فيرجينيا وولف الروائية الإنجليزية الشهيرة التي اصيبت بحالة إكتئاب في أواخر حياتها فقامت بملىء معطفها بالحجارة و من ثم رمت بنفسها في النهر .أما ليلى محمدرضا بهلوي – (ابنة شاه إيران) - "أنصح بقراءة قصتها" التي عانت من فقدان الشهية العصبي الذي دفعها لتناول جرعة كبيرة من الدواء حيث تنتهي حياتها في 2001 على سريرها في جناحها الخاص في فندق ليونارد في لندن "قيمة الليلة الواحدة 450 جنيها استرلينيا" .و هنا الممثل الأميركي بول ووكر الذي أسر الدنيا بجماله و ملك الملايين من الدولارات و العديد من القصور و الجاه و الشهرة و لكن لم يتجاوز الأربعين و انتهى كل شيء في حادث مروري لم ينجُ منه.
فلاتغرنكم أموالكم و لا أولادكم و لا الجاه الذي تملكون إن هي إلا نعم منّ الله سبحانه و تعالى عليكم بها لامتحانكم في هذه الدنيا و كم من غافل ستكون أمواله و عقاره والذهب الذي كنز هي سبب دخوله نار جهنم كما قال الباري في سورة التوبة 9 :(يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ )فتحولت تلك النعم الدنيوية لنقم اخروية .
أما المتذمرون أو المقدور عليهم رزقهم فعليهم بالرضا ففي بعض الأحيان تكون الحسابات إلهية ، فالخبرة و المؤهل و الفكر و الذكاء العقلي (الحسابات بشرية لتوزيع الرزق )تقف عند قوله تعالى :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ َ( - البقرة 155- وهنا يمحص المؤمن و يفتتن ، فكم من الناس يملك الكثير من النعم الظاهرة الملموسة أي ذكاء أو مؤهل علمي و بحساباتنا البشرية فمن المفترض بأنه لا يملك شيء ، و كم من الناس من المفترض بأنه يملك الكثير من النعم الظاهرة الملموسة بسبب فكره و خبرته و لكنه حقيقةً لا يملك إلا القليل من تلك النعم .
من زاويةٍ أخرى ، يقول المثل الإنجليزي المشهور :"العشب دائماً يبدو أكثر اخضراراً في الجانب الأخر " فالبعض من الناس يحسد و الآخر يغبط و بعضهم تضيق بهم الوسيعة بما رحبت عندما يرون من ظهرت عليهم النعمة و لا يدرون كيف تكون خاتمتهم ، فالبعض يسرق المرض سنواتهم الأخيرة و أخرون تنتهي حياتهم باكراً و هناك من يتعذب في كل لحظة بسبب الأمراض (البلاءات) النفسية الداخلية مثل الشك و الحسد و الطمع و ها نحن البشر لم نكتشف بعد وحدة لقياس الألم الناتج عن تلك الأمراض فلربما دقيقة عذاب تساوي عشرات السنوات من المتع التي مضت و لربما على رغم كل ما يملكون فإنهم يفتقدون القدرة على تذوق السعادة فتراهم يلهثون وراء الماديات طوال حياتهم .
فالطريق للسعادة الحقيقية يكمن في نعمة الرضا و القناعة ؛ فالحياة غنية بالأمثلة و الأدلة و البراهين على أن من توافرت فيه هاتان الصفتان يشعر بالراحة و الطمأنينة و لا سبيل الى الأخيريين إلا بالأوليين .
اللهم ارزقنا الرضا و قنعنا بما رزقتنا يا كريم .

منير الشهابي

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 8:12 ص

      الرضاء بما كتب الله لنا

      ليت كل الناس ترضي بما انعم الله عليها من نعم لما كان هذا حالنا في عالم الماديات الذي طقي عليه المظاهر في كل أمور الحياة من ملبس سيارة مدارس وغيره علي الرقم من اننا نعيش بكثير من النعم التي سهلها الله لنا وفضلنا علي الكثير من خلقه في بقاع العالم وان تعدوا نعم الله لاتحصوها.
      فالرضابماقسم الله لنا من رزق ونعمه يبعث ألواحه ويبعد الحسد عما كتب لغيرك فالإنسان يجب ان يجتهد بكلحسم لدار الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون.

    • زائر 8 | 5:23 ص

      نعم

      سبحان الله نحتاج لمثل هذه الكلمات الناس ما عادت تقنع بالقليل مثل اول مجاراة او تقليد او طبع في الانسان ..الحمدلله على كل نعمة كانت او هي كائنة تحياتي

    • زائر 7 | 3:22 ص

      بنت عليوي

      الحمد الله على كل حال

    • زائر 6 | 2:31 ص

      يارب

      ارزقني نعمة القناعة

    • زائر 4 | 12:24 ص

      ولكن...

      أين العبد الشكور القنوع الراضي بماكتبه الله له .. الحمد والشكر لك يا الله على النعم التي لاتحصى

    • زائر 3 | 12:20 ص

      رائع

      كلام في قمة الروعة اللهم ارزفنا الرضا بقضائك و قدرك

    • زائر 2 | 12:18 ص

      صح لسانك

      صح لسانك فهذا واقع معاش و خاتمته لا ريب فيها طال الزمن ام قصر و العاقبة للمتقين.

    • زائر 1 | 12:14 ص

      رااااااائع

      كلام كبير و جميل و رائع و يعالج مشكلة مستشرية في المجتمع و هو تقببم الشخصيات و السعادة بالماديات و بعض الناس يعتقد بان الخير الذي يعيشه بسببه و البعض يعتقد بان الفقر الذي يعيشه بسببه و ينسون بان هناك حسابات الهية شكرا ايها الكاتب و ارجو الاستمرار

اقرأ ايضاً