يقع معبر تورخام الحدودي الذي يربط شرق أفغانستان بجارتها باكستان في واحدة من أكثر المناطق أهمية في العالم بالنسبة لعمال الرعاية الصحية، فعلى مقربة من الحدود توجد واحدة من المناطق القليلة المتبقية في العالم التي يستوطن بها فيروس شلل الأطفال.
وفي حين إن أفغانستان تشهد حالات أقل من هذا المرض مقارنة بجارتها الأكبر منها بكثير، تواجه البلاد مهمة شاقة بسبب العدد الكبير للسكان غير المطعمين عبر الحدود في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية (FATA) في باكستان.
فمنذ بداية العام 2014، تم تسجيل ثلاث حالات شلل الأطفال في أفغانستان، بزيادة حالة واحدة عن الفترة نفسها من العام الماضي. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، تشير الروابط الجينية لجميع الحالات الثلاث إلى أن الأطفال الثلاثة قد أصيبوا عن طريق فيروسات تنتشر حالياً في باكستان.
وفي الأسبوع قبل الماضي وحده، تم تسجيل ست حالات جديدة لشلل الأطفال في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية وإقليم خيبر بختون خوا، وفقاً للمبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال، ليصل إجمالي عدد الحالات في باكستان هذا العام إلى 21 حالة.
وتشكل التضاريس الجبلية، وهي حدود مفتوحة يعبرها عشرات الآلاف يومياً، تحدياً كبيراً لمن يحاولون التأكد من تطعيم كل طفل دون سن الخامسة، وفقاً للمسئول الإعلامي لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، لكشيتيج جوشي.
وأفاد جوشي أن «هدفهم الرئيسي هو وأد التفشي المحتمل للمرض» في مهده»، وتضييق الخناق على العدوى عبر الحدود «لكي لا تنتشر، أو على نحو أكثر استباقية، للتأكد من وجود ما يكفي من المناعة في أفغانستان لمنع هذا الانتشار».
معبر تورخام
وهنا على الجانب الأفغاني من معبر تورخام، تعمل فرق التطعيم على مدار الساعة، حيث يتم توجيه الحمالين الصغار بدفع عربات تحمل النساء والأطفال عبر المدخل الرئيسي للمعبر الحدودي إلى غرفة صغيرة. ويتم إعطاء كل طفل تحت سن الخامسة قطرتين من اللقاح، ثم توضع علامة على إصبعهم لتأكيد تطعيمهم ثم يذهبون في حال سبيلهم.
وتشير أرقام منظمة الصحة العالمية إلى أنه يتم تطعيم 2.700 طفل في المعبر كل يوم.
وقالت أم لخمسة أطفال من جلال أباد لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): «تعي جميع العائلات هنا أن التطعيم جيد لصحة أطفالهم. أما أولئك الذين يعارضون ذلك فلا يعرفون فوائده. فلو عرفوا بفوائده، فلن يعارضوه». مع ذلك، شق رجل يحمل طفله طريقه خلال الصفوف رافضاً التطعيم.
نقطة ساخنة
وفي السنوات السابقة كانت أقاليم جنوب غرب البلاد المضطربة مثل هلمند وقندهار المناطق الرئيسية التي تثير القلق فيما يتعلق بمكافحة شلل الأطفال، وفقاً لتقرير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).
وبعد تسجيل 80 حالة على المستوى الوطني في العام 2011، تمت زيادة أعداد الموظفين وإدارة جلسات للتدريب وإطلاق حملات لمكافحة المرض.
وقد آتى هذا الاستثمار في الجنوب بثماره، وقال التقرير السنوي لعام 2013 لمسئول الاتصال الوطني لاستئصال شلل الأطفال (NFPPE): «رغم انعدام الأمن المستمر، نجحت أفغانستان في وقف انتقال فيروس شلل الأطفال في الأقاليم الجنوبية لما يقرب من سنة واحدة (نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2013) وفي الأقاليم الجنوبية الشرقية طوال 2013 وحتى الوقت الحاضر».
ولكن وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، في حين انخفضت النسبة المئوية للأطفال الذين يتعذر الوصول إليهم في الجنوب بنسبة 43 بالمئة، ارتفعت بنسبة 122 بالمئة في الشرق.
الوصول
وفي حين لا تزال هناك بعض التحديات، يقول عمال الصحة إن واحدة من أعظم النجاحات في شرق أفغانستان حتى الآن هي القدرة على الحفاظ على الحياد أو عدم تسييس برنامج التطعيم.
وقال جوشي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): «إن أهم إنجازات البرنامج بأكمله هو الجانب المتعلق بالحيادية، وهذه هي الطريقة التي مكّنتنا من الوصول إلى هذه المناطق (غير الآمنة)... فالطريقة التي استخدمناها للترويج لهذا البرنامج هو أنه فقط لأطفال أفغانستان. وليس هناك تمييز بين من ينتمي إلى حزب أو أيديولوجية ما، إنه برنامج يركز بشكل تام على صحة وعافية الأطفال».
مع ذلك، لا يزال شرق أفغانستان موطناً لعدد كبير من الجماعات المتشددة. فحركة طالبان الباكستانية، التي حظرت علناً التطعيم ضد شلل الأطفال في باكستان في العام 2012 رداً على مقتل المدنيين في هجمات الطائرات من دون طيار، تمتلك نفوذاً في العديد من المناطق.
ومع تحول ننكرهار إلى إقليم غير آمن بشكل متزايد، أصبح من المتعذر الوصول إلى العديد من المناطق حتى من قبل أولئك الذين يسكنون في الإقليم. وقال السكان الذين تحدثوا مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إنهم انتقلوا من قراهم في المناطق المجاورة إلى المدينة الرئيسية فيها، وهي جلال آباد، وذلك بسبب انعدام الأمن.
وقال أحد سكان آتشين، التي تقع على الحدود مع باكستان: «لا تذهب الحكومة حتى إلى هناك. لا توجد حكومة، كل ما يوجد هو طالبان وهؤلاء الناس (الجماعات المسلحة)».
وأضاف قائلاً: «حتى في قريتي لا توجد حكومة. كانت آمنة في السابق، ولكن الآن أتى المقاتلون الأجانب من الجبال».
وتعمل شبكة الاتصال الخاصة بالتطعيم في تسع من أصل 22 منطقة مع شيوخ وقادة المجتمع، حيث تشاركهم المعلومات وتشرح أهمية التطعيم ضد شلل الأطفال.
وقال جوشي إن «الوصول إلى المجتمع من خلال الحوار مع (مجالس الشورى) المحلية وأعضاء الشورى، قد أثبت نجاحه في تحقيق الدخول إلى المناطق التي تسبب المتاعب».
التهديدات
وأفادت التقارير أن تسعة من أقاليم البلاد الـ 34 شهدت العام الماضي زيادة بنسبة 40 بالمئة في الحوادث الأمنية المتعلقة بالمرافق الصحية العامة وموظفيها والمرضى.
ولكن، عكس ما يحدث في باكستان، حيث يتم استهداف واختطاف وقتل عمال التطعيم بشكل مستمر، قالت الفرق هنا لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إنها لم تتعرض لأي تهديد.
وقالت المنسقة الفرعية في وزارة الصحة العامة الأفغانية، رانا: «لقد عملت هنا لنحو خمس سنوات. ولم تكن لدينا أية مشاكل حتى الآن، لم تكن لدينا أي حوادث أمنية».
ورغم ذلك، فإن مقتل اثنين من عمال تطعيم شلل الأطفال في طريق عودتهم من حملة توعية في إقليم أوروزجان وسط أفغانستان العام الماضي يؤكد وجود المخاطر.
ورغم تزايد انعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد، انخفض عدد حالات شلل الأطفال، خلافاً لما يحدث في باكستان المجاورة. وأفادت «اليونيسف» أنه في العام الماضي تم تسجيل 14 حالة جديدة من شلل الأطفال في أفغانستان، مقارنة بـ 93 حالة في باكستان، رغم أن عدد سكان هذه الأخيرة يبلغ 182 مليوناً، وهو أكثر بكثير من أفغانستان التي يبلغ عدد سكانها 31 مليون نسمة. وفي العام 2012، تم تسجيل 37 حالة في أفغانستان مقابل 58 حالة في باكستان.
والآن، ومع إطلاق حملات مكافحة شلل الأطفال كل ستة أسابيع، وتواجد فرق التطعيم بشكل دائم في تورخام، يأمل العاملون في مجال الرعاية الصحية هنا في وقف انتقال الفيروس في أفغانستان بحلول نهاية هذا العام.
العدد 4360 - الخميس 14 أغسطس 2014م الموافق 18 شوال 1435هـ