مثلت المراسيم الملكية الصادرة يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر/أيلول 2014 بإلغاء المحافظة الوسطى وبلديتها وتعديل الدوائر الانتخابية ودعوة الناخبين إلى الترشح والانتخاب لعضوية مجلس النواب، مثلت استجابة ملكية سريعة لما توصلت اليه الأطراف السياسية وما دعمته شخصيات المجتمع من قواسم مشتركة، وجاءت لتؤكد إيمان القيادة السياسية بأهمية المشاركة الشعبية وبمبدأ التوافق كمبدأ لم تحد عنه البحرين أبدًا، كما شكلت نموذجا فريدًا انتهجته المملكة خطا ومسارا لها في تبني النهج الديمقراطي.
لعل أكثر ما يبرهن على هذا المعنى أن المراسيم السامية الأخيرة هي تعبير صادق عن الخطاب الذي رفعه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لرئيس الوزراء، لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة منتصف الشهر الجاري يطلع جلالته فيه على نتائج الاجتماعات الثنائية التي تمت مع جميع الأطراف السياسية لاستكمال حوار التوافق الوطني حول المحور السياسي، وانعكاسا للرد الملكي الذي أشاد بنجاح سمو ولي العهد في جمع الكلمة ووحدة الصف وتقريب وجهات النظر، وصولاً إلى قواسم مشتركةٍ بين الأطراف المتحاورة.
وواقع الأمر أن المراسيم الملكية وضعت نتائج جولات الحوار الوطني الأخيرة موضع التنفيذ، وهو ما يعد أكبر دليل على احترام جلالة الملك لما يتوافق عليه الشعب بجميع أطيافه، وترجمة صادقة على أن البحرين جادة في مواصلة طريق الإصلاح، وحريصة كل الحرص على تنفيذ ما تم التوصل إليه من نقاشات وحوارات مستفيضة، وهو التزام أكده جلالة الملك منذ دعا إلى حوار التوافق الوطني في أوائل يونيو/حزيران 2011.
كما يؤكد هذا الالتزام الثابت إيمان جلالة الملك العميق بأهمية الحوار الوطني في دفع مسيرة الإصلاح والتطوير الشامل التي اختطها جلالته، وأن المشروع الإصلاحي لم ولن يتوقف بل هو سائر وفق معطيات ومتطلبات خصوصية الديمقراطية البحرينية وبما يهدف إلى تعزيز مشاركة المجتمع في التشريع والرقابة.
وقد جاء تأكيد القيادة السياسية على تنفيذ مخرجات المحور السياسي في استكمال حوار التوافق الوطني مقرونًا بترسيخ مبدأ مهم جدًا، وهو أن ذلك سيتم عبر القنوات الدستورية، فاحترام دولة الدستور والقانون باعتباره أحد أهم معايير الانتماء إلى العصر الحديث يؤكد إصرار البحرين على السير في الطريق الصحيح نحو الإصلاح والتحديث والتطوير.
لا شك أن القواسم المشتركة التي كان قد أعلن عنها سمو ولي العهد قد تجسدت واضحة في المراسيم السامية، وتصب جميعها في صالح المشروع الإصلاحي البحريني، فما تم في ملف تعديلات الدوائر الانتخابية يصب في اتجاه تعزيز الديمقراطية، فتعديل الدوائر إجراء تقوم به الدول الديمقراطية بين فترة وأخرى كلما اقتضت الحاجة لضمان التمثيل العادل والمتوازن للمواطنين في المجلس النيابي، وتعزيز استقلالية جهاز الإشراف على الانتخابات أمر بديهي ومطلوب ويأتي في إطار جهود البحرين لتعزيز الشفافية، وهو الأمر ذاته فيما يتعلق بالسلطة التشريعية وغير ذلك من دلالات حملتها المراسيم السامية التي حملت في الحقيقة آمالا جديدة للمواطنين وعبرت عن رغباتهم، وهو ما يؤكد أن البحرين على أعتاب مرحلة جديدة من الإصلاح والتحديث تطال كافة مناحي الحياة ويستفيد منها المواطنون كافة.
إن المراسيم الملكية الأخيرة والقواسم المشتركة للحوار الوطني وتأييد ممثلي العوائل البحرينية وشخصيات المجتمع لها يؤكد على أهمية أن ينحو الجميع باتجاه المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية المقبلة للفصل التشريعي الرابع، بعد تأكيد سمو ولي العهد على أنه سيتم عرض ما يتطلب من مخرجات الحوار الوطني في شقه السياسي على مجلس النواب المقبل، وما يؤشر عليه ذلك من الأهمية الكبرى للمشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة ترشحًا وانتخابًا، فمجلس النواب المقبل سيناط به مسؤولية وطنية كبرى تتمثل في وضع مخرجات الحوار الوطني في شقه السياسي موضع التنفيذ، ولذا فإن جميع المواطنين مطالبون بأن يشاركوا في الانتخابات المقبلة ويختاروا النواب الأقدر على القيام بهذه المسؤولية الوطنية الكبيرة.
إن ما صدر من مراسيم سامية استنادا إلى ما تحقق من نجاحات في الحوار الوطني ومباركة القيادة السياسية لها وعلى رأسها جلالة الملك، ولقاء ولي العهد بممثلي العوائل ووجهاء المجتمع، يضع الجميع أمام مسؤوليتهم الوطنية في أهمية التحفيز على المشاركة بكثافة في الاستحقاق الانتخابي المحدد له يوم السبت الموافق 22 نوفمبر المقبل، لما لذلك من أهمية في دفع المسيرة الديمقراطية واستكمال ما تم بناؤه خلال ثلاثة فصول تشريعية سابقة. ولعل تأييد شخصيات المجتمع للمشاركة الفاعلة في الانتخابات القادمة هو خطوة هامة في هذا الصدد وإعلان عن استمرارهم في أداء دورهم الوطني في تعزيز المسيرة الديمقراطية وهو ما كان محل ثناء جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد.
إن على جميع أبناء الوطن التعاطي البناء مع المبادرات الصادقة والهادفة من جانب القيادة السياسية والتي بلا شك تسهم في تطوير التجربة الديمقراطية، فالوطن اليوم هو بأشد الحاجة إلى تضافر أبنائه وتوحيد الصفوف، فكما أن الفرص الواعدة عديدة فإن التحديات أيضًا عديدة وتحتاج من الجميع أن يكونوا على مستوى هذه التحديات.