قال مدير مؤسسة سمير قصير في بيروت وعضو في الهيئة التنفيذية في حركة التجدد الديمقراطي أيمن محنا، في مقال له بعنوان "السياسة المختلة"، نشره موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن القادة اللبنانيون يتجاهلون المشاكل الأساسية التي تعاني منها البلاد أملاً في أن تتقدّم المفاوضات بين الجهات الإقليمية الراعية للأفرقاء السياسيين اللبنانيين، بما يؤدّي إلى الحد من التشنجات السياسية وإيجاد حل سحري لكل المسائل العالقة.
من شأن مثل هذه الصفقة أن تقود إلى انتخاب رئيس، لكنها لن تساهم في سد العجز المتنامي في الموازنة ولا في إيجاد مخرج للمأزق السياسي ومواجهة التحديات الكثيرة التي يتسبّب بها وجود أكتر من 1.1 مليون لاجئ سوري مسجّل في لبنان.
وفيما يأتي نص المقال:
ربما توصّل الأفرقاء السياسيون المتخاصمون في لبنان وأخيراً إلى إجماع حول مسألتين استقطبتا الكثير من الاهتمام خلال الأعوام الثلاثة الماضية: سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام وإدارة أزمة اللاجئين السوريين. بيد أن الآليات والظروف التي قادت إلى الإجماع تعبّر عن مختلف أوجه الخلل التي يعاني منها الحكم في لبنان اليوم.
في 6 سبتمبر/ أيلول 2012، وافق مجلس الوزراء اللبناني برئاسة نجيب ميقاتي، على مشروع قانون لزيادة رواتب موظّفي القطاع العام. لكن المداولات تعثّرت في مجلس النواب بسبب غياب الاتفاق حول آلية تمويل مشروع القانون - الذي قُدِّرت كلفته في البداية بـ1.9 مليار دولار. فردّ موظفو الخدمة المدنية ونقابات المعلمين بتنظيم تظاهرات حاشدة وإضرابات ومقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية. ومن أجل إتاحة المجال أمام طلاب الصفوف الثانوية للالتحاق بالجامعات، اتّخذ وزير التربية إجراء مؤقتاً بإصدار إفادات لجميع الطلاب الذين خضعوا للامتحانات الرسمية.
لكن فجأة، خرج الأفرقاء السياسيون الذين لطالما تصادموا حول المسألة ليعلنوا في منتصف/أيلول سبتمبر الماضي عن التوصل إلى اتفاق لإقرار مشروع القانون معدّلاً. إلا أن هذا الإجراء لم يأتِ تجاوباً مع الهموم الاجتماعية للمواطنين؛ بل كان الثمن الذي يجب دفعه من أجل تمديد ولاية مجلس النواب مرّة جديدة. وقد ربط رئيس المجلس نبيه بري التمديد باستئناف النشاط التشريعي، بيد أن فريق 14 آذار/مارس بقيادة تيار المستقبل السنّي، والذي سعى إلى إرجاء الانتخابات البرلمانية، اضطُرّ إلى التخلّي عن معارضته المعلنة للتشريع في ظل الفراغ الرئاسي.
التخبّط السياسي هو أيضاً عنوان الأسلوب الذي تتعامل به الحكومة اللبنانية مع أزمة اللاجئين السوريين. فقد انقضى عامان قبل أن يباشر المعنيون في لبنان مناقشة مقاربة منسّقة للتعاطي مع هذه الأزمة، وذلك بدافع من الصدامات الأخيرة بين الجيش والمقاتلين الإسلاميين في عرسال، والتي أعقبها خطف 30 جندياً لبنانياً وإعدام ثلاثة منهم لاحقاً. كان الاقتراح الأول نقل أكثر من مئة ألف لاجئ في عرسال إلى منطقة أخرى. هذه الخطة جديرة بالتنويه نظرياً، لكنها تفتقر إلى آليات التطبيق العملية، وإذا أديرت بطريقة سيئة، قد يؤدّي ذلك إلى تعميق المشاكل بين الجيش اللبناني واللاجئين، مع كل مايترتّب عن ذلك من تداعيات أمنية خطيرة.
يُقدّم السجال حول سلسلة الرتب والرواتب وطريقة التعاطي مع تداعيات الحرب السورية مثالَين أساسيين عن فشل الحكومة اللبنانية في التخطيط للأمام. فالسياسات الكبرى التي من شأنها أن تؤثّر في حياة اللبنانيين والسوريين لعقود طويلة، تُقرَّر على عجل، إما لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة النظر أو رداً على مستجدات دراماتيكية. في حين نجحت الطبقة السياسية اللبنانية حتى الآن في تجنّب انهيار تام للوضع الأمني والاقتصادي في لبنان، ليس أسلوبها في إدارة السياسة قابلاً للاستدامة. فالقادة اللبنانيون يتجاهلون المشاكل الأساسية التي تعاني منها البلاد أملاً في أن تتقدّم المفاوضات بين الجهات الإقليمية الراعية للأفرقاء السياسيين اللبنانيين، بما يؤدّي إلى الحد من التشنجات السياسية وإيجاد حل سحري لكل المسائل العالقة. من شأن مثل هذه الصفقة أن تقود إلى انتخاب رئيس، لكنها لن تساهم في سد العجز المتنامي في الموازنة ولا في إيجاد مخرج للمأزق السياسي ومواجهة التحديات الكثيرة التي يتسبّب بها وجود أكتر من 1.1 مليون لاجئ سوري مسجّل في لبنان