عادة ما يبدأ الإعداد والاستعداد لموسم الحج قبل موعده بأشهر عديدة، حملات معروفة تُقفل أبواب التسجيل للالتحاق بها مبكرًا جدًّا نتيجة الإقبال الشديد عليها، خصوصًا مع تحديد عدد معين من الحجاج لكل حملة، كما في السنوات الأخيرة، وفي هذه السنة تفاجأت الحملات وكذلك تفاجأ الحجاج، بتحديد مجحف لعددهم بأن لا تتجاوز كل حملة 70 حاجًّا!

وقد صدر الأمر بعد أن سجَّل الحجاج أسماءهم ودفعوا تكاليف الرحلة، وهذا ما سبًّب موجةً من القلق بينهم، خصوصًا ممن كان منهم صرورة (يحج لأول مرَّة)، وقد يكون من أولئك الذين لم يتمكنوا من دفع التكاليف إلا بشق الأنفس لارتفاعها الملحوظ!

كثير من الحملات طمئنت حجاجها بأن أمورهم ستسير على ما يرام، بينما سمعنا من بعض الحملات إنهم أعادوا المبالغ التي استُلمت من بعض حجاجها مع الاعتذار لهم عن عدم امكان إلحاقهم بالحملة، وهو ما قد رفع رسوم التسجيل على الباقين.

ومع توافد الحجاج على الأراضي السعودية، انصدم كثير منهم بإعادتهم للبحرين وعدم السماح لهم بالدخول لمكة المكرمة لعدم حصولهم على رخصة رسمية للحج، وهو ما سبب امتعاض الكثيرين منهم وأدَّى للتصادم بينهم وبين أصحاب الحملات، آخرون دخلوا مكة المكرمة بطرق غير قانونية -بعضهم تعرض للاعتقال- عبر الدخول من منافذ مكة الموزعة ولكن ليس كحجاج محرمين، وهو أيضًا ما سبب مشقة للحاج وأدى للتصادم كذلك مع أصحاب الحملات..

المثير أن الكثير من هؤلاء الحجاج كانوا قد دفعوا مبالغ كبيرة وصلت لأف وخمسمائة دينارًا، على اعتبار أن تلك الحملات مرخصة وسيضمنون معها دخولًا مريحًا لأرض مكة وأداءًا شرعيًا لمناسك حجهم!

كل ما ذكرتُه ليس أكثر من مدخل لأمر أثار حيرتي واستغرابي، وربما جعلني في بعض الوقت استشعر وجود مخادعة مشرعنة!

وصول الحجاج مكة المكرمة بعد أن خلعوا إحرامهم وارتدوا المخيط وهو ما يعد مخالفة شرعية لشروط الدخول إلى مكة تستوجب دفع كفارة، وهذا ما دفع  الكثير منهم لمحاسبة المسئولين من أصحاب الحملات.

الغريب أن الكثير من هذه الحملات لم تتمكن من امتصاص حالة الغضب التي اعترت حجاجها، واكتفى مسئولون في الحملات بمحاولات إسكات المحتجين بشرعنة جديدة عنوانها:(لا رفث ولا فسوق في الحج)!

لا يمكن أن يستهين أحد بالقواعد والقوانين التي وضعها صاحب البيت لزواره، وهو هنا الله سبحانه وتعالى لحجاج بيته، لكن ألا يجب أن تراعى كل القواعد والقوانين لعملية الدخول تلك، كل القوانين بلا استثناء؟ ومن ضمنها أن يدخل الحاج لأرض مكة دون مراوغة ولا كذب؟!

وفي حالة أن خرجت الأمور عن السيطرة لسبب أو لآخر، أفلا يجب حينها أن يكون أصحاب الحملات شفافين في تعاملاتهم مع الحجاج؟ كأن يوضع كل حاج في الصورة فيُعرَّف بالتعقيدات التي من الممكن أن تواجهه؟

كثير من الحملات ألقت بمسئولية ما جرى على البعثة البحرينية للحج، والتي ادَّعوا أنها وعدتهم بإدخال كل الحجاج الذين أمَّنت الحملة عليهم - مع علمها بتجاوز العدد المسموح لكل حملة- وهو ما لم توفِ به البعثة، وكان حري بصاحب كل حملة أن يصارح الحجاج بما استجد مع البعثة البحرينية قبل أن يشدوا الرحال إلى الديار المقدَّسة.

لا رفث ولا فسوق في الحج، هل يعني أن يستشعر الإنسان أنه خُدِع وهو حاج لبيت الله فيصمت؟!

لا رفث ولا فسوق في الحج هل يعني أن تُمنع الأسئلة وتحاصر الاستيضاحات؟!

لا رفث ولا فسوق في الحج هل يعني أن يُظلم ذلك الإنسان الذي كان يحلم كثيرًا بالوصول إلى مكة حاجًّا، فيقبل الظلم دون أن يحاول رفعه عن نفسه، ولو بنقاش واضح مع المسئول...مسئول الحملة التي اختارها أو المسئول في البعثة البحرينية للحج؟

أقول..

إنَّ من حقِّ كل حاجٍّ تعرَّض لما تعرَّض له من مشاق، أن يحاسب المسئول على تلك المشقة، وإلا فصمت حجاج هذا العام عن ما حصل من تجاوزات، لا يبعد أن يكون مقدمة لمشقة حجاج الأعوام المقبلة؛ فمن أمن العقوبة أساء الأدب.

من المؤسف للإنسان وهو مهاجر لله، شادٌّ للرحال في رحلة عبادية، أن يشعر بنفسه صفقة تجارية عند البعض، وعبأ يحاول أن يتخلص منه البعض الآخر، رغم استيفائه لكل الشروط الشرعية والقانونية التي بذل من أجلها ماله وجهده حتى يتم مناسك حجه على أكمل وجه.

من المؤسف ان يكون النهي عن الرفث والفسوق متوجهًا للأطراف التي ظُلمت وخُدعت ليُرفع به الحرج عن الأطراف التي تعهدت فلم تف وإن كانت الأسباب خارجة عن إرادتهم كما يدَّعون!

إن القواعد وضعت ليلتزم بها الجميع دون انتقاء ولا محاباة ولا استغلال، ومتى ما كانت تلك القواعد أداة لظلم إنسان ففي تطبيقها خلل وجب علاجه.

إيمان الحبيشي