تلعب القطاعات الاقتصادية الرئيسية أدواراً متكاملة تارة ومتقاطعة تارة أخرى تبعا لاختلاف الظروف المالية والاقتصادية لدى دول المنطقة، ويحتاج القطاع العقاري بشكل خاص إلى ظروف أكثر استقراراً وأكثر يقينا بالتطورات الحالية والقادمة لينمو وينتعش وتتنوع مخرجاته، لتلبي كافة انواع الطلب في الوقت المناسب، ونظرا لحساسية القطاع العقاري للتقلبات المالية والاقتصادية وخطط الدول التنموية وجدوى الخطط الحكومية في الاستهداف والاستقطاب، فإن القطاع العقاري يحتاج إلى مستويات نمو مستقرة لدى كافة القطاعات ليواصل نموه، ويتطلب تواصل المشاريع العقارية على اختلافها قنوات تمويل دائمة تكون قادرة على ضخ السيولة في الزمان والمكان المناسبين، كما يتطلب انتعاش السوق العقاري ضمان نمو وتيرة النشاط التجاري والصناعي كونها أحد أهم مدخلات الطلب على المنتجات العقارية، وبالتالي فإن نمو القطاع العقاري يحتاج إلى حاضنة مالية مستقرة وقطاعات اقتصادية نشطة ومشاريع حكومية شاملة وقطاع مصرفي قوي وداعم.
ويشير التقرير العقاري الأسبوعي لشركة المزايا القابضة إلى أن المؤشرات التي تحيط بالقطاع العقاري خلال العام الحالي تعكس وجود تحديات قد تحد من معدلات النمو على عدد وحجم المشاريع وتعمل على خفض الانفاق وتراجع وتيرة النشاط الاستثماري لدى القطاع العقاري، وذلك نظرا لحالة الارتباط بين حجم الانفاق من القطاع الخاص والحكومي وبين أنشطة الاستثمار لدى القطاع العقاري، ومن المتوقع أن يكون تأثير استمرار الانفاق الحكومي على المشاريع العقارية أقل تأثيرا نظرا لطبيعة العلاقة التي تربط النشاط العقاري والانفاق الحكومي والتي تأخذ صفة التأثير الايجابي غير المباشر، فيما ترجح التوقعات أن يتأثر القطاع العقاري بقرارات الاستثمار من قبل القطاع الخاص والذي يقوم بالاستثمار بالمشاريع العقارية على اختلاف أنواعها مع الاخذ بعين الاعتبار أن قرارات القطاع الخاص غالبا ما تقوم على الحساب الدقيق للمخاطر والعوائد وتوقعات السوق والكلف وسنوات الاسترداد ومعدلات الطلب الحالية والمتوقع، وبالتالي ستخضع كافة المشاريع خلال العام الحالي إلى حزمة من المعايير والمقاييس التي تتناسب وطبيعة الفترة والتي يصعب فيها التنبؤ والتخطيط على مستوى القطاع العقاري بشكل خاص وكافة القطاعات الاقتصادية بشكل عام.
ويقول تقرير المزايا أن هناك فرق كبير بين الازمة المالية وتداعياتها وبين تراجع أسعار النفط وانخفاض العوائد، ذلك أن الازمة المالية تضرب قطاعات بعينها دون تحديد حجم الآثار السلبية والفترة الزمنية اللازمة لتجاوزها، بالإضافة إلى عدم السيطرة على نتائجها المباشرة وغير المباشرة على اقتصاديات الدول ومنها دول المنطقة، في حين يساهم تراجع أسعار النفط وعوائده في الدفع باتجاه ترشيد الانفاق والاستهلاك ومراجعة خطط التنمية والمشروعات وفق الاولويات التنموية، بالإضافة إلى تأثيراتها الايجابية على إعادة التصحيح على الاسعار السائدة على كافة المنتجات والسلع المتداولة وإبقائها ضمن الاسعار العادلة، وبالتالي فإن قدرة الدول النفطية في المنطقة على التعامل مع الظروف الحالية مرتفع ويمكن تأكيده من خلال خطط الانفاق والموازنات التي بقيت ضمن حدودها في الاعوام السابقة، الأمر الذي يعطي مزيدا من الطمأنينة للقطاعات الاقتصادية الرئيسية لمواصلة نموها وإنتاجها.
ويؤكد تقرير المزايا على أن القطاع المصرفي سيطلع بدورا هاما خلال العام الحالي على مستوى الحفاظ على سيولة القطاع العقاري ومعدلات نموه، فيما سيكون للسيولة القادمة من القطاع المصرفي أهمية كبيرة على استقرار القطاع والحفاظ على مكتسباته، وسيلعب القطاع المصرفي دورا مكملا وموازيا للدور الحكومي على مشاريع التنمية الجاري تنفيذها وتلك التي تقع ضمن الخطط الواجب تنفيذها خلال العام الحالي على مستوى قطاع الانشاءات والتعمير، فيما سيكون له دورا رئيسيا في دعم المشاريع العقارية ذات الابعاد التنموية، بالإضافة إلى المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية المرتفعة وفي مقدمتها المشاريع العقارية التي تستهدف القطاع السكني والمخصصة للمستخدم النهائي، وسيكون للمشاريع ذات العلاقة بقطاع الضيافة نصيب جيد من سيولة القطاع المصرفي نظرا لوجود طلب خارجي لا بد من استهدافه كونه يدخل ضمن خطط الدول النفطية في تنويع مصادر الدخل ورفع الناتج المحلي غير النفطي خلال فترة تراجع عوائد النفط بشكل خاص، وسيكون للفرص الاستثمارية التي يفرزها القطاع الصناعي تأثير مباشر لزيادة دور القطاع المصرفي في دعم استقرار ونمو الانشطة التجارية والتي ستؤدي في المحصلة إلى دعم تنويع مصادر الدخل ايضا.
وتشير نتائج الاداء التي حققها القطاع المصرفي الخليجي في نهاية العام 2014، إلى قدرة هذا القطاع على لعب دور هام في الحفاظ على وتيرة النشاط المالي والاقتصادي ودعم كافة الانشطة الاستثمارية والتجارية والصناعية عند هذا المستوى من السيولة والمراكز المالية القوية وانخفاض نسب التعثر، وتشير البيانات المتداولة إلى نجاح القطاع المصرفي في تحقيق زيادة على صافي الارباح ونجاحه ايضا في توسيع محافظ القروض وتحسن جودة الاصول المحمولة من استثمارات وتسهيلات متنوعة، وفي السياق فقد استطاعت المصارف السعودية من زيادة صافي ارباحها بنسبة 10% خلال العام 2014، مقارنة بالأرباح المحققة في نهاية العام 2014، لتتجاوز بذلك حاجز 40مليار ريال، يأتي ذلك في الوقت الذي حقق فيه القطاع المصرفي العربي نموا بنسبة تجاوزت 10% في نهاية العام 2014، فيما تشير التوقعات إلى أن تحقق المصارف العربية نموا على أرباحها بنسبة تصل إلى 15%، كما تشير التوقعات بأن تحقق البنوك الاماراتية نسبة نمو تصل إلى 24% عن العام الماضي مع احتفاظ القطاع بمعدل مرونة مرتفع نظرا لانخفاض اعتماد غالبية البنوك في الامارات على الودائع الحكومية، ويتوقع أيضا أن ترتفع الارباح الصافية للمصارف الكويتية بنسبة 25%، هذا واستطاعت البنوك القطرية من تحقيق أرباح مجمعة وصلت إلى13 مليار ريال بنهاية التسعة أشهر الاولى من العام 2014، في حين تسارعت نسب النمو على الارباح للمصارف الخليجية خلال التسعة الاشهر الاولى من العام الماضي لتصل الى 22%.
وأشار تقرير المزايا إلى أن المؤشرات المتداولة تعزز فرضية استمرار وتيرة النشاط للقطاع المصرفي الخليجي على مستوى الارباح الصافية وارتفاع قيم الاصول ومحافظ القروض وتواصل ضخ المزيد من السيولة على الفرص الاستثمارية الواعدة والمخاطر المنخفضة، فيما ستكون الاولوية للمشاريع ذات السيولة والارباح الجيدة، في المقابل بات واضحا أن تتجه المصارف إلى رفع مستويات الاقراض لديها معتمدة بذلك على معدلات النمو الاقتصادي المتوقع ومستويات الثقة السائدة خلال العام 2015، يأتي ذلك في الوقت الذي تتوقع فيه وكالة التصنيف الائتماني "موديز" أن يواصل القطاع المصرفي الخليجي اداءه القوي خلال العام الحالي تبعا للمؤشرات المؤكدة ذات العلاقة باستمرار الانفاق الحكومي على الرغم من تراجع العوائد النفطية، وفي السياق فقد ثبتت وكالة موديز نظرتها المستقرة للقطاع المصرفي الخليجي خلال 2015 مع أداء تشغيلي قوي مع تحسن على جودة الاصول المملوكة للبنوك الخليجية بدعم مباشر من التحسن المسجل على القطاع العقاري، مع توقعات بأن ينمو الاقراض المصرفي بنسبة 10%، هذا وكانت الوكالة قد دعت المصارف إلى الابتعاد عن التركيز في الاقراض على قطاعات محددة تفاديا للدخول في مخاطر الائتمان.
ونوه التقرير إلى أن المشاريع العقارية والمشاريع الانشائية الجاري ستتواصل لدى دول المنقطة خلال العام الحالي، الامر الذي يحتاج إلى قنوات تمويل تتمتع بالسيولة المناسبة والقدرة على الاستفادة من الفرص القائمة، يذكر أن القيمة الاجمالية للمشاريع الانشائية الجاري تنفيذها لدى دولة الامارات العربية المتحدة تقدر بـ 315مليار درهم بحلول العام 2020، يأتي ذلك في ظل انتعاش قطاع البناء والتشييد بقوة مستفيدا من مشروعات ضخمة وارتفاع الاتفاق على البنى التحتية، ولفت التقرير الى توقعات ارتفاع الانفاق على مشاريع التنمية في السعودية خلال العام 2015، مدعومة بتحسن الحرية الاقتصادية لدى المملكة العربية السعودية وتطور النظام الضريبي، يذكر ان قيمة مشاريع البنية التحتية المخطط لها حتى العام 2030، لدى دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ 2.5 تريليون دولار، الامر الذي يعكس حجم مشاريع الانشاء والتعمير وحجم الفرص المتاحة، وبالتالي لا يمكن للمصارف العاملة من التوقف عند هذا المستوى من النشاط وبات لزاما عليها تطوير أدواتها الاستثمارية وأدوات استغلال الفرص الاستثمارية وفق أعلى المعايير المصرفية المعمول بها، ويؤكد التقرير على أن انخفاض العوائد سيضيف انواعا من المخاطر المصاحبة للاستثمار المباشر، الامر الذي سيعتمد على قدرة المصارف من تحمل هذه المخاطر والتي تختلف من سوق إلى آخر ومن دولة إلى أخرى من دولة المنطقة، إلا أن القاسم المشترك بين دول المنطقة الرغبة والقدرة في مواصلة مشاريع التنمية وإصرار القطاع الخاص على خوض التحديات وقطف ثمارها في نهاية المطاف.