العدد 4577 - الخميس 19 مارس 2015م الموافق 28 جمادى الأولى 1436هـ

إنقاذ الواحات المغربية

القفار أمامكم والفيافي وراءكم، وليس لكم إلا التأقلم مع قساوة الطبيعة والهشاشة الاجتماعية وضنك العيش. ذلك أقرب تعبير يلخص مشهد الواحات المغربية.

جمال الواحات في المغرب لم يعد يشفع بها كي تبقى متربعة على عرش المشهد الطبيعي، فهي في تقهقر وأفول يزحفان على مختلف معالمها.

الواحات المغربية درع منيع أمام التصحر. وهي تختزن تنوعاً بيولوجياً فريداً رائعاً، وتحفظ الحياة الاجتماعية العريقة، وتوفر نتاجاً زراعياً مهماً. ويقدر عدد سكانها بنحو مليوني نسمة، أي 5,3 في المئة من سكان البلاد.

تقدر مساحة الواحات المغربية الموجودة على مشارف الصحراء بنحو 115 ألف كيلومتر مربع في أربع مجموعات كبرى تشمل: الواحات الواقعة جنوب سوس ماسة درعة، وجنوب الأطلس الصغير، وواحات طاطا، وواحات وادي درعة (ورزازات، زاكورة، فم أزكبد، أكدز، دادس)، وواحات حوض زيز (الرشيدية، مولاي علي الشريف، تنجداد، كلميمة)، وواحة فكيك. وهي تُصنّف مناطق جافة، نسبة تساقطاتها المطرية ضعيفة، مما يجعل مواردها المائية المحلية لا تتجدد إلا بشكل استثنائي. وتتكون الموارد المائية للواحات من المياه السطحية الآتية من الجبال البعيدة، فضلاً عن المياه الجوفية في الوديان التي تتأثر بالعوامل المناخية.

هموم إلى الإعلام

خمس سيارات رباعية الدفع عبرت شريط الواحات من سلسلة الأطلس الصغير إلى الحدود المغربية الجزائرية، تضم مجموعة من الإعلاميين رصدوا عدداً من المشاهد المحزنة وعاينوا حديث الأهالي عن المآل والمستقبل. تلك المناطق لم تعد منسية كلياً، بعد انطلاق مبادرة الوزارة المنتدبة للبيئة لدى وزير الطاقة والمعادن والبيئة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في إطار المرحلة الثانية من البرنامج الإفريقي للتكيف مع التغيرات المناخية.

وأكد مستشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ياسر العبدلاوي، أن الواحات هي ضمن اهتمامات البرنامج منذ 2005، حيث خصص لها 30 مليون دولار بغية إعادة إحيائها، لأن اندثارها خسارة تاريخية وحضارية. وأكد على ضرورة رصد أوضاع الواحات وإدماج بُعد التغير المناخي في المخططات الاستراتيجية للتخفيف من آثاره الشديدة على حياة السكان المحليين.

أين التماسيح؟ وأين الناس؟

الوضع المقلق جداً، من جراء الجفاف والتصحر، أدى إلى تلف العديد من أشجار النخيل وتراجع منسوب المياه الجوفية وانجراف التربة الناتج عن فيضانات الأدوية التي تجرف المزروعات على الضفاف. وهذا حدا ببعض السكان إلى الهجرة، بل الفرار أحياناً، نحو المدن.

ولعل واحة «تانزيضا» أسوأ نموذج لوضع الواحات في المغرب، حيث باتت مقبرة للنخيل والمواشي النافقة، ولم يعد يقطن فيها سوى خمس أسر بعدما كانت تنبض بالحياة وتتوهج بخيرات حقولها ونخيلها. وحشة المكان شديدة، وأطلال العمران محزنة، وقيظ المكان خانق. اصطف شيوخ الأسر المتبقية منتظرين الزوار ـ نحن الإعلاميين ـ لعل بشائر الفرج تأتي من خلال إبراز مآسيهم في وسائل الإعلام.

في مدخل القرية، التي يعود أقدم عمرانها إلى عهد المرابطين في القرن الحادي عشر، وتحت لهيب الشمس، سرَّع الوفد الإعلامي الخطى مترجلاً من السيارات المكيفة نحو بقايا نخيل للتفيؤ بظلالها العنيدة.

يتذكر الأهالي أن منطقتهم كانت تختال بين ست عيون ماء على ضفة نهر تمنار. وقال الشيخ محمد، أحد سكان الواحة: «قبل خمسين سنة كان هذا الوادي يضم عدة تماسيح شاهدتها بأم عيني». لكن على مدى السنوات المتوالية أخذت العيون تجف واحدة تلو الأخرى، حتى جفت آخر عين قبل سنتين، وغارت تحت طمي تراب النهر بعمق مترين.

وأشار رئيس جماعة فم الحصن أودور محمد، إلى أن «هذه المنطقة هي في عمق تاريخ المغرب، وسكانها مرتبطون بأرضهم وحقولهم. وعلى رغم هجرة معظمهم، فمن الممكن عودة كثيرين إذا توافرت سبل العيش الكريم». وأضاف أن هناك مشروعاً لإعادة إحياء واحة تانزيضا التي تعاني من جفاف الفرشة المائية وزحف الرمال وتغير المناخ، بشراكة مع وكالة الجنوب وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وأكد مدير الدراسات والتخطيط والتوقعات في كتابة الدولة لشئون المياه والبيئة محمد نبو، أن تحسين وضع الواحات المغربية يتطلب تشجيع الممارسات التي تثمن اقتصاد الماء، وخاصة في ري المزروعات، وتوعية السكان بأهمية الإدارة المعقلنة للموارد المائية، مع إشراك الإعلام والمجتمع المدني.

العدد 4577 - الخميس 19 مارس 2015م الموافق 28 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً