العدد 5169 - الإثنين 31 أكتوبر 2016م الموافق 30 محرم 1438هـ

مبارك الخاطر... التحية الخامسة عشرة

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

أسماء كثيرة لمعت في سماء البحرين فكرياً وأدبياً واجتماعياً، في النصف الثاني من القرن الماضي، وإذا كان يجوز اعتبار النصف الأول من ذلك القرن هو جيل الرواد المؤسسين في ثقافتنا وأدبنا المحلي الحديث المعاصر؛ فإن النصف الثاني منه يمثل بحق جيل المبدعين الأمناء الذين شكّلوا الجسر الناقل والحلقة التي حملت على عاتقها مسئولية التعريف بعطاءات ذلك الجيل وإبداعاته، ورصدت الملامح التاريخية لنشأة الظواهر والشخصيات والمؤسسات الثقافية والأدبية.

مبارك راشد الخاطر (1935-2001) واحدٌ من هؤلاء إن لم يكن أبرزهم، فقد كان من أوائل المثقفين البحرينيين الذين نذروا عمرهم لهذه المهمة الوطنية، وأبدوا حماساً وعناية بالغة بتوثيق تلك المرحلة المبكرة للمجتمع البحريني الفتي.

الخاطر، المثقف العصامي الذي حمل القلم ولم يتركه إلا في العام الذي ودّع فيه الحياة، تاركاً نتاجاً متفرداً من حيث الاهتمامات وأصالة المواضيع وعمق الطرح وحلاوة البيان، واجتهد في سبر أغوار الظواهر الثقافية والاجتماعية بالقدر الذي تسمح به مصادر تلك الفترة، كان يشكّل بحق ظاهرةً متفردةً، بدءًا من ستينات القرن الماضي.

وعلى رغم أهمية ومكانة هذه القامة البحرينية الشامخة إلاّ أنه لم ينل التكريم اللائق لا في حياته ولا بعد مماته، وفي لقاء جمعني بالراحل قبل موته بنحو عام أو أكثر بقليل، شعرت بحجم خيبة الأمل والمرارة التي كان يستشعرها هذا العالم الجليل، والجفاء الذي قُوبل به من المؤسسة الرسمية محلياً، لكنني في المقابل لمستُ فيه إصراراً عجيباً وإيماناً راسخاً، وتبصراً ووعياً ذاتياً بأهمية ما يقوم به من دور في التوثيق العلمي الذي سيقدّر له أن يبقى طويلاً وطويلاً جداً بعد رحيله.

وعلى رغم ذلك، فإن الاعتراف النخبوي الخجول، (طالما هو نخبوي فهو لاشك خجول)، برصانة ما تركه الخاطر من نتاج علمي حاز على رضا المختصين، وقطاع عريض من القراء المهتمين. ولازالت كتبه تشكل مصادر ومراجع للمهتمين بالحركة الأدبية والفكرية في تاريخ البحرين.

وربما يحسن التفكير في إقامة فعالية وطنية أو مؤتمر علمي لمناقشة أعمال هذا المثقف الكبير، لتعيد الاعتبار لمكانته الفكرية التي أهدرها التنكر وأزرى بها الاهمال، وتقديم تقييم موضوعي لأعماله في ضوء المصادر والمراجع الحديثة، وذلك لإبقاء عجلة البحث التاريخي مستمرة في الدوران والنشاط، وهو ما أمّله وهدف منه الخاطر وغيره من المثقفين الذين قدّموا مساهماتهم في هذا الطريق، وذلّلوا الكثير من عقباته أمام من سيأتي بعدهم من الباحثين الشباب، بما قدّموه من كتابات عملت على ردم الكثير من الفجوات التاريخية والاجتماعية لبلدنا.

كتب الخاطر عن الشخصيات والأعلام، فتناولت أعمالهالأديب الصحافي عبدالله الزايد،والشيخ قاسم المهزع، والشاعر عبدالله الجامع،والشاعر عبدالمحسن الصحاف،والشيخ خليفة النبهاني،والمؤرخ ناصر الخيري.

كما اهتم بالكتابات الأولى لمثقفي البحرين، وتوثيق نشأة ونشاط المؤسسات الثقافية، وشملت اهتماماته تاريخ المسرح المدرسي في البحرين، وهذا ما ظهر في كتاباته المطبوعة التي كان أهمها: «نابغة البحرين عبدالله الزائد»، «القاضي الرئيس قاسم بن مهزع»، «الكتابات الأولى الحديثة لمثقفي البحرين»، «المنتدى الإسلامي»، «الأديب ناصر الخيري»، «المغمورون الثلاثة»، «المؤسسات الثقافية الأولى في البحرين»، «مضبطة المشروع الأول للتعليم الحديث في البحرين»، «بواكير العلاقة الثقافية والتعليمية بين بلاد الشام والخليج العربي»، «مقدمة في تاريخ التعليم في البحرين»، «مقدمة في تاريخ البلديات في البحرين»، «مقدمة في تاريخ الصحة في البحرين»، إضافةً إلى أعمال مخطوطة.

لقد كانت حياة الخاطر كاسمه، مباركةً وحافلةً بالعمل الدؤوب والنشاط الذي لا يفتر، والرغبة المحكومة بشعورٍ عالٍ بالمسئولية تجاه تراثنا الوطني والثقافي، وهي روح أخشى أنها في طريقها إلى التلاشي والزوال لدى الجيل الشاب اليوم.

وقد يكون من الجيد أن تخصص صحافتنا المحلية مساحةً للحديث عن عطاء الراحل والتعريف بشخصيته، ومساهماته ومجايليه من مثقفي تلك الفترة للبحرين، وهذا ينطبق على المؤسسات الاجتماعية والثقافية في المحرق التي خَصّها الخاطر بحبه، وعاش في أكنافها عاشقاً ومشاركاً بصخبه الرزين في نواديها الفكرية والأدبية التي كانت تزدهي بها هذه الجزيرة لوقتٍ ليس بقصير.

وقد يحسن إطلاق مسابقة سنوية تحمل اسم الفقيد لدعم وتشجيع البحث التاريخي، وليكن اسمها «مسابقة مبارك الخاطر السنوية للتوثيق التاريخي»، ترصد لها جوائز قيمة تليق بمكانة صاحبها والمحتفى به، ومن شأن هذا المشروع فيما لو تحقّق، أن يعزّز واقع البحث التاريخي ويعمل على ترسيخ الأسماء التي لا يجوز أن تتساهل معها الذاكرة فتنساها إلى الأبد.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5169 - الإثنين 31 أكتوبر 2016م الموافق 30 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:59 ص

      الله يعطيك العافية دكتور وسام
      أين أنت من عام أو أكثر عن هذه الشخصية ..
      ما فائدة دعوة المؤسسات و الأعلام بإظهار أعماله و غيرها في موضوع مقالك؟؟؟
      توفى بإجحاف حقه من الجميع ..

اقرأ ايضاً