العدد 5384 - السبت 03 يونيو 2017م الموافق 08 رمضان 1438هـ

في برنامج مسامرات ثقافية ... فهد حسين يقرأ ملامح الشخصية في مجموعة "الهامات" القصصية

اعداد وتقديم : حبيب حيدر

this will be replaced by the SWF.
في برنامج مسامرات ثقافية ... فهد حسين يقرأ ملامح الشخصية في مجموعة "الهامات" القصصية

أقامت أسرة الأدباء والكتاب أمسية نقدية لقراءة المجموعة القصصية (الهامات) للقاص أحمد الحجيري وقد قدمت خلال الأمسية ثلاث أوراق نقدية أساسية قدمها كل من النقاد فهد حسين وجعفر حسن وزكريا رضي، وقد حضر الأمسية مجموعة من المثقفين والمهتمين والأصدقاء.

في بداية ورقته أشار فهد حسين إلى أن قصة (الهامات) تدور حول رجل اسمه عبود العوّاد عاش في قرية صغيرة بأفرادها المختلفين في سلوكهم الاجتماعي، هذا السلوك الذي شكل بؤراً متباينة في التعاطي مع المكان والزمان والأفراد، لذلك عاش عبود العوّاد في مجتمع يكتشف فيه من القبح بقدر ما يكتشف فيه من السذاجة، ويكتشف فيه من التقليد الأعمى، بقدر ما يكتشف فيه من تغير في طبيعة العلاقات الإنسانية والاجتماعية، مما تفرض عليه كل هذه المكتشفات الهروب من واقع متناقض إلى عالم دائم السكينة والهدوء والنوم الأبدي. هذه هي قصة الهامات التي توزعت إلى قصص ثلاث هي: (الهامات – اعتدال الهامات – قبر الغريب) قصة تحكي عن رؤية تاريخية واجتماعية تجاه أفراد المجتمع الذي أسهمت فيه الأنساق الثقافية والدينية والاجتماعية على مدار ثلاثة عقود من الزمن، مرحلة السبعينيات، ومرحلة الثمانينيات، ومرحلة التسعينيات ليكون مجتمعاً متقلب المزاج والأهواء، حتى يصل في أحيان إلى التطرف في طبيعة التعامل مع المكون الثقافي، والمورث الاجتماعي، والتوجه العقائدي والديني، الذي يرى أفراد هذه القرية أنهم يسيرون نحو مجتمع أفضل مما عليه، وإلى مستقبل أكثر إشراقاً.

وأضاف فهد حسين إذا كانت هناك بعض المعطيات الخارجية التي أعتقد أنها كانت وراء نسيج هذه القصة، فإنني سأقف عند بناء الشخصية الرئيسة، وهي: عبود العوّاد لما أرى أنها شخصية ليست بوصفها الشخصية الرئيسة في القصة فحسب، بل لأنها استطاعت أن تجمع كل الأحداث حولها، ولا يمكن لهذه الأحداث أن تبرز أو تنمو في حركة الزمن إلا من خلال هذه الشخصية التي تخفى وراءها القاص ليعطيها دافعاً نحو نمو حركتها وفق مفهوم السارد، أو المحرك للشخصية بحسب ما يهوى القاص، وليس بحسب ما تريده الشخصية، وإن كان الخيط الفاصل بين الشخصية والسادر والكاتب هو خيط رفيع جداً، ويمحى هذا الخيط الذي وضعه الكاتب بظهور الجمل الكاشفة لثقافة الكاتب نفسه وفكره وتوجهه.

وتابع حسين تنبع حكاية القصة من تلك المعاناة التي يعانيها الإنسان في المجتمع سواء من القانون السياسي، أم القانون الاجتماعي والأنماط المتبعة، أم من الأفراد الذين يترجمون هذه القوانين إلى فعل وأمر وحركة، وإن (الأنا) لا تستطيع الاندماج مع (النحن)، والعكس أيضاً، لذلك جاء الرفض المقابل من قبل القرية، ونتج عنه الإحساس بالمرارة والحسرة والألم والانسحاب المؤقت، ثم الانسحاب النهائي جسداً، والبقاء روحاً، أي الموت الذي غيّب جسد عبّود العوّاد، وجعل حكايته متغلغلة في ثقافة المجتمع حتى وصلت الحكاية إلى حالة من التبجيل، وبهذا الموت تضاربت الأقاويل والتصريحات والشائعات حتى وصل الأمر إلى أن قبره بات مزاراً للناس ومكان تقديس ومحطة توسل، بعد ما دفنته المرأة العجوز مشيرة إلى أن عبّود أحد عشاقها، تقول هذا من دون مواربة أو تردد أو استحياء.

بناء الشخصية المحورية

وحول بناء الشخصية المحورة أكد حسين أن القاص كما هو الروائي يحاول رسم شخوصه مأخوذة من نماذج واقعية ليس بوصفها أفراداً بل بوصفها حالات إنسانية ذات ملامح وصفات ومميزات، بمعنى يمكن للمبدع أن يخلق شخصيته السردية من مجموع شخصيات واقعية، أو مجموعة ملامح مأخوذة من عدة شخصيات، وتصب في شخصية واحدة، كما أن المبدع السردي قد يرسم شخصية، وتبقى عبر الزمان وفي الذاكرة الثقافية، وقد يكون الرسم بمجرد قراءة النص ثم ينسى كما هو في تلك التقليعات من الأغاني السريعة التي تنتهي بمجرد صدور ألبوم غنائي بعدها مباشرة، أما ما يبقى وسيظل هو ذلك الموروث الثقافي والحضاري والفني الذي شكل بعض ملامح الأمة، وأسهم في مكونها الثقافي والسلوكي والنهج في حياة أفرادها.

وتابع إذا كان هذا الخيط الرفيع بين الشخصية والقاص موجوداً فإنه قد ينقطع وقد يقوى، وهذا ما كان بارزاً في القصة إذ أعطى القاص شخصيته القصصية إمكانية البوح بالأفكار المتوارية، تلك الأفكار الناقدة للوضع المجتمعي، وما يبطنه ويظهره من ملامح لا تتسق وتوجهات الشخصية المحورية نفسها، والقاص أحمد الحجيري هنا يكتب قصته ويشعرنا أنه كائن تسكنه الشخصية المحورية التي كانت قد أثقلت كاهله، ويريد التخلص منها ضمن فضاء مكاني، وتوجه ثقافي، ونسيج اجتماعي، وتحرك فكري، وعليه فالقاص اهتم بسرد الحدث ليخلق طبيعة العلاقة التي يمكن أن تبنى بين الشخصية والحدث نفسه، وبالفعل استطاع إيجاد هذه العلاقة، ولكن بصورة منفرة غير مقبولة.

ملامح الشخصية القصصية

ووذهب فهد حسين إلى أن كان تودوروف يرى أن كل شخصية تتحدد تماماً من خلال علاقاتها مع الشخصيات الأخرى، هذه العلاقة يمكن أن تظهر بشكل متنوع بسبب العدد الكبير من الشخصيات، ولكن يمكن اختصار تنوع هذه العلاقات إلى ثلاث فقط، هي: الرغبة والتواصل والمشاركة فإن شخصية عبّود العوّاد كانت شخصية صامتة مزجت بهذه العلاقات الثلاث، والتي برزت في رغبته بالسكن والعيش في القرية وبين أهلها، حيث عاد إليها أكثر من مرة وله فعل التواصل، وبخاصة مع الصبية حين جمعهم حوله يتغنون ويرقصون، ويحلم بمشاركتهم الأفراح والأتراح، ولكن ليست بالطريقة التي يرونها ويشكلونها، لذلك لم تتحقق هذه المشاركة، وهنا تتمظهر شخصية عبّود العوّاد في حالة الصمت حين يدعو ذلك إلى الصمت، كما أنها شخصية تهكمية وساخرة، وناقدة حينما يتطلب الأمر.

وهجومه على محمود، وهجومه على عباس الجاثي، وهنا نرى القاص قد رسم الشخصيات وفق ما يمارسون من سلوك، وما يقومون به من أفعال، وليس وفق ما يفكرون، كما تميزت الشخصية الرئيسة بتاريخ لها، فهي تحمل بعض ملامح الشخصية الواقعية، تلك الواقعية التي يراها القاص نفسه بعدسته التي حاول أن يلتقطها، أو التي فرضت عليه أن يلتقطها، وشكل حاضرها في الرقص والغناء مع الأطفال في أثناء عودته بعد هذا الرحيل، ولكن برز نقده للواقع، إذ نقد عبّود العوّاد البعد الاجتماعي – البعد الأخلاقي – البعد الديني – البعد الثقافي.

وحول ما وراء القصة خلص فهد حسين إلى أن القصة تكشف عن إشكالية الوجود والبقاء والعلاقة مع الذات وذوات الآخرين، وهي إشكالية التعامل مع الناس التي باتت شبه مستحيلة بحسب أحداث القصة، ومن الصعب الانتصار عليها، وعلى تلك المتغيرات التي طرأت على شباب القرية، والتي أصبحت هذه المتغيرات إحدى ملامحهم. وظلت أحداث القصة في نموها الطبيعي نحو مجموعة من الأهداف التي يريد القاص طرحها، وإذا لم يهتم القاص بتحديد مسمى المكان وجغرافيته، فإن الحدث كشف لنا هذه الحدود غير المسماة، وهناك حاجة من قبل الإنسان نحو طلب الهداية والنور والبحث عن الحقيقة، فالمجتمع البحريني طيلة العقود الثلاثة تحديداً من سبعينيات القرن العشرين حتى التسعينيات منه، فالسبعينيات كانت مرحلة الأفكار اليسارية والتقدمية والدعوة إلى التحرر من القيود المقيدة للفكر والحرية الشخصية والحريات العامة، والثمانينيات التي جاءها العوّاد بعد غياب ليرى التغيرات قد أخذت مساحة لم تكن في الحسبان، وهي الفترة التي امتدت فيها الأفكار والمعتقدات الدينية تأثراً بما جرى في المنطقة، والتسعينيات والذي بات المكان والمجتمع مصاباً بحالة اختلف المتابعون على تسميتها، حالة من الخوف الذي دبَّ في كيان كل شخص منتمٍ أو غير منتمٍ، الخوف من المجهول القادم، المختلف في استقباله بين القبول الذي تشبع بمعطياته

صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5384