العدد 5171 - الأربعاء 02 نوفمبر 2016م الموافق 02 صفر 1438هـ

المخرج البريطاني كاي باهار: المجتمع الدولي لا يعرف عنا الكثير

فاز بجائزة "الشارقة للطفل" لأفضل فيلم دولي


الوسط – منصورة عبدالأمير 

تحديث: 12 مايو 2017

من منا لا يتذكر الصبي الإيطالي الصغير سالفاتوري كاسو الذي قام ببطولة فيلم "سينما باراديسو" الشهير. كل من شاهد الفيلم سيعرف أن أداء سالفاتوري "توتو" الذي كان في العاشرة من عمره وقت تصوير الفيلم وكان ذلك في عام 1989، هو  ما أضفى على الفيلم عفوية وبساطة جعلته يسحر المشاهدين وينتزع إعجاب النقاد وجوائز المهرجانات.

الأسبوع الماضي، وعبر شاشة مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل(23-28 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، عاد توتو الصغير، ببراءته وعفويته وشقاوته، لكنه هذه المرة لم يكن ايطالياً، بل طفلا قد يكون عراقيا، أو كرديا أو سورياً، أو ينتمي لأي منطقة شرق أوسطية.  أسمه هذه المرة سامي، وقضيته تختلف عن قضية توتو الذي كانت له قصة مع السينما في قريته الصغيرة، فيما يحمل سامي هم يفوق إدراكه وسنوات عمره.

سامي، بطل فيلم "أنا سامي" I Am Sami’، الذي عرض ضمن الأفلام المتنافسة على جوائز مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل، وفاز بجائزة المهرجان لأفضل فيلم قصير من العالم، يشارك في تحمل مسئولية علاج والده ثم يوجه رسالة هامة للعالم بأجمعه في نهاية الفيلم.

الفيلم من إخراج البريطاني كاي باهار، ويدور حول قصة سامي، الصبي الصغير، الذي يساهم في نفقات علاج والده، من خلال بيعه الأفلام للجنود الأميركان المرابطين في مدينته. ورغم اللوم والتهديدات التي يتلقاها الصبي من بعض من يبدون وكأنهم "عصابة" تتهمه بالتواطؤ مع الغزاة الأميركان، إلا أن صداقة عميقة تنشئ بينه وبين جندي أميركي.  ما يتهدد هذه العلاقة هو طبيعة الوضع القائم في بلاده، وتطور الأمور في الفيلم للحد الذي تصل فيه إلى أن يهاجم جنود أميركان منزله ويعتقلون والده المريض، ليفاجئ الصغير أن صديقه المفضل هو أحد هؤلاء الجنود.

مخرج الفيلم تعمد ألا يقدم أي إشارات في  فيلمه حول الموقع الذي تدور فيه الأحداث، حين سألته عن ذلك قال "القصة يمكن أن تدور في أي بلد في الشرق الأوسط. لم أرغب في أن أحدد دولة بعينها. فعلت هذا عن قصد لأني أردت من مشاهدي الفيلم أن يركزوا أكثر على القضية الإنسانية بدلا من أن يركزوا على كيف يبدو الناس أو كيف يتحدثون في ذلك الجزء من العالم".

لم يستوحي كاي قصة فيلمه التي كتبها بنفسه من قصة واقعية، بل إن الفيلم "عمل خيالي تماما، لكن بلا شك فإن كل كاتب يستقى أمورا من خبرته الذاتية ومن المكان الذي عاش فيه او الوقائع التي حدثت له، وفيلم "أنا سامي" تقع أحداثه في منطقة حرب، ويضطر فيه هذا الطفل إلى اتخاذ قرار كبير يتجاوز إدراكه. أعتقد أن هذا أمر عالمي.

صور كاي فيلمه في كردستان، قال إنه استفاد مما تركه الجيش الأميركي هناك ومن القاعدة الأميركية الموجودة هناك، تمكن من أن يصور في هذه الأماكن مجانا، وهو يؤكد بأنه لولا أن سمحت له الجهات الرسمية بالتصوير المجاني هذا لكان الفيلم لا يزال على الورق، وذلك نظراً للتكلفة العالية للفيلم ذي الإنتاج الضخم بالنسبة لفيلم قصير.

رسالة عالمية وجمهور أوسع


لم يكن موقع الفيلم هو المحايد فقط، بل تبدو رسالته موجهة لجمهور عالمي أيضا، فكاي لا يلوم طرفا في فيلمه، كلهم محايدون، والمشاهد هو من يقرر في أي خانة يصنفهم، وهو يعلق على هذه النقطة قائلا "أريد من مشاهدي فيلمي أن يركزوا على  العلاقة الإنسانية بين الفتى الصغير والجندي الأميركي، أن يغوصوا في شخصياتهما وفي إنسانيتها. حين عرضت الفيلم في المكسيك، أخبرني بعض المشاهدين أنني أقدم قصتهم، وأثناء عرض الفيلم في الشارقة، قالت لي سيدة من جنوب أفريقيا "لقد حدثت لي قصة مشابهة".  حقيقة لم أكن أتوقع ذلك، ولذا نعم أظن أن الفيلم استطاع ان يصل لجمهور عالمي".

سألته إن كانت رغبته تلك في إيصال فيلمه إلى جمهور عالمي، هي ما جعلته يحرص على ألا ينحاز هذا الفيلم لأي طرف، فقال "ليس كذلك، فهذا الأمر نابع مني شخصياً، قبل أن أنتمي إلى أي ثقافة أو مكان محدد، أحب أن أعتبر نفسي إنسانا وشخصاً ينتمي إلى هذا العالم الجميل، ولذا كان مهما بالنسبة إليّ أن أكون قادرا على استخدام لغة عالمية وألا أتخذ موقفا يتحيز لهذا الطرف أو ذاك". 

نظرة من الخارج


لا يعيش كاي في كردستان، موطنه الأصلي، غادرها في العام 1980، انتقل إلى ايطاليا أولا، درس الدراما فيها وقضى 13 عاما فيها قبل أن يستقر أخيرا في بريطانيا منذ العام 1993 حتى اليوم ويتفرغ لصناعة الأفلام الوثائقية والقصيرة أخيرا. 

ربما تكون حياته في انجلترا بعيدا عن مواقف الصراع التي يشير إليها فيلمه، هي ما جعلته يقف موقفا محايدا، مراقبا ما يجري هناك عن بعد، وربما مقيما لأخطاء الطرفين.

سألته حول الأمر فقال: "نعم بكل  تأكيد، هذا الموقف هو نفسه الذي اتخذه في أفلامي الوثائقية. أعتقد أنني لو كنت أعيش في داخل كردستان فقد يكون بداخلي جروح أو ربما  أكون متضرر بشكل شخصي من بعض الأمور سواء أكانت الحرب او العصابات او الدين او بعض القضايا الاجتماعية وحينها قد يكون لي موقف ما،  لكن كوني أعيش في الخارج سمح لي أن احمل نظرة أوسع بكثير عن القضية بأكملها".

ويضيف "أحب منطقة الشرق الأوسط، أحب العراق، سورية، إيران، تركيا،  وباقي الدول العربية، فهي تملك ثقافة رائعة، وتاريخ، وجغرافيا. أتمنى أن يأتي الوقت الذي نقول فيه كفى لهذه الصراعات.

وأسئلة بلا إجابات


ترك كاي مشاهدي فيلمه مع كثير من الأسئلة التي لم يلمح أو يقدم لها إجابات شافية، سألته إن كان هذا الامتناع عن تقديم خيوط لإجابات هو تعليقه على ما يحدث في العالم العربي، فقال "هناك الكثير من الأسئلة غير المجابة حول المنطقة، نطرح الأسئلة مرار، ولكننا لا نحصل على إجابات لها إلا نادرا. بلد جميل مثل سورية لماذا يجب أن يدمر بهذا الشكل؟!، لماذا لا يحصل الأكراد على استقلالهم كدولة ونحن نعلم أن ذلك سيساعد الدول الأخرى في الإقليم لتأخذ خطوة أخرى باتجاه السلام؟!".

ويواصل "أنا قلق على الناس، لست قلقا على الاقتصاد أو الموارد الطبيعية أو الحكومات أو السياسة، لكن الناس هم من يأتون ألا، سامي بطل فيلمه يمثل كل تلك الشعوب".

العفوية أولا


جميع ممثلي فيلم "أنا سامي" أكراداً، وهم لا يحملون أي خبرة سابقة في التمثيل، فيما عدا الفنان نيك كورت وهو ممثل بريطاني يعمل في هوليوود،لكن العنصر الأهم من بين هؤلاء جميعا كما أكد كاي هو الفتى الصغير باوار لاندون الذي قام بدور سامي.

يقول كاي "هذه أول مرة يقف فيها أمام الصغير أمام الكاميرا، بل إنه ليس لديه أي فكرة عن عالم الأفلام والسينما، التجربة جديدة تماما بالنسبة إليه".

باوار كان هو محور اهتمام الجميع بدءا من كاي مخرج الفيلم وصولا لأصغر عامل في موقع التصوير، يقول كاي "كنت أعلم أنني إذا لم أتمكن من جعل باوار يؤدي دوره بالشكل المطلوب فلن يكون لدي فيلم، اخترته من بين أكثر من 1000 صبي. كان لدى صورة في ذهني، كنت ابحث عن أوتو، الصبي الصغير في "سينما باراديسو"، ولحسن الحظ التقيت بباوار.

ويواصل "لم يكن من الصعب توجيهه لأنه كان يقدم أداءه الأول، في بعض الأحيان قد يدمر العمل كون الممثل غير محترف أو لا يملك خبرة، وبالنسبة لي كان الأمر ميزة مع باوار. أتذكر في إحدى المرات جاء إلي وقال كيف يمكنني تمثيل الحزن الشديد حين أفقد أبي فقلت له هذا دورك كممثل وإذا لم تتمكن من تقديم هذا الشعور، فلا تقلق"

قدم باوار بعدها أداءا عفويا مذهلا، لا يقل كثيرا عن أداء "توتو" وجعل الفيلم مادة سينمائية حصلت على كثير من الإشادات والتكريمات والجوائز في مختلف المهرجانات السينمائية الدولية وصلت إلى 47 جائزة دولية كان آخرها جائزة مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل، من بينها 26 جائزة كأفضل فيلم من اختيار الجمهور، عدا عن عرض الفيلم في 120 مهرجانا في جميع أنحاء العالم.

الحنين إلى الأصل


على رغم السنوات الطوال التي قضاها كاي بعيدا عن كردستان، إلا إن الفيلم لا يخلو من ذلك التعاطف الواضح والحنين إليها، تبدو الوجوه والأماكن كلها تشبه كردستان. يبدو للمشاهد وكأن كاي يواجه رسالة خاصة ببلاده الأم. أساله كيف يمكن لأفلام كهذه أن تنقل رسالة للعالم حول حقيقية ما يجري هناك أو في أي مكان آخر وحول إيصال صورة حقيقية للشعوب إلى العالم وربما المساهمة في إيجاد حلول لقضايا هذه الشعوب، فقال

"هذا أمر هام جدا، لأنه ليس لدينا دولة ولسنا مستقلين، وأعتقد أن أي خطوة نتخذها في حياتنا هي خطوة مسئولة تجاه قضيتنا ولذلك فقبل أن تتخذ خطوة يجب أن تتراجع خطوتين إلى الوراء وتفكر بحرص، فأنا أريد أن أقدم تصويراً للحقيقة.  وبصراحة، حين ذهبت إلى مناطق الأكراد فوجئت بترحيبهم وانفتاحهم على الأجانب، كل هذا منحني أمل وموقف ايجابي تجاه ذلك الجزء من العالم، ليس فقط لأنني ولدت هناك لكن لأنني أثق به.

وأضاف "بالنسبة لكردستان، بكل تأكيد هذا الأمر صحيح لكن بالنسبة لباقي دول منطقة الشرق الأوسط وكذلك بالنسبة لدول العالم الثالث، فإن المجتمع الدولي لا يعرف بالضرورة الكثير عنا، من نحن، وما هي مكوناتنا، لكن الأفلام يمكن لها أن تصل إلى أي أحد،  أو على الأقل لمعظم الأشخاص الذين ينتمون إلى المجتمع الدولي، وإذا كان لفيلمك لغة عالمية مبنية على الإنسانية قبل أي شيء آخر، فإنه يمكن له أن يصل بشكل أكبر إلى العالم.

"أنا سامي"... قصير أفضل

قدم كاي فيلمه القصير بإنتاج ضخم، كلفة ميزانية عالية، سألته لم فضل أن يكون فيلمه قصيرا وإن كان هذا النوع من الأفلام أقدر على نقل الرسائل المهمة والحساسة والتركيز عليها، فقال "بكل تأكيد، في الفيلم القصير ليس لديك وقت طويل، ولذلك عليك أن تكون أكثر حذرا في كيفية تقديم منتجك النهائي، ما يعني أنه عليك أن تقضى وقتاً طويلا في فترة ما قبل الإنتاج لتعد نفسك جيدا وتعتني بالصور والفريمات والكلمات وتسلسل المشاهدة وكل شيء.

أعتقد أن ذلك ينطبق على جميع الأفلام القصيرة، لكن طريقتي في صناعة الأفلام هي أن أحكي قصة أولا، حدوتة كلاسيكية،لأدخل المشاهدين إلى الفيلم، وأن أحرص على أن يكون الفيلم ممتعا، ووسط كل ذلك، أن يكون للفيلم قلب، يطرح أسئلة، أسئلة جادة ولكن لا يقدم مواعظ ولا يسلط الضوء بشكل فاقع، لأن المشاهد لا يحب ذلك، كما إن المشاهد ليس غبيا، ولهذا السبب أعتقد أن فيلم أنا سامي لقي قبولا جيدا لحد الآن.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

شاهد أيضا