العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ

نوافذ دمشق الشام... للجمال ودخول النور والهواء

يقف بعض زوار دمشق مندهشين أمام عمارة المدينة القديمة، ولعل من بين عناصر الادهاش التي يتوقف عندها زوار دمشق، والمتأملون في عمارتها، نوافذ الابنية، وكل واحدة من تلك النوافذ تحكي حكايا من التاريخ والحياة، وعبر تلك النوافذ دخل النور والهواء الى عمائر دمشق ومن بعضها اطلت وجوه سكانها، وتردد من خلالها صدى أصوات الذين صنعوا الحياة في هذه المدينة عبر مئات السنين، وغالبا فإن تلك النوافذ، كرست جماليات المكان، وكانت في تشكيلاتها الاساسية على نحو ما يمكن وصف النوافذ المغلقة، والتي يسميها الدمشقيون بالكتبيات.

أشكال وأنواع: والنافذة في العرف العام والشائع، هي كل طاقة توجد في الجدار، أو فتحة تخترقه، ومعظمها تؤمن التهوية والإنارة بصرف النظر عن شكلها أو حجمها، وهي في مشيدات دمشق التاريخية على ثلاثة أشكال، تتفرع عنها نماذج عديدة ومنوعة.

وقد تكون النافذة، نافذة وظيفية، وهي النافذة الإعتيادية المستطيلة، أو نافذة وظيفية وتزيينية في آن معا، وهي النافذة الزخرفية المقوسنة، التي يأخذ ضلعها العلوي شكل قوس، أو تكون نافذة صماء، وغالبا فانها تكون لتزيين الغرف والمساحات الجدارية في الايوانات. بين البيوت والابنية العامة: وتتنوع أشكال النوافذ حسب تصميمها وزخرفتها، وهي تتوزع في تشكيلاتها بين البيوت السكنية، والابنية العامة، بما فيها المساجد والمدارس وغيرها.

والسائد الغالب من النوافذ في البيوت الدمشقية، هي النافذة الإعتيادية الخالية من الزخرف، أو قليلة الزخرفة، وتستخدم للإضاءة والتهوية، وهو نموذج كثير الحضور في بيوت دمشق، وهذه النافذة مستطيلة الشكل، تعتمد الخطوط المستقيمة وتخلو من الأقواس أو المنحنيات، كما يمكن ملاحظة شيوع هذا النموذج من النوافذ في عمارة دمشق الحديثة، وتظهر النافذة الشعرية في كثير من بيوت دمشق، وهي نموذج للنافذة العادية مزودة بشعرية.

أما نوافذ الابنية العامة، فتتعدد وتتنوع بصورة كبيرة، بل تكاد بعض النوافذ، تكون علامة تمييز لهذا البناء، أو ذاك عن غيرهما من الابنية القديمة في دمشق، ومن ذلك نموذجان قد لا يكون لهما مثيلا في نوافذ دمشق، الاول نافذة صماء ضامة متجاوزة، تقوم في مئذنة جامع هشام بسوق الصوف، والثاني نافذة ثلاثية الفصوص موجودة في مئذنة جامع القلعي بسوق القطن، وكلتاهما من العهد المملوكي..

وثمة نماذج اخرى من نوافذ العهد المملوكي منها نافذة معقودة بقوس متعرجة إسفينية الرأس، في مئذنة جامع التوريزي، واسمه الشائع التيروزي، يقوم في حي قبر عاتكة قرب الشويكة. وكذلك نافذة متعرجة الرأس ضمن قوس منكسرة، موجودة في مئذنة جامع تنكز في شارع النصر قرب ساحة المرجة المعروفة باسم ساحة الشهداء، وتقوم في مئذنة الجامع عينه نافذة معقودة بقوس منكسرة.

والنوافذ الصماء، أو الكاذبة، أو المبهمة، نافذة مغلقة، تستخدم كعنصر تزييني، كما في رقبات القباب، وأمثلة هذه النوافذ، نافذة صماء في رقبة المدرسة الحافظية المعروفة على ألسنة العامة باسم (ستي حفيظة) من العهد الايوبي في حي المزرعة، وهي نافذة زخرفية مقوسنة غير مفتوحة، وهي مثال لنوافذ كثيرة، تنتشر بدمشق في رقبات الترب الأيوبية والمملوكية والعثمانية، وتتناوب الحضور في هذه الاماكن مع النوافذ المقوسنة المفتوحة، وتكون على شكلين: إما مدببة القمة، أو معقودة بقوس نصف دائرية. وتتوزع النوافذ المقوسنة في العديد من عمائر دمشق القديمة من العهود الايوبية والمملوكية والعثمانية، ومنها نافذة مقنوسة ذات كتف معقودة بقوس نصف دائرية إسفينية الرأس، موجودة في مأذنة جامع التوبة في حي العقيبة، ومثلها نافذة مقوسنة بعقد مدبب ضمن قوس مدببة في رقبة قبة الزاوية الفرنثية من العهد الايوبي في جادة المدارس من حي الصالحية، وتنفرد هذه النافذة بأنها نافذة وظيفية وتزيينية معا، وتتألف من نافذة مفتوحة ومعقودة بقوس مدبب، ويحيطها قوس أكبر. ومن النوافذ المقوسنة، نافذة مقوسنة بعقد تام أو نصف دائري في ضريح عبد الله ابن مكتوم، من مشيدات العهد العثماني موجودة في مقبرة الباب الصغير، وهي نافذة ضلعها العلوي على شكل قوس تامة، وهناك نموذج آخر، تمثله نافذة مقوسنة الطرفين في الواجهة الغربية لمبنى المستشفى الوطني المشيد أواخر القرن التاسع عشر، وهي نافذة وظيفية وزخرفية في آن واحد، وهي غير شائعة في مشيدات دمشق إلا بشكل محدود جدا، ويعتمد شكلها غير المألوف على مغايرة الرتابة والتكرار في أشكال النوافذ المعروفة.

والنوافذ الزخرفية في عمائر دمشق، متعددة الاشكال وكثير منها حديث الانشاء، ومنها نافذة زخرفية مقوسنة بعقد مدبب ودلاايات مقرنصة في جذع مئذنة جامع القاعة بحي الميدان، وقد بنيت سنة 1973م، والنافذة زخرفية ووظيفية معا، وهي مدببة الرأس وعلى طرفيها عمودان وفي أسفلها شريفة، وتشاهد في عديد من مآذن دمشق كمئذنة جامع العفيف وجامع الثريا وجامع المنصور، والإثنان الأخيران في حي الميدان، كذلك في جامع عمر الفاروق بشارع بغداد، وجامع الفردوس بساحة التحرير. غير أمه ثمة نماذج أكثر قدما من النوافذ الزخرفية، بينها نوافذ في بيت الحبوباتي في سوق ساروجا، وهي مزخرفة بلمسات إغريقية يونانية قديمة، تتركز في الجملونات التي تعلوها، وهي تشبه الجملونات في مبنى العابد بساحة الشهداء ومبنى سراي الحكومة (وزارة الداخلية الحالية) على ضفة بردى، وهناك نافذة توءم مقوسنة زخرفية ضمن قوس مدببة في التربة النجمية المنسوبة إلى العهد السلجوقي في سوق ساروجا بجوار المدرسة الشامية البرانية.

نوافذ عمائر دمشق متعددة الانواع والاشكال، صاغتها غقول وأيدي مهندسين ومعماريين، تربوا على ميراث جميل متعدد المرجعيات والتجارب، التي ليس أولها تجارب الاغريق واليونان القدماء ولا الرومان، وصولا الى العرب المسلمين، وما تفرع عنهم من عهود الدول والهويات الثقافية والابداعية التي توالى حضورها في بلاد الشام ومركزها دمشق، ولان جاءت تلك النوافذ الجميلة ثمرة التداخل الابداعي لميراث طويل، فانها ظلت أمينة، وواضحة في وظيفتها في الخطين، جمالية الشكل في تكامله مع محيطه من جهة، وأقامتها الصلة بين الداخل والخارج، ممرا للنور والضوء، وتعبيرا عن الحياة

العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً