العدد 187 - الثلثاء 11 مارس 2003م الموافق 07 محرم 1424هـ

يهود أميركا: ملامح في الحضور العام

كثيرا ما شغل موضوع النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الباحثين ورجال السياسة في العالم العربي بفعل تأثيرات ذلك على الصراع العربي - الصهيوني والقضية الفلسطينية. وكان الموضوع شاغلا لرجال سياسة وباحثين عبر العالم بمن فيهم اشخاص من النخبة الاميركية مهتمين بفهم طبيعة العلاقات التي تربط بين الولايات المتحدة و«اسرائيل»، والتي توصف بانها علاقات بنيوية، ومن اجل فهم مواقف الدعم اللامحدود التي تتابعها واشنطن للسياسة الاسرائيلية.

وبين كثرة المشغولين بموضوع النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة يظهر العضو الاسبق في الكونغرس الاميركي، مؤلف كتاب «الصحوة» ديفيد ديوك، وقد تناول فيه على امتداد اثني عشر فصلا جوانب مختلفة من تجسيدات النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، وما يتصل به من موضوعات.

وعلى رغم ان ديوك في سيرته الشخصية والسياسية، كان شخصا «عرقيا»، فان دراسته اتخذت مسارا موضوعيا وعلميا بعيدا عن النزعة العرقية، التي ميزت جزءا من حياته، قبل ان يخرج من جلده، ويصير «اميركيا» على نحو ما تبين المرحلة التالية من حياته.

وخصص ديوك في مؤلفه، حيزا لتناول «المسألة اليهودية» استعرض في خلاله بعضا من أوضاع اليهود في روسيا القيصرية، والتي أسست لبلورة «المسألة اليهودية»، وقد كان بين تجلياتها «التعالي اليهودي» ليس بصفته سلوكا فحسب، بل بكونه قيما وتربية وعلاقات، تقوم على وضع اليهود خارج إطار النقد أو المقارنة بالآخرين.

وتوقف ديوك في فصل من كتابه عند علاقة «العرق والمسيحية واليهودية» متأملا فيها من خلال النصوص الدينية، ليخلص إلى تأكيد التمايز بين نص توراتي، يعزز اتجاهات العزلة، ونص انجيلي يدعو إلى التسامح والتعاون، ويصل إلى خلاصة قول «ان اليهودية مناهضة للمسيحية».

وطبقا لما يؤكده ديوك، فان نشاطا يهوديا مكثفا، انصب في حركة الحقوق المدنية في اميركا، وهو نشاط يتماثل مع نشاط اليهود في الثورة الروسية. وحسبما يرى ديوك، فان الامر في الحالين، جعل من اليهودية فوق الماركسية من جهة وفوق الحقوق المدنية من الجهة الاخرى.

واذا كانت الفصول الاولى من الكتاب، تشرح جوانب من أسس التفكير والممارسة لدى اليهود، فان فصولا تالية، ترسم وقائع النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، وخصوصا في ميدان العمل الاعلامي والسياسي.

ويورد ديوك في صفحات طويلة ملامح وحيثيات الوجود اليهودي في المؤسسات الاعلامية الاميركية، والتي تشل شبكات التلفزة الرئيسية (بينها?CBS,NBC ABC, ) والصحافة المكتوبة (بينها نيويورك تايمز و ذا وول ستريت جورنال) وهي سيطرة مرافقة لسيطرتهم على عالم السينما ونشر الكتب، وهو ما اعطاهم فرصة تشكيل الرأي العام والتأثير عليه، وكلاهما بين اسباب دفعت ديوك إلى «معارضة سادة الاعلام الذين يسعون إلى تدمير طريقة حياتنا وشكل حياتنا».

ويكشف الفصل السابع من الكتاب جوانب «النفوذ اليهودي في السياسة الاميركية» باستناده إلى «رأسين» احدهما يعمل عبر وسائل الاعلام من خلال تحديد القضايا والموضوعات والمواقف، والثاني من خلال تمويل الانتخابات، وكلاهما يقود الى خلق النخبة، ويجعل اليهود «يسيطرون على الحكومة الاميركية» كما نقل عن الجنرال الاميركي جورج براون. وبديهي ان ذلك تعبير عن سيطرتهم على الاحزاب والمؤسسات التمثيلية بما فيها الكونغرس والادارة طبقا لكثير من الامثلة التي يسوقها الكتاب.

ويذهب ديوك في فصل مما كتب للنظر إلى «اسرائيل» بصفتها حالا تطبيقية لنظرة التفوق اليهودي من خلال مشروعها الاستيطاني وعلاقاتها وخصوصا مع النازية، ونهجها الارهابي وممارساتها، التي تجعل منها «دولة عنصرية». وهو في كل ذلك يعود إلى وثائق وحوادث، ليصل من خلالها إلى القول «ان بنية اسرائيل الحديثة وشكلها يثبتان، ان النظرة الفوقية اليهودية، ليست ايديولوجية الماضي، بل هي حقيقة كريهة في الحاضر».

كتاب «الصحوة» وقفة رجل سياسة اميركي، يستجلي واقع الوجود والنفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، ليس فقط من خلال الوثائق، بل من خلال حوادث الحياة التي عاشها والتطورات التي كان شاهدا عليها

العدد 187 - الثلثاء 11 مارس 2003م الموافق 07 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً