يثيرك صوته الرخيم وأسلوبه الساحر وهدوء مناجاته الانسيابية لو سنحت لك الفرصة بسماعه وهو يقرأ الدعاء، فضلا عن خطابته فوق المنبر. فعفويته يحبّذها الكثيرون، وخصوصا ممن لا يطيقون التكلّف في قراءة الأدعية. ولذلك كان يسجل الكثير من الأدعية اليومية والمندوبة وغيرها كدعاء أبي حمزة الثمالي والندبة، وصارت الأيدي تتداول أشرطته في التسجيلات الإسلامية... وهو رقم من أرقام المنبر الحسيني له مميزاته الخطابية، فلطالما صدح صوته عبر بعض الإذاعات الإسلامية. يوصف كثيرا بلباقة اللسان ومسحة التواضع والهدوء وسعة الأفق... إنه الشيخ باقر المقدسي.
ولد ونشأ في النجف الأشرف العام 1939، فقد والده الشيخ محمد علي المقدسي وهو في العقد الأول من عمره، فنشأ يتيما. وأما عن لقبه فيعتقد البعض أنه نسبة إلى بيت المقدس، غير أن الباحث السيدحسن داخل يقول إن «اللقب محرف ومصحف من المقدّس بالتشديد، وهو لقب لوالده الذي كان شيخا جليلا ناسكا تقيا مقدّسا، فهو المقدّس وليس المقدِسي». ويضيف «يبدو أن الأستاذ يبارك وينظر بعين الارتياح للقب المقدسي لما في هذا اللقب من رنين وجمال ونغمة موسيقية، لذلك نراه يرضى وربما يفرح إذا دعي بلقبه».
انتسب إلى حوزة النجف وجامعتها العلمية وتوغل في الدراسات الإسلامية، وانتمى لكلية الفقه وتخرج منها العام 1964 حاصلا على البكالوريوس في العلوم الإسلامية واللغة العربية. وهاجر من وطنه إلى إيران، وهناك تابع دراسته الحوزوية في قم المقدسة وواصل جهوده الخطابية. وقد شارك في كثير من مدن العراق، وخطب في لبنان والبحرين والإمارات ومسقط والكويت وغيرها.
تصدى المقدسي لتربية الشباب الواعد بإلقاء دروس في الخطابة في معهد الرسول الأعظم الذي افتتح خصيصا لتنشئة الخطباء المعاصرين وتزويدهم بعيون الشعر الحسيني ورفدهم بأصول الخطابة المنبرية، فكان من أبرز أساتذة المعهد المذكور، وله ملازم طبعت خصيصا لطلبة المعهد تتعلق بفن الخطابة وممارستها.
امتاز المقدسي بحبه الشديد لصنعته الخطابية، يتابع تطوراتها بدقة، لا تفوته ملاحظة إلاّ دونها، فضلا عن رؤيته لعالم الخطابة واهتماماته بشئون الخطباء، التي فصلها من خلال بعض الرسائل. ويقول في إحداها «إن الكثيرين لا يدركون أهمية الخطابة والخطباء، بل يرون الخطيب كالكاسب العادي، فإن افتقر لشيخوخته أو ضعفه عليه أن يستجدي من الآخرين ولا يعتبرونه إنسانا أفنى عمره في تثقيف وتعليم وهداية الناس إلى دينهم ومراجعهم وله حق التقاعد على الأقل من الحقوق الشرعية التي تدفع لكثير من الأشخاص الذين لا فائدة فيهم للدين والمجتمع».
وهو يشاطر بهذا الشعور ما كتبه فقيد المنبر الخطيب عبدالزهراء الحسيني منتقدا إهمال المجتمع للخطباء، حين قال ما نصه: «والخطيب ليس بمضمون المستقبل، وكم رأينا من أقعدهم الكبر أو المرض عن مواصلة القراءة، وهم شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سوّدت وجوههم بالعظلم، فلا معاش تقاعدي ولا ضمان اجتماعي، مضافا إلى أن أكثر أهل المجالس يغمطون حقوقهم ويظلمونهم أجرهم ويستكثرون القليل عليهم».
العدد 1604 - الجمعة 26 يناير 2007م الموافق 07 محرم 1428هـ