العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ

داخل وخارج ملحمة السراب...

عيون فانغا العمياء...

يبدأ مسلسل الإلغاء الآخر بين الأطراف جميعها، الكل يلغي الكل، فيما برابرة الشاعر قسطنطين «كفافي» يتسللون إلى الأحلام والشرايين ليؤسسوا ما يطلق عليه «منطقة الشرق الأوسط» لتبرير الوجود الصهيوني، ويتحرك قطار السلام وتتسابق الأنظمة لصعود القطار المتجه بالسرعة الفائقة وباستماع إلى لسان السلام الذي يكثر كلامه غالبا ويقوم بخلط كل شيء لدرجة أن مئة من العقول لن تستطيع فك ما خلطه. فهل كامب ديفيد الثانية هي أكبر ثالث نصر للإسرائيليين بعد أن كان الإتفاق بين «إسرائيل» و(م.ت.ف) هوثاني أكبر نصر للصهيونية كما قال «آموس عوز» ردا على سؤال «مايكل أعناتييف» في (بي.بي.سي) عن رأيه في الإتفاق، وقد كان أول انتصار للصهيونية تأسيس دولة «إسرائيل» في العام (1948) وقد دعاها توماس فريدمان (بالمعادل في الشرق الأوسط لسقوط جدار برلين) والاتفاق يمثل في رأيه كما قال: «انتصار الواقعية على التعصب والشجاعة السياسية على الجبن السياسي».

وفي إحد مقالاته يسميها «الإستسلام الفلسطيني» فيما وضح أدوارد سعيد مهزلة السلام حينما سُئِل عن مسألة المفاوضات إذ لم يكن لديه شك بأن «م.ت.ف» ستتفاوض مع «إسرائيل» وليس هذا ما يقلقني، إن ما يقلقني هوأي نوع من المفاوضات ستكون تلك وما غايتها! وأي نوع من الإستقلال وفوق ذلك كله أي نوع من الدولة الفلسطينية نتحدث عنها؟ هناك كمنت مخاوفي لأنني كنت قلقا على نحومسبق في أنها لن تكون في الواقع مصالح الكتلة الكبيرة من الفلسطينيين الذين هم أساسا مفقرين أودون وطن وبالتالي من دون أرض، ولكنها ستكون في خدم مصالح على نحو مطرد الفئات العليا في (م.ف.ت) أي البرجوازية المعتمدة أيديولوجيا على الولايات المتحدة والرأسمالية غير ذات الإهتمام الجدي في إصلاح بنية المجتمع الفلسطيني ولا حتى العالم العربي، ويظل إدوارد سعيد حامل القلم للدفاع عن فلسطين والقدس التي يتم بيعها إلى درجة أن البعض يقترح أن تزاح بعض الآيات القرآنية التي تفضح نوايا «إسرائيل» وتتوعدها.

فحينما سُئِل وتم تحذيره من التهديدات العنيفة على حياته بالقتل، أجاب: (لا أفكر بالأمر كثيرا، إذا تابعت التفكير في أية مشكلة من ذلك النوع، فإن الأسوأ يكون قد حصل عن طريق جعلك عاجزا عن العمل... إنه لا صعب على أولئك الناس مما هوعليك... أعتقد أن الأمر الأساسي هوأن تستمر في طريقك وتذكر أن ما تفعله وتقوله يعني أكثر بكثير في مسألة كونك آمنا أم لا).

في زمن ما عاد من أفواه الصغار والكبار إلا أغاني الدعايات كما يقول المختار في مسرحية «ملحمة السراب» ويرد عليه أديب قائلا: سيرتاحون أخيرا ويعرفون طعم الرفاهية. يرد المختار: ومن أين نأتي بالمال؟ الآن بعنا أراضينا، فماذا نبيع في المرة المقبلة؟ وكثرة البضائع تولد الحاجة لدى الإنسان حتى ولولم يكن محتاجا. ولذلك نرى الجميع يدورون ويدورون - يشترون ولا يكتفون، عيونهم فارغة وعقولهم مبلبلة، لا أدري أنا أتكلم على قد فهمي، وأخشى ألا نعرف راحة البال بعد اليوم. يرد عليه الأديب: لا تتعجل يا مختار الحكم حول ما يجري! نعم إن وفرة البضائع ستخلق لدى الناس حاجات جديدة، ولكن ستخلق لديهم أيضا الدافع للعمل والكسب حتى يلبّوا هذه الحاجات. يقوله المختار: وأين سيعملون؟ فيجيب أديب: ستوجد فرص عمل كثيرة والمجمع وحده يحتاج إلى عدد كبير من الشباب والبنات وكلما إزدهرت الأحوال، زادت فرص العمل.

إن حركة السوق وقوانينها هي التي تصنع التقدم، وعبود الغاوي مصرّ على أن يجعل البلد واحدا من أحدث الأسواق في العالم، وسيدعو عبود الغاوي وجهاء الضيعة لقضاء سهرة في المجمع... وعندما يغادر أديب يبقى المختار وحيدا يكلم نفسه قائلا:

هذا الشاب، في إهابه جني أوشيطان، وأحيانا أشعر أن الضيعة كلها مسكونة بالجن والعفاريت، يا رب تلطف تلطف ولا تجعلنا كتلك القرية التي أمرت مترفيها أن يفسدوا فيها حتى حقّت عليها اللعنة.

وهاهم النخب يبررون السلام مع دولة الصهيونية باعتبارها أمرا واقعا في الوقت أنها دولة مختلقة تم تأسيسها من قبل الغرب بدعم أميركا التي أدخلت فيروس الإيدز في جسد إفريقيا، ألم يقل كاتب الخيال العلمي «بريان الديس» في مقدمة الطبعة الجديدة لكتاب ويلز، أن روح دكتور مورو مازالت حية وستظل حية في هذه الولايات المتحدة، ولوعاش للآن لقدمت له الدولة التمويل اللازم، فهناك بعض النظريات تشير إلى أن فيروس الإيدز ظهر نتيجة حادث في أحد معامل اللقاح في الأحراش في الخمسينات أثناء تجربة خبراء أميركيين للقاح شلل الأطفال. وهذا الإفتراض هوما تم مناقشته في مقال « هيلني أبستين» ما تسبب فيه (كوبوروسكي) وهذا ما يوضحه كتاب (النهر) لـ (ادوار هوبر) عن أصل الإيدز.

إذ يرى الكثير من النخب أن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر لم يعد واقعيا وممكنا وسيؤدي إلى تهويد كل فلسطين وتحويلها إلى أندلس أخرى، بينما الحقيقة تقول إن فلسطين أرض عربية للفلسطينيين وفيها مقدسات تعني المسلمين والمسيحيين واليهود في جميع أنحاء العالم، وما جرى كما يقول أمين لفلسطين الشيخ قاسم في منتصف القرن السابق يعتبر إنحرافا كبيرا في السياسة العالمية وفي طريقة التعامل مع شعب يطرد بكامله من أرضه ووطنه لمصلحة تجميع أفراد وجماعات من دول مختلفة لإختلاق دولة «إسرائيل» هذا العمل بحد ذاته لا ينسجم مع العدالة ولا مع الأعراف الدولية ولا مع الشرائع السماوية ولا ينسجم مع أي عنوان من عناوين حقوق الإنسان. وضرورة إعطاء الإستقلال وحق تقرير المصير للشعوب، فكيف يمكن أن يقبل أن الحق هوفي وجود «إسرائيل» المغتصبة وتوزيع الفلسطينيين اللاجئين على البلدان المختلفة! وأن المشكلة هي في من يطالب بإعادة الأرض إلى أهلها وهذا منطق مرفوض، ولا يمكن أن يقبل إلا أن فلسطين للفلسطينيين سواء كانوا مسلمين أومسيحيين أويهودا. هي لكل مواطن كان موجودا على هذه الأرض قبل إغتصابها ومن حقه أن يعيش فيها بشكل طبيعي. والدعوة إلى التحرير هي في الأساس دعوة لرفض الإحتلال والإغتصاب وإلى رفض القرارات الجائرة التي تحكّمت في شعب فلسطين المستضعف. لكن أن يكون هناك تهديد بأن فلسطين ستُهوّد إذا استمر هذا المنطق فالشيخ نعيم قاسم يسأل: ألم تهوّد فلسطين حتى الآن حتى نخشى مثل هذا التهويد؟ هل هناك حل منصف وعادل بحق شعب كان آمنا في أرضه حتى جاء التآمر البريطاني والدولي والمدعوم لاحقا من الأميركيين؟ وهل المطلوب أن يبقى هذا الأمر على ما هوعليه؟

*كاتب وناقد ومخرج مسرحي

العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً