العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ

مسرحية «العيشة المرة»... احتجاج هادئ على واقع سياسي مأزوم

ضمن الفعاليات التي أعدتها «جمعية العمل الإسلامي»( أمل)، لتسليط الضوء على مشكلة الفقر في البحرين، عرضت الأسبوع الماضي مسرحية «العيشة المرة»، على مدار ليلتين، وقدمتها اللجنة الشبابية للمسرح البحريني (تحت التأسيس) بالتعاون مع مسرح الحسينية المهدية، وذلك على صالة مأتم سار الكبير.

المسرحية عالجت قضايا اجتماعية وسياسية تطفح بها الساحة، من فقر وتجنيس وبطالة وإسكان، ومنافسة العمالة الأجنبية للعامل المحلي، بلغة شعبية بسيطة، وبطاقم من الممثلين الهواة، الذين اجتهدوا في إيصال «صرخة الألم» التي يشعر بها المواطن البسيط.

يبدأ العرض على مشهد لسوق خضار شعبي، يجلس فيه إثنان من الباعة البسطاء، يتبادلان الشكوى من ضيق العيش وهموم الحياة: «الشغل ليس لنا، الشغل للأجانب»، و»الناس ينتظرون 17 سنة وما يحصلون على بيت، والأجانب يجنسون ويأخذون البيوت». ويلمّح أحدهم: «واعدونا ببيت لكل مواطن، والظاهر أن لكل مواطن قبر».

ويتبادلان الحديث عن آخر القوانين: قانون منع التسول، فيقول أحدهما: «سمعت القانون الجديد، اللي يطر (يتسول) يسيء لسمعة البلد، ولكن اللي يصير في الفنادق ما يسيء للبلد، اللي صار في التأمينات وبيزات التقاعد والأراضي ما يسيء لسمعة البلد. فلوس الأوقاف الجعفرية وين راحت؟».

ويدخل بعد قليل عامل أجنبي، يعمل في بيع الخضار لصالح أحد المتنفذين، ويبيع الزبائن بسعر أقل من السوق، ما يثير غضب الباعة الفقراء، فيصطدم به أحدهم ويطرده من السوق.

يدخل مفتش البلدية، ليستلم من باعة الخضار الضرائب اليومية، (نصف دينار) ولكنهم لم يبيعوا شيئا، فيصطدمون به، ويعلق أحدهم: «الحكومة محتاجة إلى نص دينار؟» فيرد عليه: «نعم، محتاجة إلى نص دينار. إدفع»!

بعد قليل، تقتحم مجموعة آسيوية من أتباع المتنفذ خشبة المسرح بحثا عمن طرد زميلهم للانتقام منه، وفرض هيبة القانون، ويبدأ مسلسل إذلال المواطن، فيفرض عليه أن يقبل قبعة العامل الآسيوي، ويهددوه بالضرب حتى يلين فيقبل قبعته. ثم يفرض عليه تقبيل سلة خضاره، فيخضع مرة أخرى بعد الضغط والتهديد. واخيرا... يفرض عليه أن يقبل حذاءه، وهنا تثور الحمية ويرفض، فينهال عليه الجمع بعصيهم حتى يتركونه جثة هامدة. وبينما يلتقط أنفاسه الأخيرة يوصي ابنه: «أوصيك بكلمة الحق، لا تتنازل عن كرامتك، ولازم تقول كلمة الحق، ترى احنه صرنا الأغراب في هذي الديرة والأجانب صاروا مواطنين».

المشهد الآخر، لابن القتيل الذي لم يترك له الراحل مالا، وحتى المنزل الذي يسكنه نكتشف أنه مرهون. وبعد قليل تصله مكالمة تبشره بأنه فاز بجائزة عشرة آلاف دينار. وعليه أن يحضر بطاقة اليانصيب لتسلم الجائزة، وقلب المنزل والأثاث بحثا عن البطاقة من دون جدوى، وعندما يخبر جيرانه يقترح عليه أحدهم بأن يراجع الملا ليحضر له روح أبيه ليسأله عن البطاقة.

يبدأ المشهد الثالث مع الملا، الذي يحضر الأرواح، ويكشف الأسرار، وعندما شك الأبن في قدراته طمأنه زميله بأنه حضّر الأسبوع الماضي روح هارون الرشيد! ويوضح أن السعر يعتمد على عملية تحضير الأشخاص، (50 دينارا للإنسان الصالح و20 دينارا فقط للطالح)، ولما سأل عن سر هذا التمييز أجابه: «لأن الإنسان الطالح يحضر بسرعة، بينما الصالح يحضر بعد تعب ووقت طويل، لأنه لا يريد الخروج من نعيم الجنة والعودة إلى حياتنا الدنيا».

ثم يقوم بتحضير روح الأب، صائحا بين تصاعد الدخان: «خربوش مربوش...»، فيخرج على الخشبة في غلالة بيضاء، أجاد المخرج تصوير المشهد عن طريق التحكم في الإضاءة بمهارة.

ويتقدم الابن إلى روح الأب، فيسأله عن البطاقة، فيسأله: «هل ما زالت عندكم بطالة؟ وهل وزارة العمل ما زالت ترمي أوراق العاطلين في حاويات القمامة؟ وهل أسقطوا عنكم استقطاع الواحد في المئة»؟، وأخيرا يخبره بوجود البطاقة في الحاوية التي يخزن فيها الأرز.

وقبل الخروج، يتفق الابن مع الملا على أن يعطيه نصف مبلغ الجائزة، بشرط أن يحضر له «الفقر»، وسرعان ما يستحضره، ليقف أما الابن الحانق: «هل بيننا وبينك ثأر؟ هل تطالبنا بشيء؟ ليش إمكلب فينا هكذا؟ معيشتنا كلها فقر وعذاب وحرمان». يرد عليه الفقر: «تحاسبني أنا؟ حاسب أصحاب الفلوس. ليش الطمع؟ بلدكم فيها الخيرات، فيها النفط والأراضي والبحور، بس لو فيها توزيع عادل للثروة ما كان ظل فيها فقير».

الملاحظ ان المسرحية فيها الكثير من المرونة، ما يتيح الخروج على النص، ومن ذلك الاستشهاد بفضيحة وزارة العمل برمي أوراق العاطلين عن العمل في حاوية القمامة، وهو ما نشرت عنه الصحافة صباح ذلك اليوم، بينما أضيف عفويا إلى النص في عرض اليوم الثاني ذلك المساء، ومن المؤكد أنه لم يرد في عرض الليلة الأولى.

الطريف أن ترى الأطفال الصغار يتحلقون قريبا من خشبة المسرح، فيما كانوا يشاركون الممثلين حركاتهم ويحاولون الإجابة على أسئلتهم. وفي نهاية العرض، صعد الجمهور إلى خشبة المسرح، ليلتقطوا صورا تذكارية مع الممثلين بكاميرات هواتفهم النقالة.

العدد 1805 - الأربعاء 15 أغسطس 2007م الموافق 01 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً