العدد 1997 - السبت 23 فبراير 2008م الموافق 15 صفر 1429هـ

العرب «جنس» و«رقص» و«شتائم المذاهب» إن تطوروا

في سوق هذا المارد الإلكتروني المفتوح... لا حقوق فكرية أو إبداعية

لا تدل نتائج البحث عن كلمة «عربي» في محرك البحث لـ «يوتيوب» على نتائج مشجعة، وما خلا «الرقص» و«الجنس العربي» و«شتائم المذاهب» يمكنك أن تلتقط كليبا بين فينة وأخرى لموضوعة ثقافية أو علمية أو لحركة كفاية المصرية التي تعتبر أكثر الحركات السياسية نشاطا في موقع «يوتيوب».

أقل النتائج وأكثرها كارثية هي نتائج البحث عن كلمة «ثقافي»، أما أعلى الكليبات العربية في مستوى المشاهدة، فيعود للفنانة اللبنانية هيفاء وهبي في فيديو كليب لأحد القنوات الفضائية.

وتشير هذه النتائج العربية على الأقل، إلى الصورة السيئة في التفاعل العربي مع هذه التقنية التي تعتبر من أهم التقنيات الحديثة في الإعلام المرئي، وقبالة الجدل الكبير الذي يدور في الولايات المتحدة وبريطانيا بخصوص «اليوتيوب» فإن شيئا من هذه الجدالات لم يجد مكانه هنا، خصوصا وأن الاستخدام العربي لهذه التقنية لا يزال الأقل عالميا قبالة ثقافات أخرى تفاعلت وتداخلت وهو ما شفع لها بأن تحصل من «يوتيوب» على مواقع خاصة.

يوتيوب «تلفزيون جديد»

أو منتديات معارضة

السؤال هنا، هل يمثل «يوتيوب» إعلاما جماهيريا كما هي المنتديات الإلكترونية (forum) أم أنه تطور إعلامي يأتي بالتوازي مع تطور وسائل النقل التلفزيوني، وعليه سيكون «اليوتيوب» اليوم أو غدا، البديل الجديد لأجهزة التلفزة خصوصا وأن الكثير من الفضائيات العالمية أصبحت تروج نشراتها الإخبارية من خلال الموقع.

اليوم، يجري قسم كبير من صراع الانتخابات الأميركية عبر كليبات «اليوتيوب»، وقبل أربعة شهور، بثت الشبكة الإخبارية الأميركية «سي إن إن» مناظرة المرشّحين إلى زعامة الحزب الديمقراطي في البيت الأبيض عبر موقع «يوتيوب» وكان لمتصفحي الموقع الفرصة لطرح الأسئلة على هيلاري كلنتون وباراك أوباما مباشرة. هذا التوظيف الإعلامي لـ «يوتيوب» يجعل من محاولات تحديد مستقبل نمو هذا العملاق الجديد مفتوحة نحو الكثير من التوقعات التي قد تطيح بوسائل إعلامية احتكرت الإعلام العالمي لعقود.

لم يكن لأي قناة تلفزيونية إخبارية القدرة في أن تكسر الرقم الذي حققه موقع «يوتيوب» حين عرض كليبا احتوى زُلّة لسان السيناتور الجمهوري جورج آلن في وصف الأفارقة الأميركيين بلفظة «ماكاكا»، وهي لفظة تشير إلى القردة. فخلال أقل من ساعة، شاهد شريط الخليوي الذي التقط هذه «الزلّة» المفرطة في العنصرية أكثر من ستين مليون مشاهد في العالم!

هذه المشاهدة المليونية تأتي ضمن مشاهدات تتخطى الـ 70 مليون شريط يوميا. ولربما كان مستوى هذا الإقبال الذي تخطى مشاهدات «فيديو غوغل» السبب الذي دعا الأخيرة إلى اقتناء «يوتيوب»، في 2006، لقاء مبلغ قدره 1.65 مليار دولار. إذ يخطط «غوغل» لتحويل «يوتيوب» إلى تلفزيون يعرض ما يطلبه المشاهدون.

وفي السياق نفسه، كان توقيع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» صفقة مع موقع «يوتيوب» الذي وصفته بـ «الموقع الأكثر شعبية على شبكة الإنترنت لشرائط الفيديو»، حدثا استثنائيا، ووفقا للصفقة، ستوفر يوتيوب ثلاث قنوات يمكن من خلالها مشاهدة مواد من قناة «بي بي سي»، تخصص واحدة منها للأخبار واثنتان للترفيه.

وتأمل «بي بي سي» أن تساعدها الصفقة على الوصول إلى «مشاهدي يوتيوب البالغ عددهم أكثر من 70 مليون، إضافة إلى تحويل عدد من هؤلاء إلى تصفح موقعها على شبكة الإنترنت».

كما أنضمت لـ «بي بي سي» الكثير من المحطات الإخبارية الأميركية والمواقع الفنية وشركات الإنتاج السينمائي، وهو ما أعطى «يوتيوب» الذي يديره نيف وسبعون موظفا فقط، وهو ما اعطى هذه الشركة التي يعمل بها نيف وسبعون موظفا الزخم الذي تحتاجه لأن تصل صفقة بيعها لحدود المليار والنصف من الدولارات بعد أن أدرك العملاق المعلوماتي «غوغل» تفوق «يوتيوب» على خدمات الفيديو لديه.

ويشارك القنوات الإخبارية في التزاحم الخبري داخل «يوتيوب» هواة وسياسيون وأخيرا رؤساء دول، فرئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، هنأ الرئيس الفرنسي المنتخب، في يونيو/ حزيران الماضي على موقع «يوتيوب»، وكذلك هيلاري كلنتون التي تشارك في يوتيوب ورصيدها من الأفلام المرفوعة على الموقع 6 كليبات جميعها تختص بدعايتها الانتاخبية، وكذلك باراك أوباما والكثير من المرشحين للرئاسة الأميركية.

ولا تقتصر حدود العملية الإعلامية على القنوات الإخبارية، فالكثير من الكليبات المعروضة في هذا الموقع وبعضها إخباري بحت، تمثل صورة من إعلام بديل قبالة الإعلام الرسمي، وهو ما جعل من الجماعات السياسية والجماعات المعنية بحقوق الإنسان تسعى لتوظيف هذا الموقع في نشر كليباتها التي تكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في أكثر من بلد حول العالم، وصولا اليوم إلى تخصيص بعض المواقع لتقتصر المشاركات فيها على هذا النوع من الإنتاج الإعلامي.

لقد استطاعت شبكات الدفاع عن حقوق الإنسان أن تجعل من هذا الموقع لبث ما ترفض أو تتحفظ شبكات التلفزة العالمية على بثه للجمهور، واستطاعت من خلال ذلك، الحصول على تعاطف دولي وشعبي على أكثر من صعيد. لكن الذي يعكر صفو هذا التوظيف الحقوقي لليوتيوب هو ما وصفت به صحيفة «الليموند دبلوماتيك» اليوتيوب، حين اتهمته بالمرآة غير الأمينة، إذ كشفت الكثير من التقارير الفنية أن بعض الكليبات المعروضة في الموقع غير حقيقية، وأنها مجرد دبلجات تركيبية تهدف لصناعة رأي عام عالمي لقضايا غير حقيقية ولا تتسم بالصدقية. وهذه الإشكالية وغيرها مما سنورده أدناه، هو ما دعا شركة «يوتيوب» إلى تخصيص جهاز رقابة في الشركة على ما يتم عرضه من كليبات ويقوم هذا الجهاز بحذف بعض الكليبات وفق قائمة من المحضورات المحددة سلفا.

يوتيوب كليبات العنف والرقابة

إحدى أهم الإشكاليات التي تواجه موقع «يوتيوب» اليوم، هو اتهامه بالتشجيع على أعمال العنف، وذلك عبر بعض الكليبات التي تعرض أعمال عنف في الشوارع تشمل القتل والضرب حتى حالات الإغماء. وهو ما اعتبرته الكثير من المنظمات الدولية المعنية بحماية الطفولة تشجيعا مباشرا على العنف خصوصا وأن خدمة التعليقات على الكليبات غير مراقبة، وهو ما جعلها في الغالب تعطي تعليقات إيجابية عن أعمال العنف.

في بريطانيا، أثارت الجمعية القومية لمديري المدارس احتجاجات على يوتيوب تتضمن «عرض مواد مهينة على الموقع». إذ اشتكى المدرسون من «استخدام الطلاب المستمر للموقع لنشر مقاطع بذيئة ومهينة للمدرسين والعاملين بالمدارس إذ عرض أحد الكليبات أوائل هذا العام، مشاهد مصورة بوضوح لأثداء مدرسات».

وفي سياق آخر، قامت البحرية الأميركية بحجب شريط فيديو مثبت على الموقع، لتضمنه مشاهد قالت إنها «غير ملائمة»، إذ يظهر فيها عدد من البحارة وهم يقومون بتصرفات خرقاء على متن حاملة طائرات نووية.

وقال الناطق باسم البحرية إن الفيلم الذي يحمل اسم «نساء CVN76 » «لم يخضع لموافقة قائد حاملة الطائرات النووية، رونالد ريغان، التي صوّر على متنها، كما لم يحز على موافقة البحرية، وأن الذي قام بإعداده هو أحد الملاحيين الجويين. وتظهر على الشريط بوضوح بعض الصور لبوابة المفاعل النووي العامل على متن الحاملة، فيما تُظهر صور أخرى بحارا يرقص مرتديا البذلة الواقية من الإشعاعات النووية.

وأعلنت الوزارة أنها ستبدأ في منع العسكريين من الوصول إلى أكثر من 11 موقعا شهيرا في مقدمتها يو تيوب «You Tube» وماي سبيس «My Space».

ويخشى اليوم في الولايات المتحدة من يوتيوب أن يقوم بتسريب أسرار عسكرية، خصوصا بعد بث مقاطع على يوتيوب للجنود الأميركيين في العراق وهم يعدون رزما من الدولارات في أحد قصور الرئاسة العراقية، وكذلك صور الضحايا الأميركيين في العراق وهو ما يؤثر - بحسب وزارة الدفاع الأميركية - على سير العمليات العسكرية وعلى مستوى الثقة بالجنود الأميركيين.

قضائيا وفيما يتعلق بحقوق النشر، يتعرض «يوتيوب» لسلسلة طويلة من المطالبات القضائية جراء نشره للكثير من الأفلام والكليبات من دون الرجوع لقوانين الحقوق الفكرية والملكية الخاصة، ومنها:

1 - شركة «فياكوم» للتسجيلات، إذ تطالب الموقع بتعويضات ضخمة، وتتهمه بانتهاك حقوق المؤلفين الخاضعة لملكيتها وأن «يوتيوب» تسبب في خسارتها لملايين الدولارات.

2 - بعض شركات الإنتاج السينمائي في هولييود، والتي تؤكد أن «يوتيوب» قام بعرض بعض الأفلام من دون الرجوع إليها، وهو ما تسبب في خسارتها للكثير من المشاهدين الذين من المفترض أن يشاهدوا أفلامها في صالات العرض السينمائي وليس على شاشة الكمبيوتر.

3 - في فرنسا، ادعى اتحاد كرة القدم واتحاد كرة المضرب على «يوتيوب» بسبب بثّه مباريات «مقرصنة».

4 - الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.

5 - 7 شركات أميركية لتوزيع الموسيقى. إذ يقدم موقع «يوتيوب» الكثير من الكليبات الغنائية الصادرة حديثا والتي غالبا ما تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة.

الرقابة على «يوتيوب»

شكلت مجموع هذه القضايا والإحتجاجات ضغوطا قوية على هذه الشركة، وهو ما دعاها إلى تعزيز الأدوار الرقابية على ما يتم عرضه من كليبات ومقاطع مصورة، إلا أنها وحتى اليوم لم تستطع إحكام سيطرتها خصوصاص وأن تزايد أعداد المشاركين يتطلب معه جيشا من المراقبين.

بعض الدول لم تستطع التعايش مع «يوتيوب» ومنها إيران، التي حجبت هذا الموقع ومنعت دخول مستخدمي الإنترنت إليه بسبب ما يعرضه من «أفلام فيديو لجماعات المعارضة الإيرانية وكذلك أفراد معارضين للنظام ، إذ تظهر عند الدخول على الموقع عبارة تشير إلى إغلاق الموقع طبقا لقوانين إيران وهي العبارة نفسها التي تظهر على الكثير من مواقع المعارضة والمواقع الإباحية على شبكة الإنترنت». وكذلك الحال في تايلند، إذ تم إغلاق بوابة موقع يوتيوب في الرابع من شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي بعد أن «رفض الموقع إزالة هذه المواد من بين صفحاته التي اعتبرتها الحكومة التايلندية إساءة إلى الملك بوميول ادوليادج». وكذلك الهند بسبب فيديو يسيئ إلى الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي إذ يظهر فى الفيديو المثير للجدل شخص يبدو في ملابس «زعيم حركة التحرر الهندية» غاندي وهو يلجأ إلى العنف ويحمل بندقية آلية ويرقص طربا على صوت الموسيقى.

الحادثة الأهم في الرقابة على يوتيوب، كانت إقدام مهندسو الموقع على حذف حساب الناشط المصري في الدفاع عن حقوق الإنسان «عباس»، وهو حساب كان يعرض عبر بعض الكليبات مشاهد من عنف رجال الأمن المصريين في التعامل مع المعتقلين في مراكز الشرطة المصرية، وهو ما أدى إلى محو عشرات الأفلام التي تظهر التعذيب في السجون المصرية. وكان من بين الأفلام التي محيت مقابلات إعلامية ظهر فيها عباس ولا تحتوي البتة على أي عنف أو صور تنتهك سياسة الموقع وشروط استخدامه القانونية. وهو ما طرح أكثر من علامة استفهام عقب تحول الشركة لملكية العملاق المعلوماتي «غوغل» إلا أن ذلك لن يغير من الأمر شيئا، خصوصا وأن الكثير من المواقع الجديدة باتت تقدم خدمات مماثلة لما يقدمه «يوتيوب» وهو ما يؤكد أن «يوتيوب» سيكون ظاهرة جديدة في الإعلام العالمي أكثر منه شركة أو مؤسسة يمكن السيطرة عليها والتحكم بمخرجاتها.

العدد 1997 - السبت 23 فبراير 2008م الموافق 15 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً