العدد 2295 - الأربعاء 17 ديسمبر 2008م الموافق 18 ذي الحجة 1429هـ

نانسي خضوري تستعرض تاريخ اليهود في البحرين

في محاضرة عن كتابها «من بدايتنا إلى يومنا الحاضر»

لا تخفي الصور المشوشة الأصالة والطبيعة السمحة للشعب البحريني، الذي ظل منذ عصور قديمة مضت محافظا على طباع التسامح والتآخي والانفتاح على جميع الأديان وفق منهجية تعايش جذابة، جعلت من هذا الوطن الصغير أفقا يتسع للجميع كي يعيشوا فيه ويتعايشوا مع بعضهم البعض في رونق أخاذ كرونق إكليل متنوع الأزهار.

تلك الصفات كان لها أن تسرد وتستذكر ضمن المحاضرة التي أقامتها جمعية تاريخ وآثار البحرين بمقرها في الجفير خلال الأسبوع، والتي قدمت فيها المحاضرة نانسي إيلي خضوري مقتطفات من كتابها «من بدايتنا إلى يومنا الحاضر»، الذي يسرد وفق دراسة أكاديمية تاريخ اليهود في البحرين، وأبرز ملامح الوجود لهذه الديانة في هذا البلد، الذي احتضنهم بعد أن كانوا قادمين من العراق، ليستقروا حيث وجدوا الأمن والاستقرار والقبول الاجتماعي بين السكان المحليين.

المحاضرة التي امتلأت لها قاعة الجمعية بالحضور، أبدت في مدخلها المحاضرة نانسي خضوري سعادتها باستضافة جمعية تاريخ وآثار البحرين لها كي تقدم كتابها ونتاج بحثها عن تاريخ اليهود في البحرين، مؤكدة أن كثرة الحضور هو دليل على الاهتمام بتاريخ هذه الديانة في البحرين.

وبطرافة وسلاسة في الحديث، بدأت خضوري المحاضرة بإطلاع الحاضرين على منبع فكرة توثيق تاريخ اليهود ضمن كتاب، إذ قالت «نشأت الفكرة من خلال حوار دار بيني وبين إبراهيم داود نونو بإيجاد وثيقة تجمع أهم الأحداث والذكريات لليهود في البحرين، وقد واجهت بعض الصعوبة للحصول على القصص والذكريات التي لا يمكننا أن نتركها تختفي من جيل إلى جيل، فبدأت كتابة كتابي الأول، ووجدت مشقة في الوصول إلى الجذور، حتى صدر الكتاب الأول في صورة غير أكاديمية، يسجل التاريخ المنقول شفهيا، والغير موثق، إذ أتى فيه تسليط للضوء على حياة اليهود البحرينيين الذين يشكلون أقلية، ومنه قمت بالالتقاء بالعائلات اليهودية في البحرين وخارجها، وحصلت على صور من ألبوماتهم وبعض الوثائق المرتبطة بيهود البحرين الذين كانوا قادمين إليها من العراق في معظمهم».

وفي استرسال ذكرت بالقول «في السابق، كان اليهود يشكلون بضع مئات في البحرين، واليوم لا يزالون موجودين وعددهم لا يتجاوز 36 شخصا، وجذورهم تعود في السابق إلى أناس أتوا للبحرين من العراق عام 1880، وذلك بهدف الحصول على ظروف حياة أفضل، فعاشوا في المنامة في فريق الفاضل والحطب وفريج كانوا وبالقرب من سوق التمر، كما تأجروا بناية راشد الزياني بالقرب من باب البحرين وبناية هلال المطيري»، وتضيف «اليوم تحت حكم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة نرى التسامح بين الأديان كما كان موجودا في السابق، منذ الأيام التي وصل فيها أجدادنا للبحرين، فقد لعبت البحرين دورا في تمثيل تسامح الأديان، من بداية تواجدنا في البحرين إلى يومنا الحاضر، بنفس درجة التسامح، حتى أن اليهود أصبحوا حاليا يسكنون في المناطق العامة البحرينية، ويتعايشون مع السكان بكل حب واحترام».

ومن خلال عودة للتاريخ، تطرقت خضوري إلى الأعمال التي زاولها اليهود بعد قدومهم للبحرين، في لفتة لتفاعل الذي أثبته تواجدهم مع المجتمع البحريني، إذ ذكرت قائلة «اليهود في البحرين اشتغلوا في الكثير من الأعمال، فكان لهم العمل بالصرافة وكمشرفين ومستشارين في البنوك» إذ استعرضت حينها عددا من الصور للعاملين في مجال الصرافة مثل إبراهيم نسيم نونو، وحسقيل عزرا، وصورة أخرى لـ منشي إبراهيم كوهين، إلى جانب صورة لابنه أنور منشي كوهين، الذي ذهب للكويت خلال فترة قصيرة للعمل في مجال الصرافة، عاد بعدها للبحرين.

واستوقفت نانسي استعراض الصور أمام صورة لـ داود مئير روبين وسلمان سويري، اللذان كانا يعملان مشرفين لمنطقة الصرافة في أحد المصارف، إلى جانب القدوم على سيرة جدها يوسف خضوري الذي اشتغل كمدير عام مع إحدى عائلات البحرين، حتى استقل بعمله بعد أن فتح محلا خاصا قرب باب البحرين.

وذكرت المحاضرة أن الكثير من رجال اليهود اشتغلوا في شركة (كيبل آند وايرليس) التي هي شركة بتلكو حاليا، إلى جانب العمل في بابكو وكريمكنزي، إلى جانب أن الكثيرين اتخذوا من التدريس مهنة لهم، وهي تستعرض بعض صور التعليم في السابق، والتي تبرز بعض المدرسين اليهود فيها.

وانتقل الحوار إلى ذكر المهن التي كانت نساء اليهود تمارسنها في السابق، ذاكرة بالقول «النساء عملن كممرضات وقابلات، ولن أستطيع أن أواصل الحديث قبل أن آتي على ذكر أم جان، القابلة التي كانت تعمل في مستشفى النعيم، ثم انتقلت للعمل في المستشفى الذي يحمل اليوم مركز الشيخ سلمان الصحي، الذي كان معروفا في السابق أنه بيت أم جان، كونها تسكن فوقه، حتى استقلت هذه المرأة من العمل في المستشفيات الحكومية، وأصبحت تعمل بشكل شخصي، وولد الكثير من الناس على يديها، ولديهم ذكريات جميلة عنها وعن أبنائها، إذ كانت بمثابة أم للجميع، وهي فيما كانت تعيش هناك، كانت تلتقي بأصدقائها وتتعامل معهم دون أن يسأل أحد عن دينها، بل أحبوها لشخصها، وعاشت معهم بمحبة واحترام وصداقة متبادلة».

وفي عودة إلى الأعمال التي زاولتها نساء اليهود في السابق فتقول خضوري «كان هناك نساء يبعن الأقمشة وهن ينتقلن بين البيوت، كما أن بعضهن مارسن الخياطة مثل روزا ومسعودة شائول، إذ كانت روزا من أوائل اللات استخدمن ماكينة الخياطة في تلك الأيام، فيما كانت هناك صعوبة عامة وعدم القدرة على استخدام هذه الآلة في ذلك الوقت، فكانت روزا تخيط بطريقة ممتازة، وحتى أهل العائلات البحرينية المقيمين في السعودية كانوا يأتون لها لخياطة ملابسهم، وبالخصوص فساتين الأفراح، فيما كانت مسعودة شاؤول مختصة بخياطة فساتين النشل، وكانت أول من عرف منطقة الحورة بهذه الحرفة، وعلمت النساء كيف يتدربون على تصميم النقدة، فيما كان الجمال خلال استعراض تاريخها أنها كانت تشجع المرأة على الاستقلال ومدى أهمية أن يشتغلوا ويكون لهم مصدر دخلهم الخاص، فهل تصدقون أن في تلك الأيام كان هناك امرأة تفكر بهذه العقلية»؟ أضيف «مسعودة شاؤول كانت حياتها جميلة ويعجب الشخص بقصتها، والكل يعرفها بأنها إنسانة طيبة وتساعد الفقراء والمحتاجين، حتى أنها أوصت حين وفاتها بمنزلها أن يصبح وقفا لدى الأوقاف السنية، وكل ذلك مذكور في الكتاب من بداية حياتها وزواجها وحتى وفاتها».

ولطالما كان اليهود متمرسين في أعمال التجارة، فكان لخضوري العودة إلى المهن الذكورية في حديث عن التجارة لدى اليهود، فذكرت أن «الجواهرجي الفرنسي اليهودي رولاند كارتيه جاء للبحرين كي يشتري اللؤلؤ منها في تلك الأزمان، وكان التجار اليهود يتاجرون بالتبغ وزيت الزيتون والعطور والأملاك، كما أنني في هذا الصدد أذكر أن جدي لأمي ناجي هارون كوهين وجدي لأبي يوسف خضوري كانوا يلعبون دورا كبيرا في إدارة السينمات آن ذاك وتأجيرها، فقد كان جدي مساهما مع عدد من التجار في سينما النصر والحمراء، مع صديقه الحميم حسين يتيم، كذلك عمل اليهود في عمل الاسطوانات الصوتية، فيما كان يعرف سابقا بإبراهيم فون، الذي يملكه اليهودي إبراهيم سويري، والذي من المعروف أن الفنان محمد زويد قد سجل أول أغنياته على اسطوانة في محله».

وفي نقلة إلى العصر الحديث تحدثت نانسي خضوري قائلة «اليهود اليوم متواصلين في أعمالهم بالصرافة والإلكترونيات والأقمشة والعطور واستيراد الشكولاتة البلجيكية والكمبيوترات، ولديهم محلات وفروع في المنامة ومناطق أخرى من البحرين».

نانسي ذكرت بالقول «يهود البحرين لم يستشعروا في حياتهم أنهم مختلفون عن الناس هنا، واستطاعوا الاندماج مع المجتمع وهم فخورون بكونهم بحرينيين وعرب، لأن البحرين أصبحت لنا بلدا ووطنا، فيه البلد التي أعطتنا الأمان لتأسيس مجتمعنا، وفتحت حضنها لنا كي نعيش بهويتنا الخاصة والتواصل مع الآخرين، فبذلك نشأت لنا مشاركات حتى على صعيد الحياة السياسية لبلدنا، بدءا من الأعضاء الثلاثة اليهود في بلدية المنامة وهم إسحاق سويري، إبراهيم نسيم نونو ومئير داود روبين»، مستعرضة صور الثلاثة، وبعض الوثائق للبلدية ووثائق للبيوت، إذ عقبت على ذلك بالقول «في الأيام الحاضرة رأينا وجوها نسائية تلعب دورا في حقوق الإنسان البحريني، فلدينا يهود في مجلس الشورى، واليهود البحرينيين في أشد فخرهم بوجود سفيرة يهودية تمثل البحرين في واشنطن، ونحن فخورين بالبحرين، بلدنا التي تعطي للعالم دروسا في تسامح الأديان والتعايش، حتى أن البحرين هي الدولة الوحيدة في الخليج التي تملك كنيست يهودي، حتى رغم أن اليهود البحرينيين قد اتفقوا على عدم استخدام الكنيست، لوجوب وجود 10 رجال متفرغين لإقامة الصلاة 3 مرات في اليوم، وهو أمر صعب على تكوين مجتمعنا، إذ لا يعد الولد اليهودي رجلا قبل أن يكمل سن 13»، مضيفة «هذه الكنيسة أنشأت عام 1930 على يد تاجر اللؤلؤ الفرنسي اليهودي بيج، الذي فكر بإنشاء مكان للعبادة خاص باليهود، وحتى لو كانت هذه الكنيست غير مفتوحة أو غير مستخدمة، فإن يهود البحرين لهم مطلق الحرية في ممارسة عاداتهم وطقوسهم، ودائما ما يسمح لهم بحرية العبادة».

وكانت اللفتة التي ذكرتها خضوري خاتمة متميزة، إذ قالت إن «البحرين معروف عنها أنها بلدة ودودة ومضيافة، وكل شخص يأتي للبحرين يجد صعوبة في وصف تجربتهم مع هذا الشعب الرائع، لذلك فإن ولاءنا للبحرين، ونحن نؤكد على أن يستمر ولاء الأجيال القادمة وتقديرهم للوطن كما كان لأجدادهم، وبهذا الصدد أتوجه بالشكر للعائلة الحاكمة باسمي وباسم اليهود البحرينيين الذين وفروا لنا جو الأمان، وهو ما يجعل البحرين مكانا ناجحا كي يؤسس الناس أنفسهم فيها، وهو ما يجعل البحرين بلدا معروفا عالميا، وذلك بتعايش أهله كعائلة واحدة تجمعهم الثقة والاحترام والمحبة والإحساس الأخوي بفضل قيادتنا التي وفرت لنا سبل التعايش السلمي، الذي يجعلني أتمنى أن تشرق البحرين أكثر بين دول العالم كالشمس، وتتلألأ مثل اللؤلؤة النادرة، لأنه لا يجود بلد مثل البحرين»

العدد 2295 - الأربعاء 17 ديسمبر 2008م الموافق 18 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً