العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ

معرض العريبي... شفافية إحساس بلحن اللون المجرد

اللون، وموسيقى الإحساس الذي يعكسه صامتا في النفس، فيما يشبه حلم اليقظة الذي يسري بمفتح العينين إلى عوالم أبعد من حدود الواقع، ترافقه إيقاعات الحب والجمال التي تزين ما يتراءى له في رؤياه، ليصحوا أمام حقيقة أن اللون جال معه، وبه، عبر معزوفة القلب الذي كان اللون وسيلته ليصور الجمال.

جعفر العريبي، الذي كان معرضه إحساسا لا لوحات، كانت الألوان فيه تبادل المشاهد حديثا حميما صامتا عبقا بجمال الطبيعة وروعة الموسيقى، ليتبين المرء نفسه مع اللوحة في عالم مشترك أحادي، لا يشاطره فيه أحد ممن وقفوا إلى جانبه متأملين اللوحة، وكأنما هي قادرة على أن تنسجم مع كل شخص في عالم خاص له.

في هذا المعرض، لعب اللون دورا مهما جدا في إبراز العمل الفني، إذ كانت الأعمال تدور حول ثيمة الجمال ونسبية الجمال الموجودة بشكل عام، وذلك من خلال الاستعانة ببعض رموز الجمال والإغراء، وتطبيق القيم الفنية الموجودة على بقية الأعمال الموجودة.

العريبي يقول «الجمال بشكل عام يترك أثرا عند المشاهد، فحاولت أن أوظف هذا الأثر الموجود واستغلاله من خلال ملاحظة وجوده في الحياة اليومية وتطبيقه في الأعمال الفنية من خلال الاستعانة بالتقنيات المختلفة في الأعمال الفنية» واصفا الأعمال التجريدية الحديثة التي قدمها بأن لها «شحنات تعبيرية يلعب فيها اللون دورا كبيرا، إذ العمل الفني المفتحوح يعطي مجالا لتأويلات غير منتهية، وأقد تعمدت استغلال النقص الموجود في العمل لإخراج العمل بصورة فنية».

يرى جعفر العريبي أن خروجه بهذا المعرض هو نتيجة، وليس بغاية، إذ أكد خلال الحديث أن العمل الفني «مشروع مستمر وأمارس العمل الفني بشكل يومي، ومن خلال ممارستي وعملي في المرسم وتأمل الموجود عندي فيما أشاهده وأتأثر به من أشكال وأحداث، ظهر الانعكاس على العمل الذي أقدمه، فالعمل يقوم ويتكون وفق طريقة بنائية متتالية، والبداية تجر ما يلي، وبالتالي فالعمل التراكمي ينتقل بأي فكرة وأي خط مثير يستدرج باقي العمل، تتخلله مراحل حذف وإضافة إلى حين الوصول إلى مرحلة القناعة الآنية».

كانت الأعمال التي قدمها العريبي خلال ذلك المعرض مليئة بالعواطف والأحاسيس الجمالية، مستنبطة من قلب أمور حياتية، وأكد ذلك من خلال تعليقه بأن «العواطف والأحاسيس الموجودة في داخلي أقوم بتوظيفها بشكل كبير، وذلك من خلال تعاملي مع العمل الفني واللون بشكل خاص، فاللون عندي بمثابة شيء قابل للقراءة، وهنا أحب أن أقارن قراءة اللون في العمل الفني بالموسيقى، حيث الموسيقى شيء يسمع وينعكس إحساس الموسيقى على النفس مباشرة، كذالك العمل الفني يمكن قراءته كقراءة الموسيقى، فاللون يحتوي على الإيقاع والإحساس».

الموسيقى لديه بالإضافة إلى سماعها يمكن مشاهدتها، هذا ما عبر عنه العريبي، إذ من خلال التناسق الجميل الموجود في الطبيعة - حتى من خلال العلاقات الإنسانية بين الناس - يمكن الحصول على الموسيقى.

«الإيقاع الموجود في الموسيقى هو المحفز لي في العمل».

وحينما يذكر جعفر أن مجموعته المقدمة في المعرض هي حصيلة مجموعة أحاسيس إيجابية نحو الحب والجمال، نتساءل عما إذا كانت هناك لوحات عكست نفس العريبي خلال يوم غائم لا حب ولا جمال فيه، فيرد بأن هناك «أعمال لم أقم بعرضها وذلك لاعتبارات عديدة منها المساحة، ومنها تقديم أعمال لها ثيمة معينة، لكن طريقة الرسم في الأعمال المعروضة كانت قريبة مما تمليه عليّ نفسي وقلبي، فالفنان حينما يعمل بما يمليه عليه قلبه، يؤثر بشكل أكبر، والجمهور يميز أعمال الفنان من خلال الصدق مع نفسه ومع الأعمال التي يقدمها».

وهل بات التجريد عبر استغلال الألوان لنقل الإحساس والانطباع تجاه ما تراه العين سلعة رائجة، يجيب العريبي بالقول «العين المدربة في الفن على مشاهدة الأعمال الفنية تستطيع أن تميز بين العمل الأصيل والعمل العادي، حتى مسألة الألوان والدخلاء على الفن يمكن تمييزهم، والفن مجال مفتوح ويستطيع الجميع أن يجرب ويقدم أي عمل فني، فالفنان إذا كان صادقا في تعاطيه مع العمل يستطيع أن يقدم أروع ما يمكن مشاهدته، ونحن تربينا على ثقافة الممنوع، وبالنسبة لي المنع أضاع الكثير من الفرص للتطور في المجالات كافة، فحينما كان الغير يعمل بثقافة الممكن ويجرب ويصل إلى نتيجة معينة من خلال البحث، كنا مقيدين بالممنوع، والزمن هو وحده كفيل بأن يستطيع الآخرون أن يميزوا ما بين هو أصيل ومستهلك وغير صادق».

بخصوص قناعته في العمل، ذكر العريبي أن التلوين لديه يمر بمراحل تراكمية عديدة للوصول إلى إحساس ومرحلة مرضية له، وحتى يصبح مرضي للمشاهدين، إذ يجد أن عملية الإضافة والحذف هي من ضمن عملية إخراج العمل، قائلا «العمل لا يأتي سريعا، إذ بعد الحذف والإضافة لكثير من الأشياء أصل إلى اقتناع بالعمل، حتى لا يبقى من البداية إلا الشيء القليل في بعض الأحيان؛ كما أن بعض الأخطاء الموجودة في العمل أحاول تصحيحها باستمرار، وهي التي تقودني لاكتشاف الأفضل، وأنا أحب وجود الخطأ في العمل الفني، حتى أكتشفها وأصححها».

«العمل الفني بالنسبة لي يبدأ بفكرة مفتوحة، كفكرة الجمال والنسبية التي فيها، لا أضع أفكارا بالنسبة للعمل الفني»، كذلك يقول جعفر، معلقا على مسألة قراءته بعد التراكمات المتتالية عبر مواصلة العمل على اللوحة بأن المشاهد «لا بد أن يملك بعض أسس قراءة العمل الفني، فإذا اقتنى شخص كتابا معينا لا بد أن يقرأ عنوان الكتاب للوصول إلى شيء معين حتى يتدرج في قراءة الفصول ويستوعب مجمل الموضوع، في العمل الفني نحتاج إلى مثل هذا الشيء، نحتاج إلى المشاهد الذي يتعب نفسه بعض الشيء في البحث، فالفنان يترك بعض الخيوط ويترك للمشاهد قراءة العمل الفني، لذلك فعلى المشاهد بذل جهد لقراءة العمل، خصوصا إذا ما استخدم الفنان اللون فقط، فالدور الباقي على المشاهد كي يرى ويفرق ما بين ما هو جهد وما هو عبث»، مضيفا «الأساس بالنسبة لي في تكوين العمل العام للوحة هي اللون الذي يجر لخلق لوحة، في النهاية توجد مرجعية كلاسيكية لتوزيع الألوان للوصول بها لمرحلة متزنة من العمل الفني، وحتى بالنسبة لبعض الرموز، هناك رموز آنية قد تكون حروفا أو أرقاما، لأنها تدور حول مفهوم الأثر الذي ينتج من خلال علاقات موجودة ما بين شخص والآخرين والشخص والبيئة». الرموز الآنية التي كانت تبرز هنا وهناك في عمله شدت الحوار إلى التوجه نحو التعرف على حقيقة وجود بعض الرموز، كرمز الفيتروفين مان ليوناردو دافينشي، فرد العريبي على هذه المسألة بأنها «بالنسبة لوجود ليوناردو دافينشي في عملي، أو فيروز، أو مارلين مونرو، فهم أجزاء من تكويني وشخصيتي، وأنا أوظفها في العمل الفني، حتى بالنسبة لوضعية لوحة شفرة دافينشي، ففيها نسب جسم الإنسان، وذلك له علاقة كبيرة في الجمال، وهذا شيء يستفزني لطرحه بشكل مغاير».

وعن تفاوت الجمال لدى الأعين المختلفة يقول «الذي طرحته ليس الجمال بمفهوم مطلق، ولكن بشكل نسبي، لذلك وظفت النقص للوصول إلى هذه النسبية، النقص جزء من الإنسان، الإنسان يسعى للكمال، وكل هذه أشياء جمالية، لذلك وظفت نجمة الإغراء مارلين مونرو، وهدمتها للوصول إلى الجمالية النسبية، فالإغراء عندنا يحتمل أشياء كثيرة، يحتمل الجمال، ولكن له معنى آخر قد يكون مرادف للخطيئة، لذلك هذين المفهومين المعروفين لدى عامة الناس، يمكن من خلالهما الوصول إلى أشياء مختلفة، لذلك رسمت مونرو بشكل كلاسيكي، وقمت بحذف بعض المناطق الموجودة، والاحتفاظ بمناطق أخرى وإبرازها بشكل أكبر».

وفي ختام الحوار وجد العريبي أن معرضه واجهه مع انفعالات الجمهور، وصفها قائلا «بالنسبة لقبول المتلقي، لمست الكثير من الآراء المشجعة لي، ومع ما أطرحه من تجربة إن صح التعبير، بالإضافة إلى زيادة في تقبل الجمهور لمثل هذه الأعمال المطروحة، وهذا شيء بالنسبة لي يبعث على السرور».

العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً