العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ

تسويق الصورة أم رفض المثاقفة؟!

أيهما الخيار الاستراتيجي...

كيف ينظر الغرب إلينا وما هو إرثه التاريخي عن الشرق؟ في دراسة لجان جبور في كتابه «النظرة إلى الآخر في الخطاب الغربي» خرجت الدراسة بالنتائج الآتية:

تلتصق بالشرق لدى الغرب صور التخلف والجهل والخمول والعدوانية والتوحش والتسلط والاستبداد والغضب، العقلية الغربية هي عقلية يحكمها المنطق وتنمو باستمرار باتجاه التقدم أما العقلية الشرقية فهي لا عقلانية سكونية، تعيش حالة ركود دائم، لا قيم إيجابية تنمو فيها، تبدلت أيديولوجيا الدين في الغرب إلى أيديولوجيا الحضارة وعمادها وركيزتها تمدين بلدان الشرق بهدف تمدينها وإدخالها إلى الحضارة، ارتبط الإسلام بالشرق وأخذ صورة الدين المعادي للحضارة والتقدم وهو دين التحجر والتعصب، ارتباط الأدب بالسياسة، فالكتاب أو الأدباء والمثقفون لهم تأثيرهم السياسي، كمبادرة وصف الدولة العثمانية بالرجل المريض واستقلال القوى الأوروبية الخاضعة لسيطرة القوى العثمانية.

ولم تكن القناعات التي تدور في أذهان قادة وشعوب دول الغرب في الوقت الحاضر وليدة اليوم، بل هي حصيلة تراكم حضارة وتراث وسلسلة تجارب، قد تكون للحروب التاريخية وخصوصا الدينية منها تأثير ودور في تشكيل هذه الصورة القاتمة لدى الغربي عن الشرق مجتمعا أو أفرادا والذي أخذ صفة المسلم عموما، والكثير من المؤثرات كانت ذات حضور في تكوين هذه الصورة السيئة، وكما كانت الحضارة والتجارب هي السبب في ولادة هذه الفكرة المشوهة، علينا إعادة تركيب الصورة من جديد والمهمة أسهل بكثير مما نتخيل، فالصور في عهد التطور والإلكترونية المتقدمة أسرع انتشارا، قد تكون هذه الإشارة تصطحب الكثير من المخالجات المترددة أو حتى المناهضة لها ولكن الحضارة تصنع والصورة تسوق بالاتصال والملامسة بالمثاقفة وليس بما يدعو إليه البعض من رفض الاستعمار الفكري الغربي القادم للسيطرة على عقولنا في سبيل إنهاء كل ما يربطنا بحضارتنا العريقة، الحقيقة أن حضارتنا العظيمة انتهت وولت أدراج الرياح، كتب ابن حيان والحسن ابن الهيثم لا تصنع تلفزيونا أو جهاز كمبيوتر ولا حتى لعبة صينية أو تايوانية الكترونية للأطفال. لن تنجح بالبعد والمقاطعة، فنحن الذين بحاجة إلى المواصلة والالتقاء قبل الغرب.

إن الأزمة حقيقية وهي أزمة هوية تحديدا، أزمة بحث عن موقع يحدد ماهيتنا ويحدد ما نحتاج إليه من أدوات ووسائل، وقبل ذلك ما نحتاج من مفاهيم لندخل هذا العصر من أوسع أبوابه حضورا وثقافة وسياسة وصناعة وتأثيرا، ولن نستطيع الخروج من دائرتنا الضيقة، أي دائرة الدفاع عن النفس والمحاولة في الخروج من تلك الظلمة التي تحيط بنا مجتمعا وثقافة وحتى تراثا تاريخيا. تلك الظلمة في كثير من المشاهد التاريخية كانت من صنيع أيدينا، نكتب التاريخ من دون صدقية، ننكر الحقائق ونجمل كل خطأ تاريخي نقع فيه والذريعة الكبرى متوافرة على الدوام (العيب ليس في الإسلام بل في المسلمين، العيب ليس في العروبة بل في تطبيقها).

ومع بروز سياسة تنتمي إلى مفهوم المقاطعة وتفعيلها من بعض مراكز القوى الثقافية أجد لزاما على نفسي نقد هذا التوجه. ليست المقاطعة والبعد عن الواقع الحضاري بشتى صوره السياسية أو الثقافية أو حتى الاقتصادية هو الحل والطريقة المثلى للتعامل مع الوضع الراهن. ولابد من أطر واضحة نستعين بها في عملية الدخول إلى العصر الراهن ومن ثم محاولة إيجاد هوية جديدة تليق بنا وبدورنا التاريخي وبالمكانة الثقافية والسياسية والاقتصادية التي نستحقها.

إن محاولة تغيير المجتمع وأعني أي مجتمع إلى أية صفة أو حالة جديدة عملية معقدة وشاقة، والعامل الأهم والأساسي هو فهم هذا المجتمع بأبعاده كافة والمؤثرات التي تلعب الدور الرئيسي في بلورة تشكله وثقافته، فلن ننجح أبدا إذا أغمضنا أعيننا عن حقيقة مجتمعنا واتجهنا إلى رسم الصورة التي نريدها عليه وحسب، بحق اعتبارنا من الناس اننا النخبة المثقفة التي تفكر عن الجميع وتعرف مصلحة المجتمع وكأن الشعوب مجموعة رعاع. الملتقي العربي يقتنع بالكثير من الصور المؤثرة في الماضي ولم يعد المواطن العربي لم يعد لقمة سائغة لأي متحدث أو سياسي يجيد تنسيق الكلمات، ما أود الوصول إليه أن المثاقفة وجعل التحول الثقافي تلقائيا نتيجة المخالطة والاتصال الثقافي بأنواعه وصوره أنجع وأضمن طريقة للحصول على نتائج مرضية في النهاية، ليست دعوة تنازل عن حقوق وليست دعوة للخضوع، ولكنها دعوة لقليل من الواقعية والتعايش مع الزمان والمكان بصدقية وموضوعية

العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً