بقدر ما كان النظام العراقي البائد بغيضا ومؤذيا لشعب العراق الكريم، ولشعوب المنطقة، فإنه كان مؤيدا من قبل الكثير من قوى الاستكبار الدولية والاقليمية. إذ تم دعمه بكل وسائل القوة حتى انقلب السحر على الساحر. وتم توظيف ذلك النظام الاكثر دموية قديما وحديثا لمحاربة الثورة الاسلامية في ايران ومحاربة شعبه. وما درى اولئك ان للظالم جولة، وان للعدل دولة، وأن من يسيس شعبه بالنار والحديد، ويبدد ثروات شعبه على الملذات الرخيصة والدعايات الحزبية المريضة لن يكون أمينا لأية جهة حتى من تمده بوسائل القوة والتمكين.
إن الانظمة المستبدة حين تتجاوز الخطوط الحمر في مواجهة شعوبها، وتقتل فيهم كبيرهم وصغيرهم، فإن الله العظيم سيكون لها بالمرصاد قبل اية جهة أخرى. لقد طغى فرعون مصر «وجعل أهلها شِيَعا يَسْتَضعِفُ طائفة منهم يُذبح ابناءهم ويستحي نساءهم» (القصص 4) فكان الله له بالمرصاد، وجعل ازالة ذلك الطاغوت من مجريات إرادته. إن تلك الانظمة التي تحارب شعوبها وتنكد عيشهم، ولا تدع لهم رأيا ولا سلطة فإنها تكتب نهايتها من أول يوم تتخذ فيه سياسة البطش والتنكيل.
لقد سكتت معظم دول العالم على تجاوزات صدام حين كان ينكل بشعبه، وما المذابح التي تكتشف يوميا في العراق الا شاهد حي على دموية ذلك النظام المتطرف. ولكن حين شعرت اميركا ومن معها بإمكان استثمار الحال العراقية لتحقيق جملة من الاهداف الاقتصادية والسياسية البعيدة، أعلنت حربها على العراق بدعوى تملكه أسلحة الدمار الشامل. فالشعوب ومآسيها لا تساوي درهما واحدا عند أميركا، ولكن حين تشعر بأن مصالحها بلغت حدا من الشهوة التي لا يمكن إيقافها، فإنها مستعدة لشن حرب شعواء حتى تسقط طاغية مثل صدام.
سقط صدام لأنه كان لابد ان يسقط، إذ وصل حدا لا يستطيع معه البقاء. فالذين ذهبوا إلى العراق قبل أشهر من بدء الحرب، والمطلعون على الوضع العراقي عن كثب وصلوا إلى نتيجة واضحة هي أن النظام كان آيلا للسقوط بسبب شيخوخته وهرمه الداخلي، فقد كان معظم العراقيين يعيشون حال تململ واضحة شملت حتى الكثير من العناصر البعثية بل العاملة في اجهزة المخابرات نفسها، وكانوا يتوقعون سقوط النظام في اي وقت. وادركت اميركا وبريطانيا هذا الامر فاستغلتا الموقف بمهارة وخبث.
إن تلك الانظمة المهترئة الظالمة هي حقا كبيت العنكبوت التي نعتها ربنا في كتابه الكريم «مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون» (العنكبوت 41).
جعفر العلوي
العدد 307 - الأربعاء 09 يوليو 2003م الموافق 09 جمادى الأولى 1424هـ