العدد 439 - الثلثاء 18 نوفمبر 2003م الموافق 23 رمضان 1424هـ

فقراء دولة أوروبية يبيعون أطفالهم رقيقا

حدثت واقعة غير متوقعة في مزرعة للخنازير في رومانيا كشفت عن تجارة وحشية جديدة في العمل الاجباري، إذ يعمد الآباء البائسون المدقعون إلى بيع أطفالهم رقيقا بمبلغ من الضآلة بحيث لا يتجاوز70 جنيها استرلينيا.

جورجيتا سيورني (13 عاما)، ظهر في المستشفى في العاصمة بوخارست، وهو يعاني من حروق بنسبة 60 في المئة بعد حادث في خطوط الطاقة. وبينما كافح الأطباء لإنقاذ حياة الصبي، جاء مزارع من قرية غوستينو الواقعة على بعد 30 ميلا إلى الجنوب من العاصمة لطلبه.

وقال الرجلان كان «سيد» الطفل الذي اشتراه من والديه وتحت وقع الصاعقة رفض الاطباء طلبه واستدعوا الجهات الرسمية.

واكتشف المحققون ان جورجيتا واخاه الأصغر كانا يعملان في مزرعة الخنازير في غوستينو لأكثر من عام منذ تم شراؤهما من والديهما مقابل مبلغ 140 جنيها.

برنامج «انقاذ الاطفال» قال ان الأخوين كانا ضحية التجارة الجديدة المشئومة التي يقوم فيها العاملون في المناطق الأفضل حالا في جنوب البلاد بشراء العمال - الأطفال من منطقة الشمال الشرقي الفقيرة.

يقول مدير برنامج «انقذوا الاطفال» جورج رومان: «انها عبودية العصر الحديث. وان الطفلين ليسا وحيدين في هذه المعاناة، وان هناك العشرات أمثالهم يقومون بأعمال شاقة، بعضهم لم يتجاوز التاسعة». وكشفت الواقعة ان تزايد الفجوة في الثروة في هذا البلد المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي الذي يفاوض للالتحاق بالتكتل في العام 2007. وارتفاع نسبة البطالة والفقر المدقع يدفعان الناس إلى هجرة المناطق الشمالية الفقيرة بحثا عن العمل في اقليم ترانسلفانيا الغربي أو بالقرب من بوخارست.

ويجبر الاطفال على العمل لفترة 14 ساعة في اليوم ولا يتلقون غير الطعام والسكن. وفي بعض الحالات وجد ان الآباء يؤجرون اطفالهم مقابل أجرة شهرية تبلغ 12 جنيها.

تحريات الشرطة في غوستينو والمنطقة المحيطة بجيوجيو أوصلتها إلى معرفة 16 حالة أخرى على الأقل، بما فيها تسع حالات في المزرعة نفسها التي أصيب فيها جورجيتا بعد تسلقه عمودا للتلغراف بينما كان يعتني بالخنازير. ويعتقد مسئولون ان «سادة» آخرين اضطروا إلى التستر على أنفسهم منذ وقوع الحادث. ويقول رومان: «ان كل المنطقة مسممة بهذه الظاهرة الجديدة، فالناس يستفيدون من عوز ويأس وفقر الآباء».

أحد المزارعين الغاضبين واجه كاميرا التلفزيون قائلا: «إذا أخذتم هؤلاء الأطفال فسنشتري غيرهم»!. وبحسب القانون الروماني فان من يثبت تورطهم باستغلال الاطفال يواجهون حكما بالسجن لمدة 15 عاما.

وتتبع الصحافيون عائلة الأطفال حتى وصلوا إلى منزلهم في قرية كابلينيتا، في منطقة مولدافيا الشمالية الشرقية، إذ يعتقد ان غالبية الاطفال قادمون منها. وكان الاكتشاف المذهل ان العائلة تعيش في ظروف أقرب للقرون الوسطى. فالوالدان اللذان أنجبا 15 طفلا يعيشون في بيت من الطين والقش، مع نوافذ من النايلون، والكهرباء لا تصلهم إلا متقطعة. أحد المراسلين المحليين صرح للاندبندنت: «الأب سكران، فهو ينفق كل ماله على معاقرة الخمر ويظل لا يحصل على شيء ليشرب».

مديرة وكالة حماية الطفل بينتيلي بينزويش قالت انهم بدأوا خطوات لضم الأخوين سيورني إلى العناية. هذه الحادثة أدت إلى انتقادات واسعة للسلطات. وهناك دعاوى أخرى مماثلة في العام 1999 من قبل طفل زعم انه فر من نظام من العمل الإجباري والضرب، في المنطقة نفسها، ولكن الشرطة تجاهلت طلبات إجراء تحقيق يومذاك.


الزيارة المحفوفة بالمخاطر من كل جانب

هذه هي الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها رئيس اميركي لبريطانيا، التي لا تأتي في الوقت المثالي بالنسبة إلى البيت الابيض. فالرئيس بوش وصل إلى لندن مساء أمس بينما السياسات الداخلية في بلاده تشهد توازنا دقيقا.

وفي هذه الفترة التي يواجه فيها ضغطا وهو على أبواب دورة انتخابية جديدة، فإن معدلات تأييده تتراجع. وربما يبدو وضع الاقتصاد أكثر صحة، حتى سوق العمل تتقدم، ولكن الغالبية العظمى من الناخبين الآن لا يقرون سياسته في العراق.

العراق ليست فيتنام طبعا، حتى الآن على الأقل، ولكن إذا استمر معدل الإصابات والخسائر بالمستوى نفسه الذي شهده شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، فإن الرئيس بوش سيدفع ثمن غضب الرأي العام عندما يذهب الأميركيون إلى صناديق الاقتراع في غضون 12 شهرا. وبالمقارنة بين الموضوعين المهمين: الاقتصاد والعراق، فإن التقدم في الزيارة الخارجية حيث الأبهة والاحتفالية سترجح على جوهر الزيارة، ما يجعلها هامشية في حسابات المرشح بوش الانتخابية.

والقول إن البيت الابيض ينظر إلى زيارة لندن فرصة لالتقاط الصور قبل الانتخابات أمر لا معنى له. فالرئيس القادم من تكساس ربما لم يحلم قط بأنه سيقضي ثلاث ليالٍ في قصر بكنغهام في ضيافة صاحبة الجلالة الملكة اليزابيث. والاميركان الذين تنحصر معرفتهم بالشئون الملكية عموما بالحديث الجاري عن الحياة الخاصة للأمير تشارلز ومذكرات بول بوريل، من المرجح ألا يتأثروا بذلك إلا قليلا.

والصور التي يهم واشنطن التقاطها هي مع طوني بلير. ففي لقائه رؤساء تحرير الصحف البريطانية الاسبوع الماضي، امتدح بوش حليفه رئيس الوزراء البريطاني بلير ما لا يقل عن 15 مرة! وبالنسبة إلى بلير فكل كلمة في ذلك المديح قد تكون قطرة أخرى من كأس القربان، على طريق علاقته الحميمة بأقل الرؤساء الأميركيين شعبية في بريطانيا. بينما المعادلة معكوسة بالنسبة إلى بوش. وكما كانت سلفه مارغريت ثاتشر، فإن بلير ينظر إليه بصفته نبيا تلقى من التقديس في الولايات المتحدة أكثر مما تلقاه أي رئيس وزراء بريطاني في بلده.

وفي الاستطلاع الأخير الذي أجري الصيف الماضي بشأن وجهات النظر الاميركية والعالمية المتبادلة، وجد ان بلير كان أكثر شعبية بين الأميركيين حتى من الرئيس بوش نفسه. ففي حربهما المشتركة على العراق كان بلير يبدو شخصية أكثر تأثيرا من بوش نفسه!

وفي لندن يواجه بلير ضررا سياسيا من جراء الاشمئزاز، بينما يكسب في المقابل ضيفه الاميركي مجدا! واللندنيون -وليس سكان نيويورك او بوسطن - هم الذين سيعانون من المضايقات جراء الاجراءات الامنية الضخمة المتخذة لحماية بوش. ولن يجد المشاهدون الاميركيون في الأمر غرابة ان يشاهدوا الموكب الرئاسي يمر عبر شوارع خاوية. وما سيلاحظونه هو الصفوف الطويلة للمتظاهرين، وهنا يكمن الخطر الحقيقي الذي يتحسس منه البيت الابيض.

والاميركيون يدركون ان بوش لن يتلقى أكاليل الزهور في شوارع باريس او برلين، ولكن لندن وضعها مختلف، فبريطانيا فتحت قلبها في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، وكانت حليفا مخلصا موثوقا به في الحرب على العراق. وبعد كل تلك التحذيرات المتقدمة، ستكون الصور الحية المنقولة مباشرة لمئات الآلاف من المتظاهرين من المواطنين البريطانيين المحتجين على مجرد زيارته، بلا شك، صدمة كبيرة للاميركان. وذلك من شأنه أن يعكس انطباعا في أميركا إلى أية درجة نفّر بوش الرأي العام الأجنبي، ما يعزز من الشكوك التي تدور حول «جودة» قيادته، إذ كان تصلبه في اوقات الازمات النقطة التي سوّقته للناس.

وستكون هذه أياما معدودة مشحونة بالنسبة إلى القيادتين وعندما يغادر بوش الارض البريطانية يوم الجمعة، من الوارد ان يكون أي شيء أقل من كارثة حقيقية يمكن احتسابها نجاحا كبيرا.

ينشر المقالان بالاتفاق مع صحيفة «الاندبندنت» البريطانية

العدد 439 - الثلثاء 18 نوفمبر 2003م الموافق 23 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً