العدد 469 - الخميس 18 ديسمبر 2003م الموافق 23 شوال 1424هـ

بين ثقافة العنف العربي وثقافة الحوار الإسلامي

على خلفية محاضرة مجلس الشيخ الجمري

في الحقيقة أثرى المفكر الإسلامي محمد أبو القاسم الحاج حمد خلال الفترة التي قضاها في البحرين في أعقاب الدعوة الكريمة التي وجهتها إليه الشيخة مي صاحبة مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث لإلقاء محاضرة في موسمه الثقافي الثالث.

وقد مدد أبو القاسم فترة دعوته بضعة أيام إذ نزل خلالها ضيفا على منزل الشيخ عبدالأمير الجمري شفاه الله وعافاه ولم يقصر في تلبية دعوة كل الجمعيات والمراكز الثقافية والسياسية التي دعته إلى إحياء أمسيات ثقافية بها، كان آخرها دعوة جمعية الوفاق الإسلامية إليه لإلقاء محاضرة عن قضايا تخص المرأة إذ كان الحضور نسويا كما يبدو.

وأقام محاضرتين خلال فترة وجوده في البحرين في مجلس الشيخ عبدالأمير، ولفت نظري حماس شباب أهل القرى لحضور محاضرته ومشاركتهم الجادة بالأسئلة وكان قد أقام ضمن هذه الفعاليات محاضرة قيمة كذلك في بيت القرآن تحت عنوان (الإسلام ومنعطف التجديد) وكشف أبو القاسم أنه غالبا ما يطرح (التجديد) تحت ضغط حضاري إنساني لعبور الفجوة الماثلة بين الدين الإسلامي والثقافة العالمية الراهنة وأطرها الاجتماعية وقيمها المعرفية وآلياتها الدستورية والسياسية والاقتصادية، ورأى أنه غالبا ما ينجح بعض الباحثين المجددين لمنطق المقاربات حين يماثلون بين نص الشورى القرآني والديمقراطية متجاهلين تعارض المنظومتين الإسلامية والغربية بسبب اختلاف مرجعيتهما.

وقد تشرفت بحضور معظم الفعاليات التي تحدث فيها أولا لمعرفتي بالإمكانات الفكرية والسياسية التي لديه ثم لكونه صديقا قديما تعرفت عليه عندما كنت أعمل في صحافة الإمارات وأدير النادي العربي الثقافي بالشارقة خلال فترة السبعينات.

ما لفت نظري خلال محاضراته الأخيرة التي ألقاها أبو القاسم عدم رضا بعض المثقفين الأصوليين على اعتبار أن أطروحاته التجديدية لا تتوافق مع هواهم لخروجه على الأسلوب التقليدي وجرأته في طرح أفكار يختلفون معها.

وخلال محاضرته الأخيرة في مجلس الشيخ الجمري طرح موضوعا أثار انتباهي وهو أن الإسلاميين من دون غيرهم لا يتمكنون من خلق منهجية متطورة خاصة بهم أو تجمع يساير التطورات المطروحة في مقابل الليبرالية أو الماركسية أو القومية لأن مرجعيتهم هي الثقافة الإسلامية التي جاءت قبل ما يزيد على 1400 سنة مع ظهور الدين الإسلامي، لكني اختلفت معه في قضية يجب التنبه لها جيدا... ان ثقافة العنف على سبيل المثال التي يتهم فيها الغرب المسلمين خلال أعمالهم الانتحارية أو الاستشهادية تعود إلى الإسلام وفي هذا خلط كبير، لأن الإسلام أكثر الديانات إيمانا بثقافة الحوار، فآيات الدعوة إلى الحوار ونبذ العنف كثيرة بل إن الرسول (ص) ضرب مثلا تطبيقيا لذلك عندما فتح مكة وعفى عن أعدائه بل أعطا كبيرهم أبو سفيان (مكانة أدبية) تأكيدا على نبذ الإسلام للعنف، لكن ثقافة العنف جاءت من خلال الثقافة العربية القبلية، والتاريخ الذي سبق ظهور الإسلام - أقصد مرحلة الجاهلية - استمرت مع المسلمين من حيث حبهم للقتال، فالقبائل العربية كانت تتقاتل من أجل الماء والكلأ بل ومن أجل أمور تافهة لسنوات طويلة بسبب الخلاف على ناقة مثل حرب داحس والغبراء وحرب البسوس وغيرها، فلهذا فإن الغرب وقع في خطأ جسيم عندما اتهم ثقافة الإسلام بأنها ثقافة عنف، إذ ان الإسلام بريء عنها بل يرجع الفضل له على أنه هذب أخلاقيات العرب وفي اعتقادي أن العنف يأتي من كون المناهج الحديثة بوزارات التربية والتعليم تعطي أهمية ثانوية بمادة الدين، فثقافة العنف تكمن في عدم تعليم النشء الدراسة المتعمقة للإسلام وبالتالي يأتي استمرار ثقافة العنف فيهم من الإرث العربي الجاهلي، ولو تنبه الأميركان والغرب إلى هذه الخلفيات لدعوا الدول العربية والإسلامية بتدريس مادة الدين الإسلامي بشكل أفضل لأن الإسلام أكثر الديانات السماوية التي تدعوا إلى تفهم ثقافة الحوار والتلطف والمجادلة بالتي هي أحسن والقول اللطيف اللين الذي يحول الأعداء إلى أصدقاء، فإن هذا العنف وعدم الخوف والسعي إلى الموت عند مواجهة العدو هو إرث عربي حمله العرب قبل الإسلام، أما لماذا نجد المسلمين من غير العرب هم أيضا ميالين إلى العنف كما يجري حاليا فإن تفسير ذلك يعود إلى أن العرب هم الذين أوصلوا الفكر الإسلامي ومعه هذه الثقافة العربية التي تعودت على الصراع فيما بينها لأتفه الأسباب لهم، وإنّ ما نراه من اختلاف واختلاق لقضايا خلافية بين البلاد العربية والمسئولين العرب أكثر من غيرهم هو نتاج ذلك الإرث من الثقافة الجاهلية التي لم تكن تؤمن بالحوار.

بل إن مفكرنا محمد أبو القاسم حاج حمد كشف في محاضرته الأولى ان الثقافة الإسلامية كانت ترفض التوسع الإمبراطوري بالعنف مما دفع مجموعة من العناصر القيادية الذين كانوا يرون في التوسع الإسلامي مصالح شخصية وغنائم لهم ما دفعهم إلى التحايل لأخذ الشرعية من الخلفاء الراشدين للقتال وفرض الإسلام من خلال الفتوحات كما كشف أبو القاسم عن محاولات معاوية في حروبه مع البيزنطيين وعمرو بن العاص في فتحه لمصر، ونحن نرى أن معظم الفتوحات التي حدثت جاءت في فترة ما بعد الخلافة الراشدة، ففي عهد الرسول محمد (ص) كانت الحروب دفاعية ولم تكن هجومية - وفي ظني أن تسمية الغزوات فيما حدث بين المسلمين وبين المشركين من القبائل العربية لم تكن صحيحة، فهي كانت دفاعية لصد الأذى عن أنفسهم ولهذا فإنني أفضل تسميتها بمعارك المسلمين - ومن هنا فإني رأيت أن هناك خلطا واضحا فيما طرحه المفكر الإسلامي محمد أبو القاسم في محاضرته الأخيرة في مجلس الشيخ عبدالأمير الجمري.

أما حب العنف الذي نجده لدى الأصوليين في المملكة العربية السعودية فهي لا تأتي من منطلق إسلامي بل من منطلق محاولة هؤلاء الذين اتسعت قاعدتهم عبر سنوات طويلة منذ بدايات حكم الملك عبدالعزيز آل سعود ومن بعده أبناؤه عندما تم إعطاء المجال للإسلاميين للتحرك كيف يشاءون ربما جاء ذلك من منطلق إحساس الملك عبدالعزيز رحمه الله بأن المملكة أرض باركها الله وشرفها بوجود الكعبة المشرفة قبلة المسلمين جميعا، ولهذا فإن من حق الإسلاميين أن يكونوا هم المهيمنين على هذه الأرض ليكونوا حماة لها... مما اتسع المجال أمامهم ليبرزوا كقوة تنامت وكاد ينتشر دعاتها في كل أرجاء المملكة العربية السعودية وبرز لهم نهجهم الخاص الذي جاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ليخلصهم من الخرافات التي ألصقت بالدين الإسلامي، فتمادى أتباعه في فرض قضايا ربما لم تأت ضمن تعاليم وفكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب المستمدة من الإمام أحمد بن حنبل.

وعندما أرادت القيادة السياسية بالمملكة العربية السعودية تحجيم دورهم بسبب الضغوط الأميركية والغربية عليها التجأوا إلى العنف والإرهاب لا من منطلق ديني كما يروجه البعض، بل من منطلق الدفاع عن دورهم السياسي ومواقعهم القيادية التي بلغوها وخوفا على مكتسباتهم التي حصلوا عليها خلال المرحلة السابقة، وإلا ما هو تفسير سكوتهم عن الأميركان في المراحل الأولى عند اكتشاف النفط إذ كثر عددهم وتحركهم داخل المملكة وبناء مدينة الظهران من دون أية معارضة، لماذا كل ذلك جرى فيما بعد سقوط حكومة طالبان الذي برز دور الإسلاميين بتشجيع أميركي لإسقاط نظام نجيب الله الماركسي وإضعاف الجيش الروسي الموجود أيامها في أفغانستان.

إن كل ما يجري هو عمل سياسي بعيد كل البعد عن التأثير الإسلامي فهؤلاء الإسلاميون يندبون حظهم العاثر في فقدان الحكومة التي أنشأوها في أعقاب الإستيلاء على أفغانستان بعد إسقاطهم النظام الماركسي فيها من خلال تقديم آلاف الضحايا والكلف المادية الباهظة التي كلفتهم بما فيهم فئات من الطبقة البرجوازية التي قادتهم من أمثال الشيخ أسامة بن لادن والظواهري وغيرهم، وهم لا يتراجعون بسبب ما يحملون من ثقافة عنف موروثة قبل الإسلام.

إن كل هذا الصراع لا دخل للإسلام فيه وإنما يأخذ ذلك غطاء لما جرى من فقدانهم للحكم في أفغانستان والمركز السياسي والمواقع المتقدمة في المملكة العربية السعودية التي بلغت درجة من القوة ان كان النظام السعودي يخافهم بعد تناميهم العددي في غياب الفكر الآخر المنافس لهم من ليبراليين ويسار لقمع الباقين من منطلق ما ذكرته إفساح المجال أمامهم في أرض كرمها الله بوجود أكثر مقدسات الإسلام أهمية فيها.

وسأعود للاستشهاد ببعض الأمثلة للتأكيد أن ثقافة العنف وغيرها من العادات التي نهى عنها الإسلام في تربية الفرد المسلم وجاءت من خارج إطار الثقافة الإسلامية، فعلى سبيل المثال ترى أن العربي مازال يعتبر مشاركة المرأة ومساواتها بالرجل أمرا مرفوضا وهذه العادة جاءت منذ الجاهلية التي كان الرجل يعتبر المرأة عارا عليه، إذ عندما كان يبشر بالمولود الأنثى يتوارى عن الناس كما تقول الآية الكريمة: «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودّا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون» (النحل: 58-59).

ونجد أن القيادات العربية ترفض مشاركة الشعوب لها وتصر على الحكم الشمولي معها وهي عادة قبلية جاهلية إذ كان يعتبر شيخ القبيلة هو الحاكم وهو الأب وهو الآمر والناهي ولا يحق لأحد من أفراد القبيلة معارضته، ونجد عادة الثأر مازالت باقية بعنف لدى كثير من الفلاحين والصعايدة في عدد من البلدان العربية مثل مصر وغيرها وهي عادة جاهلية إذ يعتبر من العار عليه أن يقبل بحكم القانون على الجاني بل لابد من أن يقتص منه شخصيا.

هذه كلها جاءت كإرث ثقيل منذ أيام الجاهلية التي سبقت الإسلام ولو كان بوش والغرب يدركون أن الإسلام هو وراء تهذيب العرب وأن ثقافة العنف هي من تركات الجاهلية فيهم لطالبوا الحكومات العربية بتدريس الثقافة الإسلامية التي هي ثقافة حوار وتسامح وسلام.

ومن هنا كان اختلافي مع المحاضر أبو القاسم حاج حمد في موضوع إرجاع كل ما يحدث على خلفية الثقافة الإسلامية.

كاتب بحريني

العدد 469 - الخميس 18 ديسمبر 2003م الموافق 23 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً